TOP

جريدة المدى > عام > د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

يرى أنه ركّز على البحث في إمكانات السطوح وتقنياتها مع الحرص على البعد الإنساني

نشر في: 7 يناير, 2025: 12:01 ص

حاوره/ علاء المفرجي

ولد الفنان صبيح كلش في مدينة الكحلاء التابعة لمحافظة ميسان، ماسة الجنوب ونزح مع عائلته إلى بغداد حيث عاش في منطقة الصرائف ونشأ وسط العوائل الفقيرة التي هجرت قراها لتعمل في المدن. حبه للرسم بدأ في فترة مبكرة وكان في صباه مولعا برسم الوجوه وخاصة وجوه الفلاحين والمتعبين.. كانت دراسته الأكاديمية في كلية الفنون الجميلة ببغداد وحصل على شهادة البكالوريوس في الرسم عام 1974, واصل بعدها عمله في الصحافة العراقية كمصمم ورسام كما حصل على عدة جوائز عن مشاركاته بمعارض داخل وخارج العراق، منها جائزة معرض الرابطة الدولية (أياب)..

وفي عام 1976، ترك العراق ليدرس الفن في فرنسا على نفقته الخاصة، فنال الدبلوم العالي من المعهد العالي للفنون الجميلة (البوزار) في باريس ثم تابع دراسته العليا في جامعة السوربون وحصل على شهادة الماجستير ومن ثم الدكتوراه في تاريخ الفن المعاصر لكنه كان يواصل إقامة المعارض التشكيلية..
قال عنه الناقد مؤيد البصام: : المتابع لتجربة الفنان صبيح كلش خلال العقود التي قدم فيها منتجه عبر المعارض الشخصية في مسيرته الفنية، تتكون الملاحظة في ذهنه التي سيظل يتابعها بعين الرائي من خلال لوحاته، أنه يلاحق هاجسا ً إنتظم مع حياته وظل يشكل البعد الفكري لأعماله السابقة واللاحقة، ويسير بتوازي مع التطورات التقنية والإبداعية في الخط واللون لأعماله التشكيلية الحداثوية، وفي عموم التحولات التي انزاحت بها إشتغالاته عبر الزمن، التي حاول فيها أن يكون متوازنا ً في التحول والتغيير، وقام بالسير بخطوات مبرمجة للوصول إلى حالة من التكثيف لإبراز وتفجير القيم الجمالية في لوحته، في ظل نص ملازم لتطلعاته الفكرية، من خلال فهم الواقع والدفاع عن الإنسان من جور الإنسان، عبر زمن ليس بالقصير ليتعالق مع الرؤية الفكرية التي اشتغل عليها
حيواة، أماكن، أحداث، ومصادر.. كل ذلك أسهم في تنامي موهبتك في التشكيل، حدثنا عن تاثيرها في النشأة الأولى والطفولة؟
في بواكير طفولتي، حين كانت الأيام ما تزال غضّة والرؤية تتشكل على مهل، انبثقت في ذهني صور حيوية لمناظر ومشاهد وأوجه تترقرق في الخيال كينابيع نورانية، دون أن أمتلك آنذاك أداةً للإمساك بها ، كنت أتابع بفضول فطري طيور الحقول، وبيوت القصب والطين، وأرسمها بين طيّات الذاكرة، بيد أنّ الألوان لم تكن قد استقرت بعد في يدي ، ثم جاءتني هدية صغيرة، علبة أقلام ملونة، أزالت عنّي حيرة التعبير وأخذت بيدي نحو العالم البصري ، أمسكُ بالأقلام فأحيلُ البيوت والأزهار والأشجار والطيور التي تجول في خاطري إلى خطوط وألوان فوق الورق، حتى بدت لي هذه المناظر واقعاً حياً نابضاً.
عندها، عملت بنصيحة مُحبٍّ: أن أرسم الأشجار والطيور في الحديقة المجاورة لمنزلنا، لأتوثّق أكثر من جمال الطبيعة وبلاغة تكوينها. ثم اندفعت أرسم وجوه الناس وملامحهم، متأثراً بأفلام كنت أراها وتترك في نفسي صدى، ولم يفتني التشجيع الذي تلقيته من الأهل والجيران والمحيطين بي، فازداد حماسي ورغبتي في تنمية موهبتي.
وفي المرحلة المتوسطة، وجدتُ في معلم التربية الفنية الراحل، الفنان شاكر حسن السعيد أباً روحياً ومرشداً حكيماً، إذ شجّعني على المضي قدماً، ومهّد لي الطريق نحو معهد الفنون الجميلة في بغداد، مؤسساً لبذور إبداعي التشكيلي.
وبعد التحاقي بمعهد الفنون الجميلة، توسع أفق معرفتي وعمق إحساسي بالتشكيل، فصرتُ عضواً فاعلاً في جمعية الفنانين التشكيليين ونقابة الفنانين العراقيين، وبدأتُ منذ عام 1970 أشارك في المعارض المحلية التي تقيمها الجمعية ووزارة الثقافة والمؤسسات الفنية ، وقد صقلت هذه المشاركات خبرتي وصقلت رؤيتي، فلم أنقطع عن حمل ريشتي ولا عن التجريب، حتى خلال فترة دراستي في كلية الفنون الجميلة ببغداد، حيث حازت أعمالي على استحسان النقاد والمهتمين بالشأن الفني والثقافي ، هذا التواصل المستمر مع المشهد الفني والبيئة الثقافية أثرى تجربتي وصقل موهبتي، حتى غدوت مؤهلاً لخوض تجارب أوسع، فسافرت لإكمال دراساتي العليا في مجال الفنون .
هل كان حلمك أن تدخل (البوزار) أو أن تدرس في السوربون يوما؟
في حقيقة الأمر، لم تكن دراسة الفنون في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة (البوزار) في باريس حلماً رسمته بوضوح في مخيّلتي منذ البداية، ولا كان الالتحاق بجامعة السوربون غايةً سعيت إليها في بادئ الأمر ، لقد كان خروجي من العراق أشبه بهروب من واقعٍ مريرٍ أثقل كاهلي، ولم أكن حينها قد قرّرت بعدُ أيّ وجهة ستحتضن خطاي.
حصلت على تأشيرات متعدّدة لدولٍ أوروبية مختلفة، ومنها ألمانيا والدنمارك والسويد وفرنسا وإيطاليا ، استهللت رحلتي بمدينة ميونخ الألمانية، ثم انتقلت إلى كوبنهاغن في الدنمارك، دون أن أجد هناك استقراراً يضفي الطمأنينة على روحي التوّاقة إلى فضاء إبداعي أرحب.
وعندما وصلت إلى باريس، شعرت للمرة الأولى بأنّني أبصرت النور والثقافة في آنٍ معاً ، كانت المدينة بمثابة “مرسى” أرخيت عند شواطئه “حبال سفينتي”، فوجدت فيها بعض الأصدقاء العراقيين الذين سبقوني للدراسة: الفنان فيصل العيبي، والراحل الفنان صلاح جياد، والفنان نعمان هادي، والفنان غسّان فيضي.
في تلك الفترة تزامن وصولي مع فتح باب التقديم للدراسة في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس (École Nationale Supérieure des Beaux-Arts)، المعروفة اختصاراً بـ"البوزار" . إنّ هذه المؤسسة تُعدّ من أعرق المعاهد الفنية في أوروبا، إذ تأسّست في عهد لويس الرابع عشر، وتخرّج فيها العديد من أعلام الفن التشكيلي العالمي.
كان الالتحاق بالمدرسة خطوة عملية للبقاء في فرنسا والحصول على إقامة قانونية، إذ كان الانتساب إلى مؤسسة تعليمية شرطاً آنذاك، مما أتاح لي حرية الدراسة والإقامة في بلد فتح لي آفاقاً جديدة على العالم. قضيت في البوزار خمس سنوات دراسية نهلت خلالها من ينابيع الفن الأوروبي، وتعرّفت على مدارس فكرية وجمالية مختلفة. وفي العراق كانوا تعادل شهادة البوزار بدبلومٍ عالٍ، بينما في بلدان عربية أخرى كسوريا ومصر كانت هذه الشهادة تُعادل الدكتوراه بعد البكالوريوس. وعلى إثر ذلك، دفعني طموحي العلمي والفكري إلى الالتحاق بجامعة السوربون في باريس، و هي واحدة من أعرق الجامعات العالمية وأوفرها ثقافةً وتراثاً وبعد سنواتٍ ثمان من الدراسة والبحث والتخصّص، حظيتُ بدرجتي الماجستير والدكتوراه، لأضيف إلى خبرتي الفنية زاداً أكاديمياً وفكرياً يثري تجربتي ويصقل موهبتي. لم يكن دخولي إلى البوزار أو السوربون حلمًا مُسبقًا، بل كانت رحلة تصاحبها الصدف والحاجة والانفتاح على آفاق أوسع."
ما تأثير تجربتك هذه على عملك الفني فيما بعد، واعني هل أثرت دراستك في هذين الصرحين العلميين،على صقل تجرتك الفنية؟
خلال دراستي في مدرسة البوزار، عدتُ لاستكشاف المنهج الأكاديمي الذي تلقيتُه سابقاً في معهد وكلية الفنون الجميلة ببغداد، ولكن هذه المرّة بعمق أكبر وتفاصيل أدق ، فقد أتيح لي هناك دراسة التشريح عبر الرسم المباشر للنماذج الحية، بما في ذلك الجسد البشري العاري، وهي تجربة لم تكن ممكنة في معاهد وكليات الفنون بالعراق. كما تعرّفت على تقنيات متنوعة للألوان والمواد، مستنداً إلى تجارب فنانين من مدارس فنية حديثة ومعاصرة، مما أفسح لي المجال للتجريب والإبداع في أساليب وخامات مختلفة. عززت هذه التجربة رصيدي الأكاديمي وأعدتني لتعليم الآخرين، كما ساهمت في بناء شخصيتي الفنية المتكاملة.
من خلال سياحة تاريخية في أعمالك، نجد انها تأثرت بعديد من الفنانين العراقيين الذين كانوا بمثابة أباء لتجربة د. صبيح كلش؟
في بداياتي الفنية، كانت أعمالي ذات طابع أكاديمي واقعي، تسير على خطى أستاذي رحمه الله الفنان الرائد فائق حسن ، وذلك نتيجة دراستي في كلية الفنون الجميلة ، لكنني وجدت نفسي، بشكل مفاجئ، منغمسًا في رسم موضوعات ثورية تتناول القضية الفلسطينية والقضايا الوطنية، وهو ما دفعني إلى ابتكار أسلوبي الخاص والمتميّز في مشاركاتي بمعارض السبعينيات، وقد أطلقتُ على تلك المرحلة اسم "المرحلة الزرقاء" ، تميّزت أعمالي آنذاك بشخوص قويّة، ملثّمة، تعبّر بأيديها وأجسادها الصلبة عن معانٍ عميقة، كما وصفها الناقد شاكر حسن آل سعيد بعبارة: "عارية عن كنهها".
بعد إتمام دراستي في فرنسا، حيث قضيت خمسة عشر عامًا فيها، تمكنت من التفاعل مع العديد من الفنانين العالميين، وهو ما أتاح لي فرصة التعمق في تقنيات وأساليب الفن المتنوعة ، عند عودتي إلى الوطن الذي كان يمر بظروف صعبة نتيجة الحروب والحصار، واجهت العديد من التحديات فبدأت في مرحلة التجريب ،فركّزت على البحث في إمكانات السطوح وتقنياتها المتعدّدة، مع الحرص على عدم التخلي عن البعد الإنساني في أعمالي ، ومع مرور الوقت، بدأ أسلوبي يستقر ويتبلور، وبقي الإنسان حاضرًا بوضوح في لوحاتي، سواء تجلّى على شكل شخوص مهشّمة ، محطّمة ، أو ممسوخة ، لقد ظلَّ الحس الإنساني العنصر الأبرز والمحرّك الأساسي لفني، بما يعكس تجاربي الوجدانية وانعكاسات الواقع على ممارساتي الإبداعية.
أنت ملون بأمتياز، هل ترى باللون عنصرا أساسيا في بناء لوحتك، ولماذا تدرجت في استعمال الألوان خلال منذ السبعينايت وحتى الان.؟
بالتأكيد يُعتبر اللون أساس العمل الفني في اللوحة، حتى لو استُخدم لون واحد، إذ يظلّ عنصرًا جوهريًا في بناء الشكل والتكوين. ويُعَدّ التدرّج اللوني ضروريًا، إلى جانب أهمية التناغم والتضاد وتحقيق الهارمونية في العمل الفني ، ومع ذلك، فإنّ التمايز و الاختلاف الحقيقي يكمن في طبيعة المواد المستخدمة، إذ تتعدّد المواد و الخامات في الفن التشكيلي وتتنوع، لتشكّل بدورها أساس الأساليب الفنية المختلفة.
تزدحم لوحاتك بمواضيع إنسانية كثيرة ومهمة، ومنها المواضيع التي تخص الوطن، فكانت محنة الإنسان وبالأخص العراقي وما مر به من تعسف واضطهاد. كيف تجلى ذلك في أعمالك؟
