TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الجرح الطائفي الفاغر الى اليوم

قناطر: الجرح الطائفي الفاغر الى اليوم

نشر في: 8 يناير, 2025: 12:05 ص

طالب عبد العزيز

في باحة المرقد بدمشق يقف رجلٌ بذقن طويل اسود، نصفه عسكري ونصفٌ آخر منه بزي رجل دين، منتشٍ بانتصاره الأخير، ليتحدث عن التسامح، وعن عدم ممانعته في زيارة أبناء الطوائف الأخرى، ثم ينسب الكرامات لصاحبة المرقد، وبتهذيب أكثر ينتقل الميكرفون الى متحدث آخر فلا يختلف في حديثه عن المتحدث الأول، فنسمع منه كلمات لطف وتسامح ووئام وإخاء، وبذات اللهجة والنبرة نسمع من المتحدث الثالث، ذي العمامة البيضاء، الذي اتضح أنه قادم من جنوب لبنان لزيارة المرقد، لكن، وفي استغفال مصرّح به نقول لأنفسنا بأنهم كاذبون، كلهم كاذبون، فالمتحدث الأول منتصر، والثاني فرحٌ يخفي شماتة، الثالث خائف أوقعَ به أمام الكاميرا.
أمتنا العربية الإسلامية لم تتعلم الدرس، فمنذ حادثة السقيفة الى اليوم وهي تعيد الدرس ذاته لكنها ظلت على ذاك الجهل، ولا أقصد العامة أبداً، فالعامة والخاصة ما زلوا أسارى الاختلاف الى يومنا هذا، وسيظلون حتى يرث الله الأرض ومن عليها، على الرغم من الكوارث والمصائب والمقاتل التي أصابتهم. قبل نحو من نصف قرن، وفي قريتنا الصغيرة، التي ينقسم الناس فيها الى فريقين، طائفتين، اسلامَين، مذهَبين.. وفي كوخ صغير يجلس اثنان من طائفة واحدة، ليقلّبا صفحات تاريخ الاختلاف القبيح والمُر فيأتي أحدُهم- ربما بدت عليه محاولة فهم جديدة- على مناقب الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز(61هـ-101هـ) الذي لم تأت كتب التاريخ على ما يشين سيرته، ويقرأ عليه ما بعضاً من أبيات قصيدة الشريف الرضي(359هـ-406هـ) بحقّه:
( يا اِبنَ عَبدِ العَزيزِ لَو بَكَتِ العَي نُ فَتىً مِن أُمِيَّةٍ لَبَكَيتُك
غَيرَ أَنّي أَقولُ إِنَّكَ قَد طِب تَ وَإِن لَم يَطِب وَلَم يَزكُ بَيتُك
أَنتَ نَزَّهتَنا عَنِ السَبِّ وَالقَذ فِ فَلَو أَمكَنَ الجَزاءُ جَزَيتُك
وَلَوَ اَنّي رَأَيتُ قَبرَكَ لَاِستَح ي يتُ مِن أَن أُرى وَما حَيَّيتُك
فَلَوَ اَنّي مَلَكتُ دَفعاً لِما نا بَكَ مِن طارِقِ الرَدى لَفَدَيتُك)
ظلَّ الرجل الثاني مستمعاً، صلباً، عنيداً ولم تحركه الأبيات المخلصة والصادقة، التي قالها نقيب الطالبييّن. ثم لعنه. أيّ عقيدة حمقاء موغلة في اللعن كانت تمنعه من قول كلمة الإنصاف هنا؟ من يقف وراء مرض تصلبه هذا؟
هناك من يعوّل على التجربة السورية في الحكم الجديد، ويقول بأنَّ الحكام السوريين عليهم أن يستفيدوا من التجربة العراقية الاخيرة، وأنْ يبدأوا من حيث انتهى اليه العراقيون- هل انتهوا-؟ ولا يكرروا الحرب الطائفية التي أكلت من العراقيين ما أكلت، ودمرت من الاقتصاد ما دمرت، وعبثت بالبلاد ما عبثت ونقول: مستحيل. نحن أمة لن نتعلم الدرس، لأننا نعيش في الماضي! بدليل أنَّ تجربتنا الطائفية في الحكم، وهي الأسوأ في الشرق والعالم خلصت الى أنَّ العلاقة مع إيران وبالطريقة التي اعتمدت اثبتت فشلها، لكنَّ ألوية الحشد والفصائل مازالت تعتقد بوجوب الإبقاء عليها، وأنْ شعار (اخوان سنة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه) كذب ونفاق، وأنَّ جملة السيستاني (السنّة أنفسنا) لم تبلغ ألسنةَ البعض، لا حناجرهم، وأنَّ الطريق الى القدس لن تمرَّ بكربلاء، وأنَّ جيش القدس وفيلق المقاومة وحشود الفقراء المغلوبين على أمرهم لم تعد كما كانت قبل ثلاثة أشهر، هناك منقلبٌ وقع في المنطقة لا سبيل لمقارعته، لأنَّ أمريكا والاتحاد الأوربي بقيادة إسرائيل محت غزة من الخريطة، ولم يعد جنوب لبنان مقاوماً، وأنَّ الجيش السوري بمعداته أصبح خارج المعركة، وأن مصر العربية لا تحارب، وكذلك الأردن والخليج ولبنان والأمة العربية الإسلامية كلها .. هذه هي الحقيقة وهذه هي حالنا، ولإسرائيل القدرة على تحطيم الكثير الاسوار التي في عقولنا، ومحو المدن وتغيير الخرائط … أتعرفون لماذا لأننا لم نتعلم الدرس بعد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram