ترجمة / حامد أحمد
تناول تقرير لصحيفة التلغراف البريطانية الوضع المتدهور الذي تعيشه اهوار العراق من تراجع بمناسيب المياه وانحسار المسطحات المائية كتبعات للتغير المناخي وقلة الحصص المائية الناجمة عن بناء سدود ضخمة في البلدان المجاورة ادت الى نفوق اعداد كبيرة من الثروة الحيوانية التي تعد مصدر معيشة أهالي الاهوار في وقت عبر فيه نشطاء عن مخاوف من احتمالية نشوء نزاعات محلية حول موارد المياه وقد تتوسع الى نزاعات إقليمية.
ويشير تقرير التلغراف الى انه في الوقت الذي كان فيه المزارع، احساب عبد الحسن، 70 عاما، يستيقظ صباح كل يوم الرابعة فجرا ويستقل هو وابنه قاربهما وهو يمخر عبر مياه هور الجبايش لجني القصب المحيط بهم بوفرة من كل جانب، فانهما الان يضطران للتنقل لاكثر من ساعة علهما يحصلان على قصب مناسب للبيع.
وفي النهاية يلحظ الاب وابنه وجود واحة معشوشبة محاطة بمياه طينية ضحلة ومساحة أرضية متشققة من الجفاف. مناسيب المياه تنحسر أكثر كلما تقدموا وكان عليهم استخدام عود طويل لدفع قاربهما الى الامام لكي يتمكنوا من البدء بعملهما الشاق بقطع القصب وتجميعه على شكل رزم.
قال عبد الحسن معبرا عن حسرته " نبيع كل رزمة مقابل 2500 دينار، ولكن هذا مبلغ زهيد وغير كافي لتسديد أجور الوقود أو لجلب الطعام للعائلة، وغالبا ما ارجع للبيت بحزمتين فقط". ويذكر التقرير بان القصب هو شريان حياة أهالي الاهوار التي كان يطلق عليها جنة عدن. فالقصب يستخدم لبناء بوت وصناعة آثاث ولوازم منزلية مهمة وكذلك يستخدم كوقود وحتى كوصفات في علاج طبي تقليدي. وعلى مدى قرون كانت منطقة الاهوار مفعمة بالحياة بما ترفده مياه دجلة والفرات لأحواضها، ولكن حياة الاهوار تراجعت منذ ان أقدم النظام السابق على تجفيفها لقمع المعارضين هناك. ولحد حقبة التسعينيات كانت ماتزال المسطحات المائية في الاهوار تغطي مساحة 20 ألف كم مربع ولكنها انحسرت منذ ذلك الوقت لتصل وفقا لآخر تقديرات الى ما يقارب من 4 آلاف كم مربع.
والان وبعد سنوات عصيبة من فترات جفاف بسبب التغير المناخي ومشاريع ري ضخمة يتم تنفيذها في الجارة تركيا فان الاهوار وأهلها الذين اعتادوا العيش فيها على مدى آلاف السنين مهددة بالاضمحلال والتلاشي. وتقول الصحيفة البريطانية بانه حتى ان هناك مخاوف من ان تؤدي التوترات على تجهيزات وموارد المياه لصراع جديد في الشرق الأوسط.
جفاف عام 2020 اجتاح كل من العر اق وسوريا وإيران ويتم تصنيفه وفق مؤشر الجفاف الأميركي على انه كان جفاف "حاد" وكان تأثيره شديدا على منطقة الاهوار وسكانها.
وبينما لم تعد عملية حصاد القصب مفيدة ماليا، فان الشاب سلمان 21عاما، ابن المزارع عبد الحسن، لجأ الى صيد السمك باستخدام الصعق الكهربائي. وهي وسيلة صيد تلحق اضرارا بالبيئة، ولكنها احدى الوسائل التي تمكن العائلة من توفير مصدر عيش لها.
تقول، ليلى 61 عاما، زوجة عبد الحسن "اعد نصف كمية السمك الي يتم صيدها للغداء وابقي كمية قليلة كطعام لقططي الثلاث".
ولكن مناسيب المياه مستمرة بالانحسار الامر الذي جعل من الصعب حتى العثور على الأسماك. ويقول عبد الحسن "حالنا كحال السمك. لا ماء ولا حياة".
وعلى بعد أمتار من دار عبد الحسن، هناك عائلة أخرى تكافح من اجل العيش. كريمة سعود 50 عاما تعمل في صناعة الجبن.
تقول سعود وهي تغمس يدها في وعاء حار لتخمير قطع الجبن "لقد فقدت جميع ما املك من الجاموس، أما الان فانا اضطر لشراء الحليب من بائعين محليين لكي اصنع الجبن".
وبفقدانها قطيع الجاموس فقد تركت هي وعائلتها على حافة الفقر. وتمضي سعود بقولها "الفائدة المالية من صناعة الجبن الان بدأت تتقلص. صناعة الاجبان التقليدية في منطقة الاهوار هي ليست مجرد وسيلة لكسب العيش، بل هي جزء من ثقافتنا وتراثنا التي تربطنا بالماضي. وإذا لم تبادر الحكومة باتخاذ اجراء ملموس، فان هويتنا ستختفي أيضا".
وتقول التلغراف بانه ليست هناك احصائيات رسمية عن اعداد مواشي الجاموس التي نفقت في منطقة الاهوار بسبب الجفاف وشح المياه، مع ذلك فان تقاري محلية تفيد بان أكثر من 4500 رأس جاموس قد نفقت خلال العام 2022 في منطقة هور الجبايش لوحدها. مما اجبر ذلك الكثير من مربي المواشي للبحث عن مصادر مياه في مناطق أخرى، وقسم منهم انتقلوا الى المدن للبحث عن اعمال ومهن أخرى وقسم منهم انخرط بأنشطة غير شرعية مثل تهريب المخدرات. الناشط البيئي، جاسم الاسدي، يقول "مدن العراق الجنوبية تواجه تنافسا متزايدا على مصادر المياه. وما لم يتم تنفيذ حل شامل، فان هذه التوترات الداخلية قد تتفاقم لنزاعات خطيرة. اعتقد ان حربا وشيكة على الماء ستحصل".
وتذكر التلغراف في تقريرها ان مؤشرات توترات بخصوص شح موارد المياه هي موجودة أصلا بين العراق وإيران وتركيا وبدأت تزداد حدة.
يقول الاسدي "كل من إيران وتركيا كانا من المعارضين لإدراج منطقة الاهوار في لائحة التراث العالمي لليونسكو لان ذلك قد يجبرهما على إطلاق حصص العراق المائية".
وكانت تركيا قد شيدت منذ بداية الالفية الثانية أكثر من 1000 سد، ويصر مسؤولون اتراك على انها لأجل مشاريع توليد الطاقة وهي غير مسؤولة عن تدهور أوضاع الاهوار في العراق. ولكن خبيرا تركيا طلب عدم الكشف عن اسمه قال للتلغراف بان هذه الادعاءات مضللة.
وقال المصدر التركي "مشاريع توليد الطاقة هي بالأساس لأغراض الزراعة وري المحاصيل الزراعية في تركيا، وان الهدف من السدود هو زيادة تدفق المياه لمزارع تركيا وتقليل نسب توفرها في حوض الأنهر".
• عن التلغراف البريطانية