منذ طفولتي تشرّبت بروح إنسانية عميقة، فقد كانت مشاهد الفقر والجوع والحرمان تستدرّ دموعي وتلهب عواطفي، ولم تقف رحمتي عند البشر فحسب، بل شملت حتى الحيوانات الظمأى، إذ كنت أروي ظمأها بدافعٍ فطريّ من الإحساس المرهف، لقد امتلأت روحي دائماً بعواطف جياشة نحو الإنسان، وتشربت نفسي بقضايا الإنسانية وحب لا يحدّه مدى لوطني وأرضي وشعبي.
ورغم قضائي خمسة عشر عاماً في فرنسا، لم تستطع تلك الغربة أن تطفئ في داخلي لهيب الشوق إلى الوطن؛ فقد ظلّ همّي الأسمى أن أعود إلى ترابه وأخدمه.
إنّ هذا الإحساس العميق، المتقد في وجدان كل فنان مرهف الحس، انعكس بوضوح في أعمالي الفنية، ولا سيّما عند مواجهة وطني وشعبي أهوال الاضطهاد والعنف الحكومي والإرهاب، وما أعقب ذلك من قتل وتشريد واقتلاعٍ للجذور، على هذا النحو، جاءت لوحاتي تحمل صدى تلك المعاناة، زاخرةً بموضوعات إنسانية ووطنية متعدّدة، تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه، مصوّرة ما عايشته روحي وما حملته من أحزان وتطلّعات وآمال.
خضت تجربة متفردة في إنشاء قناة على اليوتيوب تقدم من خلالها محاضرات في التشكيل وتقنياته والمسائل النظرية، ما الذي دفعك الى ذلك، وانت منشغل بأمور انجاز أعمالك الفنية، والتدريس؟
في فترة جائحة كورونا، كنت أدرّس الفن بإحدى الكليات الأهلية، وقد طلِب منا تقديم المحاضرات عن بُعد. وبما أنّ التدريس في تلك الكلّية كان باللغة الإنجليزية، إضافةً إلى إجادتي للغة الفرنسية، وجدت في الأمر فرصةً شيّقةً واستثمرتها في إنتاج مقاطع فيديو تعليمية وورش فنية افتراضية لطلّابي. راقت لي هذه الفكرة وراودني التفكير في إمكانية تحويلها إلى مشروع يوفّر دخلاً إضافياً، خاصةً بعد تزايد الطلب على دروس خصوصية عبر الإنترنت.
ومع الوقت، اكتسبت مهارات في تقنيات إنتاج الفيديو وطوّرتها، وحقّقت الفكرة نجاحاً ملحوظاً ، وعندما تقاعدت، سعيت إلى جعل قناتي على اليوتيوب منصةً ربحية، وواصلت العمل عليها بحمد الله ، لكن لا أنكر أن هذا الجهد استنزف الكثير من وقتي وطاقتي، ما أثّر إلى حد ما على مشروعي الفني الخاص في مرسمي ، ورغم ذلك، بذلت جهداً كبيراً لإيجاد توازن دقيق بين العمل على القناة واستمرار مسيرتي الفنية.
يشخص النقاد بتجسير بنى الشكل والمضمون بايقاع منتظم وبحساسية عالية، ففي الوقت الذي تعني فيه بشكل اللوحة، إلا انك لا تنس المضمون الذي يهتم بالإنسان؟
هذا هو جوهر قضيّتي ومرتكز أسلوبي الفني؛ إذ ينطلق تفكيري أوّلاً من الموضوع الذي أحمله في ذهني، والذي خططت سلفاً لإبرازه ، لذلك أقضي ساعات طويلة في مرسمي، أسعى خلالها إلى بناء تكوين متماسك، تتضافر فيه الخبرة التراكمية والجهد الذهني والمهارات التقنية ،إنّ هدفي الدائم هو تحقيق توازن دقيق بين الشكل والمضمون، بحيث لا يطغى الجانب الشكلي أو الجمالي البحت على الرسالة الإنسانية الكامنة خلف العمل. وبينما أُقر بأن التجريد فن رفيع، فإنني أفضّل أن يكون محملاً بقيمة إنسانيّة واضحة، فلا تتحوّل اللوحة إلى مجرد تمرين جمالي أو زخرفة تُعلَّق على جدار. هناك الكثير من الفنانين ..محليّين وعالميّين .. يكتفون بإنتاج أعمال تجريدية تتجلى في حروف، أو زخارف، أو ألوان متداخلة، لكنها تفتقر في أحيانٍ كثيرة إلى مضمون يُثري تجربة المتلقّي. باختصار، أؤمن بأنّ اللوحة، كي تؤدي رسالتها وتخدم المتلقّي، لا بد أن تتضمّن موضوعاً هادفاً يتعانق فيه الشكل مع المحتوى، فتحمل في طياتها روح الإنسان وقضيته.
رغم توجهك للفضاء العالمي، خاصة مع اطلاعك علية دراسة وممارسة، غلا أنك محلي بأمتياز، من خلال الحدث والرمز الي تكتظ به أعمالك.. كيف توازن ذلك؟
إنّ توجّهي نحو الفضاء العالمي ينبع بالأساس من دراستي لتقنيات الفن الحديث واحتكاكي المباشر بالحركة الفنية العالمية، لا سيما أثناء فترة دراستي وممارساتي العملية في فرنسا.
غير أن هذه الخبرة العالمية لا تلغي أصولي الثقافية وهويتي العربية الإسلامية العراقية، بل على العكس؛ إنها تكسب عملي بعداً أكثر عمقاً ، فأنا حين أستخدم هذه الأدوات والتقنيات الحديثة، أتناول بها قضايا ترتبط بواقع مجتمعي وجوهر قضيتي، مستلهماً رموزاً ودلالات متجذّرة في تاريخ وحضارة بلادي ، هذه الرموز قد تكون متأصلة في التراث الثقافي أو الديني أو الاجتماعي، وهي التي تمنح أعمالي بعداً محلياً أصيلاً.
ما رايك بالجماعات الفنية التي سادت في المشهد التشكيلي العراقي، هل ترى أن لها دور أساس في دفع هوية الفن العراقي للواجهة، مع تنامي جدل الأساليب؟ أم ترى أنها مجرد اصفاف لفنان ذا رؤية واحدة؟
نعم، كان للجماعات الفنية التي ظهرت في المشهد التشكيلي العراقي دور فاعل في إبراز هوية الفن العراقي دولياً ، فقد ساهمت هذه التكتّلات، مثل جماعة الرواد وجماعة بغداد للفن الحديث، في بلورة أساليب محلية متمايزة، ودفعت بتنوع الخامات والأساليب البصرية إلى الواجهة ، هذا الانفتاح والجدل الأسلوبي الناتج عنهما عزّزا الاعتراف العالمي بالفن العراقي، وأكّدا على أصالة الهوية الفنية العراقية في سياق الحداثة وما بعدها.
بماذا تفسر تفوق التشكيل العراقي على قرينه العربي، هل هو بسبب النشاط الموجود داخل العراق أم أنه فعل الفنانين العراقيين منذ نشأة الفن العراقي وظهور الحداثة؟
يتجلّى تفوّق التشكيل العراقي نتيجة تضافر عوامل عدة، منها الإرث الحضاري العميق للعراق، والنهضة الثقافية التي شهدها منذ بدايات القرن العشرين، بالإضافة إلى التأسيس المبكر لمؤسسات فنية وصالات عرض ودعم رسميّ، كلّها عوامل ساعدت على بروز أجيال من الفنانين العراقيين الذين تفاعلوا مع الحداثة وأسهموا في تطوير أساليب متميّزة، ما منحهم حضوراً سبّاقاً مقارنةً بغيرهم في المنطقة.
كيف المشهد التشكيلي العراقي الأن ؟
يشهد المشهد التشكيلي العراقي في السنوات الأخيرة حالة من الانتعاش والنمو، خصوصاً بعد تحسّن الوضع الأمني ، فقد ازدادت وتيرة المعارض العامة والشخصية، ونُظمت مهرجانات فنية متنوعة، بالتوازي مع افتتاح عدد من القاعات وصالات العرض الجديدة في بغداد وبقية المحافظات ،وقد جاء هذا الحراك نتيجة التفاتة من بعض المهتمين و وزارة الثقافة ودائرة الفنون العامة ودعم وسائل الإعلام المحلي، ما ساهم في تعزيز الحضور الفني العراقي وإتاحة الفرصة للفنانين لعرض أعمالهم أمام جمهور أوسع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: هاينريش بيبر والمسبحة الوردية

نادي المدى الثقافي يبحث في أشكال القراءة وأدوارها

حركة الشعر الحر وتحديث الأدب السعودي

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

مدخل لدراسة الوعي

مقالات ذات صلة

مدخل لدراسة الوعي
عام

مدخل لدراسة الوعي

لطفية الدليمي تحتل موضوعة أصل الأشياء مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية. الموضوعات التأصيلية الأكثر إشغالاً للتفكير البشري منذ العصر الإغريقي ثلاثة: أصل الكون، أصل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram