TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خطا الاعتماد على مؤشر اتش في الترقيات العلمية في الجامعات العراقية

خطا الاعتماد على مؤشر اتش في الترقيات العلمية في الجامعات العراقية

نشر في: 8 يناير, 2025: 12:00 ص

محمد الربيعي*

يستخدم مؤشر اتش (H-index) على نطاق واسع كأحد المقاييس لتقييم اداء الباحثين وانتاجيتهم وتاثيرهم في مجالهم، ويعتبر مؤشرا سهلا ومباشرا نسبيا. فهو يعكس العلاقة بين عدد الابحاث المنشورة وعدد الاقتباسات التي حصلت عليها. ومع ذلك، فان الاعتماد المطلق عليه كمعيار اساسي للترقيات العلمية في الجامعات العراقية، في ظل الظروف الحالية، يعتبر خطا منهجيا وله اثار سلبية عديدة. ومن هذه الآثار السلبية أنه لا يجوز مقارنة باحثين في مجالات بحثية مختلفة اعتمادا على مؤشر اتش وحده، نظرا لاختلاف طبيعة هذه المجالات من حيث معدل النشر وعدد الاقتباسات. فبعض المجالات تشهد نشرا غزيرا واقتباسات متزايدة، بينما يشهد البعض الآخر نشرا أقل واقتباسات محدودة. كما أن مؤشر اتش لا يأخذ في الاعتبار جودة الاقتباسات، حيث يحتسب الاقتباس السلبي كأي اقتباس آخر، مما قد يعطي صورة غير دقيقة عن تأثير البحث. بالاضافة الى ذلك، هناك امكانية للتلاعب بالمؤشر من خلال الاقتباس الذاتي او الاقتباس المتبادل بين مجموعة من الباحثين، مما يقلل من مصداقيته كمعيار تقييم موضوعي. لذا، عند تقييم الباحثين، يجب مراعاة طبيعة المجال البحثي وعدم إجراء مقارنات مجحفة بين مجالات مختلفة.
المشكلة الاساسية: غياب البيئة الداعمة للبحث العلمي الاصيل
يكمن جوهر المشكلة في ان استخدام مؤشر اتش كمعيار للترقية يتطلب وجود بيئة بحثية صحية وسليمة، وهو ما تفتقر اليه الجامعات العراقية بشكل عام. من ابرز جوانب هذا الخلل:

  • نقص التمويل المخصص للبحث العلمي: يعتبر التمويل حجر الزاوية في اجراء البحوث العلمية الاصيلة. فبدون ميزانية كافية، يصعب على الباحثين اجراء تجارب مختبرية، وشراء مواد، وحضور مؤتمرات، ونشر ابحاثهم في مجلات مرموقة (التي تتطلب رسوم نشر). هذا النقص يدفع البعض الى البحث عن بدائل غير اخلاقية.
  • انتشار "مصانع الاوراق" وشراء الابحاث: في ظل غياب التمويل وضغوط النشر للترقية، يلجا بعض التدريسيين الى شراء ابحاث جاهزة من "مصانع الاوراق" او دفع مبالغ مالية لادراج اسمائهم كمؤلفين في ابحاث مفترسة. هذه الممارسات تشوه العملية البحثية وتفرغ مؤشر اتش من معناه الحقيقي، حيث يصبح مجرد رقم لا يعكس اي جهد او اسهام علمي حقيقي.
  • شراء الاقتباسات: بالاضافة الى شراء الابحاث، يلجا البعض الى شراء الاقتباسات لابحاثهم المنشورة، ما يضخم مؤشر اتش بشكل مصطنع. هذه الممارسة تعد نوعا من الاحتيال الاكاديمي وتقلل من مصداقية التقييم العلمي.
  • التركيز الكمي على حساب الجودة: بسبب التركيز على مؤشر اتش، قد يركز الباحثون على نشر اكبر عدد ممكن من الابحاث بغض النظر عن جودتها او اهميتها العلمية. هذا يؤدي الى تدهور جودة البحث العلمي بشكل عام.
    لماذا يعتبر هذا خطا في السياق العراقي؟
    في البيئات البحثية المتطورة، يعتبر مؤشر اتش مؤشرا من بين مؤشرات اخرى تستخدم لتقييم الباحث. ولكن في السياق العراقي، حيث توجد هذه المشاكل الهيكلية، يصبح الاعتماد المطلق عليه مضللا وغير عادل. فهو يكافئ من يمتلك القدرة المالية على شراء الابحاث والاقتباسات، بدلا من مكافاة الباحثين المخلصين الذين يجرون بحوثا اصيلة في ظل ظروف صعبة.
    الحلول المقترحة:
    لتجاوز هذه المشكلة، لا بد من اتخاذ اجراءات شاملة، منها:
  1. تطوير معايير تقييم بديلة: يجب تطوير معايير تقييم شاملة تركز على جودة البحث واصالته وتاثيره الحقيقي، بدلا من التركيز الكمي على عدد المنشورات والاقتباسات. يجب ان تشمل هذه المعايير:
  • تقييم الاقران (Peer Review) من قبل باحثين متخصصين.
  • اهمية البحث واثره في حل مشاكل المجتمع.
  • المساهمة في تطوير المعرفة في مجال التخصص.
  • المشاركة في المؤتمرات والندوات العلمية.
    2- تتم المقارنة بين باحثين يعملون في نفس المجال أو مجالات متقاربة، وليس بين مجالات لها مؤشر اتش عالي كالعلوم الطبية والصحية وعلوم الكيمياء والفيزياء والاحياء والهندسة وعلوم الحاسوب التطبيقية، ومجالات لها مؤشر اتش منخفض كالعلوم الاجتماعية والانسانيات والفنون واللغات وعلوم الارض وبعض فروع العلوم الزراعية وعلوم الرياضيات والحاسوب النظرية.
  1. زيادة التمويل المخصص للبحث العلمي: يجب على الجامعات والحكومة زيادة الميزانية المخصصة للبحث العلمي، وتوفير منح بحثية للباحثين.
  2. تشديد الرقابة على المجلات العلمية: يجب وضع معايير صارمة لاعتماد المجلات العلمية، ومكافحة المجلات المفترسة.
  3. نشر ثقافة النزاهة الاكاديمية: يجب على الجامعات تعزيز ثقافة النزاهة الاكاديمية ومكافحة الممارسات غير الاخلاقية في البحث العلمي.
    باختصار، مؤشر اتش اداة مفيدة في ظروف معينة، ولكن استخدامه كمعيار للترقية في الجامعات العراقية يعتبر خطا فادحا في ظل الظروف الحالية. يجب معالجة المشاكل الهيكلية في البيئة البحثية وتطوير معايير تقييم شاملة لضمان عدالة وشفافية الترقيات العلمية وتشجيع البحث العلمي الاصيل.
  • بروفسور متمرس ومستشار علمي، جامعة دبلن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د.عبدالعظيم ياسين

    منذ 2 شهور

    لتحقيق نجاح اي مؤسسة يجب ضمان القيادة الرصينةبالاختيار العلمي المجرد او الانتخابات الحرة النزيهة ابتداءا من من اعلا الهرم نزولا إلى قاعدة السلم،دون ذلك تصبح جميع الفرضيات حبرا على ورق ولاحياة لمن تنادي..تحياتي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

العمود الثامن: في محبة المرأة

 علي حسين أصبح العالم اليوم مسكونًا بشيء اسمه المرأة، فلم يعد من الممكن تشكيل برلمان أو حكومة في أي بقعة من العالم من دون النساء، ذهب العصر الذي كانت تشكو فيه سيمون دو...
علي حسين

قناديل: اليسار الجديد: أصولية عابثة وعُصابٌ جمعي

 لطفية الدليمي تتكرّرُ على مسامعنا كثيراً عبارةٌ قالها (غوبلز) وزير الدعاية النازية: كلّما سمعتُ كلمة (الثقافة) تحسّستُ مسدّسي. اليوم صار كثير ٌ منا يتحسّسُ رائحة أزمة عالمية النطاق كلّما سمع مفردة (الجديد) ملحقةً...
لطفية الدليمي

قناطر: مسلسل معاوية... جرُّ القناعات الى مسلخ الأوهام

طالب عبد العزيز مع أنَّ كلَّ تعريف للتأريخ يرجع الى وجوب توافر الوثيقة، إذْ لا تأريخ بدون وثيقة، إذْ أنه الأحداث والوقائع التي تقدّمها لنا الوثائق والمصادر، كما تعرف كلمة 'التاريخ' في اللغة العربية...
طالب عبد العزيز

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

محمد الربيعي جامعة بغداد صرح علمي شامخ، واحد ابرز منارات المعرفة في العراق والعالم العربي. تاسست عام 1957، لكن جذورها تمتد الى بدايات القرن العشرين مع تاسيس كليات الحقوق والطب والهندسة. لعبت الجامعة دورا...
د. محمد الربيعي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram