باسم عبد الحميد حمّوديالأصل أن يكون النقد عن المادة الإبداعية ، لوحة كانت أم مادة قصصية(سردية بحسب التوجهات النقدية الحديثة) أم مادة مسرحية أم فولكلورية تمتّ أساساً للثقافة الشعبية بصلة، أو تكون المقاربة النقدية عن شريط سينمي او تلفازي ... الخ
وقد دخل التدوين المعرفي عبر الـ(نت) الى حقل الدراسات النقدية الثقافية شرط ان تكون المادة المدونة (النص النقدي هنا)مادة مبتكرة، مؤلفة وليست مولّفة أو مقتطعة وممنتجة من هنا وهناك ، وهذا شرط أصيل وليس من الفروع .من فروع النقد الثقافي ألاّ تكون المعرفة المباشرة بين منشئ المادة الابداعية شرطا من شروط الاهتمام بمادته الإبداعية ، ومن فروع النقد الثقافي أيضا اعتقاد المنشئ المبدع بقدرات الناقد الذي قارب جسم المادة الإبداعية ، وذلك ليس شرطا أساسياً، ولا يهم الناقد مدى اعتقاد المبدع بقدرته بقدر ما يهمه انه يؤدي عمله من اجل الثقافة وبسببها .والراجح أن استخدام مصطلح النقد الثقافي هو الاصوب والأكثر شمولاً من مصطلح النقد الأدبي الذي يقصقص من قدرات الناقد ويجعله عند مستوى الجملة المدونة لا النص المحوّل أو الذي يصلح للتحويل الدرامي ، إضافة إلى أن ما تضفيه اللوحة من إضافات معرفية على الناقد الانتباه اليها .و الراجح أيضاً أن من أصول النقد الثقافي تلك الشمولية التي ينبغي أن يتمتع بها الناقد الثقافي من حصوله على معرفة ذات شأن من علم النفس والتاريخ والأنثروبولوجيا والفلسفة ... وسائر علوم عصره ليستطيع مقاربة المواد الإبداعية والمعرفية التي تعنيه نقديا، اعتمادا على المادة المعرفية التي يمتلكها إضافة إلى المنهج الذي يقف عنده .و من فروع النقد الثقافي اقتراب الناقد من معارف أخرى في الفلك والآثار وسواهما ، ذلك ان هذه المعرفة تعينه على اكتشاف سبل أكثر دقة لبحوثه تعتمد على المعارف الضافية التي حصل عليها .أن الكتابة عن (عبدة الصفر) لألان نادو تستوجب معرفة بعلمي الرياضيات والتاريخ، والكتابة عن (شفرة دافنشي) تحتاج الى مكتبة تبدأ من ألف ليلة وليلة ولا تنتهي بنماذج من الرواية التشردية وعلم البحر وعلم النفس وشذرات من التاريخ الكنسي وغيرذلك ، كما أن الكتابة عن شخصية من الرواة الكبار مثل (أيسوب)تستدعي معرفة بمبادئ الحكاية الشعبية وبفكرة العبودية وانواع القنانة وبالتاريخ اليوناني – الروماني في عهد ذلك العبد الراوي الذي يرد في المدونات انه ربما كان بابلياً .إن الإحاطة بفكرة (السجين السياسي) التي نفذها الفنان الكبير جواد سليم تستدعي معرفة الزمن الذي انطلقت الفكرة فيه وتأثيراته على الفنان وغيره ممن أسهموا في المسابقة التي جرت حول ذلك ،كما أن التعرض بالنقد الى أعمال شاكر حسن آل سعيد التي نفذها في سنواته الأخيرة دون دراسة لمنهجه الحروفي-الصوفي يعد مثلبة كبيرة لا تهتدي نتائجها البحثية الى نتائج دقيقة .إن دراسة الشريط السينمي العراقي المعروف (سعيد أفندي) كمفتاح للعمل السينمي في العراق تظل بنية معلوماتية ناقصة إذا أبعدنا المحاولات الأولى التي سبقته مثل شرطة (ابن الشرق) و(القاهرة –بغداد) و(عليا وعصام) ،لكن (سعيد أفندي) يظل تجربة سينمية خالصة مثل تجربة (ارحموني) لحيدر العمر وأن اختلفت عنها إخراجياً وفكرياً.النقد الثقافي هو الاصوب مصطلحا اليوم فالثقافة هي المجموع الاشمل لحركة العصر ، بل هي المحرّك لكل ممكناته التطويرية والأدب وفنونه جزء منها وصيغة النقد ثقافيا هي الأكبر من صيغته المقتصرة على أدبية الأدب ، فذلك تضييق معنى وإضعاف لدور النقد معاً.
وجهة نظر ..فـي أصول النقد الثقافـي وفروعه
نشر في: 5 فبراير, 2011: 04:44 م