TOP

جريدة المدى > منوعات وأخيرة > في ذكرى رحيله.. بيت المدى يستذكر الشـاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب

في ذكرى رحيله.. بيت المدى يستذكر الشـاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب

نشر في: 5 يناير, 2025: 12:10 ص

بسام عبد الرزاق

أقام بيت المدى في شارع المتنبي، أمس الأول الجمعة، جلسة لاستذكار رائد الشعر العربي بدر شاكر السياب في ذكرى رحيله، قدّمها الناقد أحمد الظفيري، وتحدّث خلالها نقاد وأدباء عن حياة السياب والتحولات التي خاضها في طفولته والانتكاسات المتوالية عليه، فضلا عن ريادته الشعر الحر والتجارب المجاورة لهذه الريادة. الناقد فاضل ثامر، قال ان "السياب ليس شخصا عابرا في حركة الشعر العربي الحديث بل هو أحد الاوتاد الأساسية التي أسست لمشروع حداثة تنويرية متطورة خرجت بالشعر العربي من دهاليز الظلام والتخلف الى فضاء الحداثة والتجديد".

وأضاف، ان "السؤال عن بدر شاكر السياب أيضا، يطرح مجموعة أسئلة، أما زال السياب فاعلا ومؤثرا في الحياة الشعرية العربية؟ أم انه اصبح مجرد هامش وتاريخ دراسي؟، وأيضا يرتبط الحديث عن السياب بالحديث عن مشروع الحداثة وقضية الريادة، ونعرف هذا النزاع المستمر بين أولوية نازك الملائكة او أولوية وريادية السياب، ورغم ان لدينا تواريخ متقاربة للقصائد التي كتبت في تلك المرحلة "الكوليرا" لنازك الملائكة، و"هل كان حبا" للسياب عام 1947، الا انها تدفعنا الى القول بان مشروع الحداثة هو ليس مجرد مزاج فردي وانما هو تعبير عن حاجة ضرورية املتها ضرورات التطور الاجتماعي والثقافي والحساسية الثقافية الجديدة التي بدأت تتطور بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط المحور النازي وصعود التيار الديمقراطي في العالم". وأوضح ثامر، ان "هذا دفع المجتمع العراقي للتحسس بضرورة التجديد في مختلف مفاصله الاجتماعية والثقافية والسياسية ومنها القضية الخاصة بحركة الشعر، وهكذا بدأت الحركة بوصفها مشروعا اجتماعيا قبل ان تكون مشروعا فرديا على الرغم من القيمة الفردية لهذا المشروع".
وبين ان "السياب خرج من الريف الى المدينة، شأنه شأن الكثير من الشعراء العرب الذين خرجوا من الرف الى المدينة مثل احمد عبد المعطي حجازي الذي كان ضيفا للعراق قبل فترة، وصدم بوجه المدينة الحجري المتصلب والذي تحدث عنها وقال انها مدينة بلا قلب، كذلك السياب أحس بهذا الرعب لكنه حاول ان يتكيف تدريجيا مع العالم وان يدخل مفازاتها المختلفة وساعده الانتماء الى الحركة السياسية وتحديدا الى الحزب الشيوعي والذي استمر 8 سنوات، وفي هذه الفترة أعاد السياب تكوينه واستطاع ان يقدم رؤية متجددة".
بدورها قالت الناقدة د. نادية هناوي، ان "الحديث عن السياب يعني ان نتحدث عن حركة الحداثة ومشروع الحداثة العربي، وحركة الشعر الحر لم تكن مجرد حركة فنية طورت الشعر واتجهت به اتجاهات جديدة، لا، حركة الشعر الحر كانت بمثابة انقلاب فكري وجمالي في الوعي العربي بالعموم، ولو تبحثون عن الحداثات في البلدان العربية ستجدون ان بواكير أي حداثة في البلدان العربية جاءت كتبعة من تبعات الشعر الحر، فمن ثمة هي حركة ثورية انقلابية قادها السياب والملائكة، لكن الموقف العام في تلك المرحلة في نهاية الاربعينيات، حين ظهرت قصيدة "الكوليرا" للملائكة و"هل كان حبا" للسياب، ظهرتا متزامنتين في عام 1947، ولكن عام 1949 كان بمثابة الانطلاقة الحقيقية لحركة الشعر الحر، لان نازك الملائكة أصدرت ديوانها "شظايا رماد" وضمنته مقدمة بمثابة بيان شعري حددت فيه سمات هذه الحركة، بمعنى ان الشعر الحر وتجريب كتابة الشعر الحر كانت موجودة قبل السياب والملائكة والشعراء الرومانسيون كانوا الأكثر ميلا الى خرق القواعد والاتيان بالجديد فنيا، ولكن الذي يميز السياب والملائكة ويجعل منهما رائدين عربيين بامتياز هو هذه القصدية والنزعة التي انبثقت من وعي خالص واجتهاد ومواصلة ومثابة في مشروع الحداثة وكتابة الشعر الحر".
وتابعت ان "حركة الشعر الحر في ذلك الوقت، على الرغم من ان نازك الملائكة كانت منظرة الحركة لكن السياب كان مطبقها الاجرائي الحقيقي، ونازك كانت اكثر وعيا بالقضية من الناحية الفكرية، اما السياب فكان الأكثر تطبيقا لها من الناحية العملية". من جانبه أشار الناقد علي حسن الفواز الى ان "السياب هو أكثر الشعراء العراقيين والعرب الذين تعرضوا الى عملية الحفر والنبش في تاريخه، بحيث ان السياب الذي نتحدث عنه اليوم هو سياب الكتب وليس سياب الواقع، وان الكتب والدراسات والأبحاث ان كانت المضادة او المنحازة قد صنعت ايقونة شعرية هي التي نتداولها بعيدا عن حقيقة السياب الانسان والشاعر والسياسي والتاريخي والذي انتقل من بيئة الى بيئة".
وأكمل، انه "اتحدث عن جزئية تتعلق بمرحلة مهمة من مراحل حياة السياب وربما هي المرحلة الحرجة او الحاسمة التي أسهمت في صناعة ظاهرة السياب الشعري المتجاوز، وهي ظاهرة علاقة السياب بتجربة مجلة شعر ومجلة الاداب وبيروت والجماعة البيروتية وهذه العلاقة لها دور كبير في إعادة صياغة السياب، وهناك قول قديم قاله يوسف الخال في عام 1954 قال ان السياب شاعر ذكي وهذا الذكاء القائم على أساس الفطرة والانتماء الايدلوجي وعلى أساس وجود مرجعيات ثقافية تاريخية من خلال الدرس الثقافي، لكن اضن ان التحول الكبير في حياة السياب جاء بعد ان نشر قصيدته "انشودة المطر" في مجلة الاداب البيروتية التي اثارت الانتباه الى هذه الموهبة المغيبة والمهمشة وربما هي ما دعت ادونيس الى ان يوجه للسياب رسالة ودعوته الى بيروت، وفعلا حضر الى بيروت واعطيت له جائزة مجلة شعر".
وأضاف، ان "احتفاء مجلة شعر بالسياب كان مرتب الى حد ما، واحتفاء بموهبة السياب الشعرية، وربما لمحاولة تخليص السياب الشعري من مجلة الاداب لكي يكون جزء من مجلة شعر، وربما هكذا كانت المناورة بحسب ما تحدث به ادونيس في أحد اللقاءات التلفزيونية".
ونوه الفواز الى ان "ادونيس طلب من السياب ان يهيء كل قصائده وارسالها اليه، وادونيس قال اخترت مجموعة من القصائد تحت تسمية "انشودة المطر" ونشرت هذه المجموعة، وأرسل السياب رسالة الى ادونيس يسأل عن باقي القصائد، فقال له ادونيس: اتركها لذمة التاريخ، أي ان ادونيس كان له وجهة نظر من مجمل شعر السياب وربما ان القصائد التي اختارها لهذا الديوان تمثل النماذج المتميزة وهذا الذي أكده مالك المطلبي بعد عشرين سنة".
د. علي حداد، قال انه "قبل 10 سنوات طرحت مجلة عربية سؤالا على مجموعة من الباحثين وكنت منهم، وهو إجابة على السؤال الذي طرحه الأستاذ فاضل ثامر، انه ما الذي بقي من السياب؟ والسؤال لم يكن استفهاميا بقدر انه سؤال دهشة، وأننا الى اليوم نتعامل مع السياب مازال يعطينا كثير مما يشغلنا ونشتغل عليه، والسؤال أيضا سؤال دهشة لان ما كتب عن السياب يوازي ما كتب عن شكسبير لدى الإنكليز، كم كبير من الدراسات، وقبل سنوات عقد مؤتمر في جامعة البصرة وطرحت عليهم ان يقيموا مركز دراسات السياب ويجمعوا فيه كل ما كتب عن السياب ويكون هذا المكان مرجعية لمن يريد ان يدرس السياب والعملية ليست صعبة، لانه في كل انحاء الدنيا كتب عن السياب، لكن للأسف الجماعة مشغولين بغير أمور". وأضاف، ان "هذا الكم الهائل من الدراسات قد يفاجئ البعض، انه لم يكتب عن السياب في حياته كتابا خاصا، هناك مقالات وحديث عن الشعر الحر ومقارنات بينه وشعراء جيله في الصحف والمجلات، لكن كتاب مستقل عن السياب لم يكتب الا بعد وفاته، اول كتاب كتب للأستاذ محمود العبطه المحامي بعد وفاته بسنة، وتوالت الدراسات، وهذه إذا ما نتأملها فيها نسق مضمر اننا بعد وفاة السياب أدركنا أي شاعر وموهبة خسرنا، وربما انه جزء منها إحساس بالذنب".
من جهته قال الناقد د. احمد الزبيدي، انه "بعد الولادتين المتخاصمتين والمتصالحتين في الوقت نفسه (الكوليرا وهل كان حبا) قد صمت الشعر الحر لعامين متواصلين، ولم تصدر أي قصيدة حرة حسب قول نازك الملائكة الى صيف 1949 حين صدر ديوانها (شظايا ورماد) ثم في عام1950 صدر للبياتي (ملائكة وشياطين) وللسياب (اساطير)، بمعنى ان الولادة الفردية لم تكن ذات تأثير انتلجنسيا قادر على ان يحقق مغايرة شعرية، ولذلك هذا يرتبط بمفهوم الحداثة، بمعنى إذا ذكرت الحداثة الشعرية يذكر السياب وتذكر نازك الملائكة".
وأشار الى انه "لكن السؤال، هل كانت المغايرة الحداثية الشعرية هي فعلا كما يصفها الكثير من النقاد على انها ثورة شعرية بمفهوم الثورة المغايرة؟ اعتقد انها عملية صراع بين أساليب شعرية أكثر مما هو صراع بين اتجاهات فكرية، لذلك لا يتحقق التحول الحقيقي في أي مرحلة من مراحل التاريخ ان لم يكن مصحوبا بصراع فكري".
وأكمل الزبيدي حديثه بالقول، انه "في النقدية العربية القديمة تقوم على ثنائية أساسية هي الطبع والصنعة، وما من شاعر يتصارع مع شاعر اخر الا وكان بين هذين الاسلوبين، حتى ان كتاب الموازنة بين البحتري وابي تمام هو موازنة ما بين الطبع والصنعة، وهذا النسق الثنائي لم يختف حتى مع الشعر الحديث واجده صراع ما بين الطبع والصنعة، ومن النقاد الذين التفتوا الى هذه الظاهرة وقد يكون بعيدا عن النقد، هو مدني صالح في كتابيه هذا هو السياب والكتاب الاخر هذا هو البياتي، وحين تقرأ هذين الكتابين تصل الى نتيجة ان هذا هو السياب هو المطبوع وهذا هو البياتي هو المصنوع، ويلغز مدني صالح الى صنعة البياتي على حساب طبع السياب ويوازي ما بين مخبر السياب المطبوع ومخبر البياتي المصنوع وحتى انه يقول انه طبع السياب الذي جعله يكتب قصيدة القناة التي هي اول قصيدة قناع في الشعر العربي (المسيح بعد الصلب) لكن البياتي استطاع بحرفيته العالية ان يصل بالقناع وأول من كتب عن قصيدة القناع في كتاب (تجربتي) بمعنى ان الصراع بين السياب والبياتي لم يكن صراعا باتجاهات معرفية مختلفة".
في ختام الجلسة قال، امين الموسوي، انه "من يطلع على سيرة السياب سيرى ذلك التناقض الحاد في كثير من مواقفه وتصرفاته، واعتقد وقد أكون مخطئا، ان الذي صاغ السياب بهذه الصيغة ثلاث مسائل، الأولى هو موت امه والثانية زواج ابيه بعد سنة من موت امه وهو يذكر هذا في شعره متألما جدا، والثالثة، هي الواقع الذي عاش في كنفه السياب، فكان جده متمكنا واكن ازرت بعائلته الحال حتى ان والده أصبح مدينا ولا يستطيع ان يوفي الدين".
وأضاف، انه "وهناك مسألة شخصية جدا، وهي تكوين السياب البدني، فقد كان نحيفا وغالبا ما يمرض ولا يمتلك تلك الملاحة التي تتوافر عند الاخرين ولهذا هو عانى منها في علاقته مع الجنس الاخر".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بطولات وتحوّلات.. ملاحم ومحطات الجيش العراقي في الذكرى 104 من تأسيسه

اثيل النجيفي: التغيير السياسي في العراق قادم

الإعمار تحدد موعد التقديم الإلكتروني لقروض صندوق الإسكان

وزير الدفاع يعلن انجاز معاملات حقوق عوائل شهداء الجيش

التجارة تطلق حصة جديدة من السلة الغذائية إعتبارا من الغد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم عراقي عن الأديب الروائي الشهيد حسن مطلك

بيت المدى يحتفي بالسياب في ذكرى رحيله

صدور 3 مجلدات من كتاب أهازيج الأعراس وأغانيها وأمثالها في المدن العراقية

شوارع سهل نينوى ترقص على أنغام الهجع في ليلة رأس السنة

في ذكرى رحيله.. بيت المدى يستذكر الشـاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب

مقالات ذات صلة

في ذكرى رحيله.. بيت المدى يستذكر الشـاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب

في ذكرى رحيله.. بيت المدى يستذكر الشـاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب

بسام عبد الرزاق أقام بيت المدى في شارع المتنبي، أمس الأول الجمعة، جلسة لاستذكار رائد الشعر العربي بدر شاكر السياب في ذكرى رحيله، قدّمها الناقد أحمد الظفيري، وتحدّث خلالها نقاد وأدباء عن حياة السياب...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram