متابعة/ المدى
في واحدة من أكبر عمليات الخداع النفطي على الساحة الدولية، كشفت وثائق مسربة أن إيران تعتمد أساليب مبتكرة لتسويق نفطها في شرق آسيا، متجاوزة العقوبات الدولية الصارمة.
إحدى هذه الوثائق تُظهر أن ناقلة النفط "ريمي"، التي رفعت علم بنما، كانت متجهة في شباط/ فبراير 2023 إلى ماليزيا محملة بمليون برميل نفط مسجل كمصدر عراقي، وسط تساؤلات متزايدة بشأن مدى تلاعب إيران بهويات النفط، مما يسلط الضوء على شبكة معقدة من الالتفاف على القوانين والعقوبات.
"صحارى ثاندر"
وفي تقرير نشرته وكالة "رويترز"، أن ناقلة النفط "ريمي" تحمل هوية مزدوجة، ففي شباط/ فبراير 2023 كانت متجهة إلى ماليزيا رافعة علم بنما ومحملة بمليون برميل نفط من العراق، وذلك بحسب وثيقة بحوزة ربانها.
وتظهر الوثيقة، وهي شهادة منشأ اطلعت عليها "رويترز"، من ميناء البصرة النفطي في جنوب العراق، أنه جرى تحميل السفينة بالنفط الخام من هناك في 22 شباط/ فبراير 2023. لكن الواقع كان مختلفاً تماماً.
فالناقلة كانت جزءاً من شبكة واسعة لتهريب النفط، وحملت أيضاً اسم "ديب أوشن" وكانت تنقل النفط الخام سراً من دولة مختلفة؛ وهي إيران، وكان بحوزة الربان شهادة منشأ ثانية من شركة النفط الوطنية الإيرانية ومؤرخة في نفس اليوم، وفقاً للتقرير.
وجرى ضخ النفط الإيراني إلى الناقلة "ريمي" وهي جزء من أسطول تستخدمه شركة "صحارى ثاندر" الإيرانية، من سفينة أخرى في الشبكة التابعة لتلك الشركة، وهي "سونيا 1" التي ترفع العلم الإيراني.
وتم رصد عملية النقل السرية، التي انتهت في 22 شباط/ فبراير 2023، بواسطة القمر الصناعي "سنتينل-2" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
وانكشف وهم أداء الناقلة "ريمي" نشاطاً تجارياً مشروعاً مع العراق بعد تسريب مجموعة تضم أكثر من 10 آلاف رسالة بريد إلكتروني خاصة بشركة "صحارى ثاندر"، تغطي تجارتها النفطية من آذار/ مارس 2022 إلى شباط/ فبراير 2024، وذلك على أيدي شبكة تسلل إلكتروني.
وبتفريغ البيانات، تمكنت "رويترز" من إظهار كيفية تفادي الشركة الإيرانية للعقوبات الغربية، وتبين أنه في الفترة التي شملتها رسائل البريد الإلكتروني، شحنت "صحارى ثاندر" ما يقرب من 20 مليون برميل من النفط إلى أنحاء مختلفة من العالم، بقيمة 1.7 مليار دولار أميركي تقريبا استنادا إلى متوسط سعر السوق في العام 2023.
ورسمت "رويترز" خريطة للمواقع الرئيسية التي تم نقل النفط إليها بواسطة السفن التي تستخدمها "صحارى ثاندر" من بندر عباس في إيران، إلى فنزويلا ومورمانسك في شمال روسيا وسلسلة من الموانئ في الصين، الوجهة النهائية للخام.
العقوبات الغربية الصارمة
وعلى الرغم من خضوعها لبعض من أكثر العقوبات الغربية صرامة، أسست إيران تجارة عالمية مزدهرة لنفطها، وهي تعتمد على أسطول ظل من الناقلات التي تخفي أنشطتها لتفادي العقوبات وعلى المشترين الراغبين في نفطها في آسيا لتبقي اقتصادها صامدا وتمول الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط.
ووفقاً لتقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، حققت صادرات طهران النفطية 53 مليار دولار في العام 2023، و54 مليار دولار في العام السابق، وبناء على بيانات منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، كان الإنتاج خلال العام 2024 عند أعلى مستوياته منذ العام 2018.
وانسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الغربي مع طهران وأعاد فرض العقوبات على النفط الإيراني في 2018.
ويقول مسؤولون إيرانيون وعرب وغربيون إن من المتوقع أن يستهدف ترامب قطاع النفط الإيراني مجدداً بسياسة "الضغط الأقصى" بعدما يعود إلى البيت الأبيض في كانون الثاني/ يناير الجاري.
وحظيت أساليب إيران بحماية مشددة، لكن رسائل البريد الإلكتروني المسربة كشفت عن تفاصيل دقيقة بشكل غير عادي عن الأعمال اليومية لشركة ساعدت في استمرار صناعة النفط الإيرانية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
وقال اثنان من المتسللين الإلكترونيين لـ"رويترز"، إن "مجموعة التسلل الإلكتروني (برانا نتورك) سربت رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بشركة صحارى ثاندر في شباط/ فبراير من العام الماضي لأنها أرادت إماطة اللثام عن تحايل طهران على العقوبات الغربية".
عقوبات على شركات متخفية
وفي نيسان/ أبريل 2024، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على "صحارى ثاندر"، ووصفتها بأنها "شركة واجهة" للحكومة الإيرانية دعمت الحرس الثوري بشبكة شحن واسعة النطاق.
وتتخذ "صحارى ثاندر" من طهران مقراً لها وتصف نفسها بأنها شركة استيراد وتصدير وبناء ومقاولات في قطاعات تشمل النفط والغاز، وذلك بحسب نسخة أرشيفية لموقعها الإلكتروني.
ولم تعد عناوين البريد الإلكتروني لشركة "صحارى ثاندر" تعمل عندما حاولت "رويترز" التواصل معها للحصول على تعليق، ولم تتمكن "رويترز" من تحديد ما إذا كانت الشركة لا تزال تمارس أنشطتها.
ويعرض موقع "صحارى ثاندر" الآن صفحة مراهنات رياضية صينية، ولم يتم الرد على رسائل البريد الإلكتروني الموجهة إلى الأشخاص والعناوين المرتبطة بالشركة والواردة في البيانات المسربة.
ولم يرد المسؤولون الإيرانيون على طلبات للتعليق، كما بين التقرير.
وتظهر مقتطفات من رسائل البريد الإلكتروني بين "صحارى ثاندر" وشركائها كيف نقلوا حمولاتهم من سفينة إلى أخرى، وزوروا وثائق، ووضعوا هويات جديدة بالطلاء على السفن، وزيفوا إشارات التتبع لإخفاء مواقعها، واتخذوا تدابير شاقة لتجنب أي أثر يقود لإيران.
وقدمت "رويترز" تقريرها لشركة "روك إنتليجنس" وهي جزء من شركة البحث والتطوير البريطانية روك المتخصصة في مراقبة التهرب من العقوبات لزبائن في قطاع النقل البحري.
وتحققت الشركة بشكل مستقل من العديد من النتائج، وحددت مواقع سفن باستخدام صور الأقمار الصناعية، ووجدت مواقع التفريغ المحتملة للسفن، وحددت بيانات تتبع السفن التي تم التلاعب بها.
تعليق عراقي
كما أطلعت "رويترز" المسؤولين العراقيين على الوثائق التي استخدمتها الناقلة "ريمي" حتى يوصف نفطها الإيراني على أنه عراقي، وإلى جانب شهادة المنشأ، كان لديها بوليصة شحن، وبيان الشحنة، وتخليص جمركي ومستندات أخرى عراقية.
وقال مسؤول جمركي عراقي لـ"رويترز"، إن الوثائق مزورة بشكل رديء، بينما قالت شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، وهي الهيئة المسؤولة عن صادرات النفط، إنه لا يوجد سجل لتحميل السفينة بالنفط الخام من أي من موانئ العراق.
أرقام وإحصائيات صادمة
وفقاً لتحليل "رويترز" للرسائل الإلكترونية المسربة، ساعدت صحارى ثاندر في تسليم 18 شحنة نفطية مختلفة خاضعة للعقوبات بواسطة سفنها وسفن شركائها التجاريين، وهو أسطول مكون من 34 سفينة، وذلك في الفترة من آذار/ مارس 2022 إلى شباط/ فبراير 2024.
ونقلت سفن مثل "ريمي" و"ون ياو" النفط الخام الخاضع للعقوبات بين القارات أو شكلت حلقات في سلاسل رحلات امتدت إلى شتى أنحاء العالم. وسحبت السفن النفط من سفن أخرى في شبكة "صحارى ثاندر" مثل السفينة "ديون" وهي ناقلة نفط كبيرة جدا قادرة على حمل 2.2 مليون برميل، أي مثلي سعة "ريمي".
وكان "ريمي" هو اسم ناقلة النفط المسجل في قواعد بيانات الشحن، لكن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة "بصحارى ثاندر" تظهر أنها كانت تتحول عادة لاستخدام الاسم المزيف "ديب أوشن" عند نقل النفط الإيراني.
وحملت سفن أخرى النفط الخام ذهابا وإيابا عبر الخليج. وفي المجمل، تم نقل شحنات الخام التابعة لشركة "صحارى ثاندر" بين سفن أكثر من 60 مرة بينما كانت تشق طريقها عبر آلاف الأميال إلى المشترين النهائيين، ومعظمهم في الصين.
وتمكنت "رويترز" من تحديد أسطول السفن الذي تديره "صحارى ثاندر" وشركاؤها التجاريون، وحددت كمية النفط التي تم نقلها بين كل سفينة في الشبكة.
وشاركت الناقلة "ديون" في 33 عملية نقل فيما بين السفن إلى 11 سفينة مختلفة، بإجمالي خمسة ملايين برميل من النفط، كما شاركت "ريمي" في ثماني عمليات نقل، بإجمالي 6.7 مليون برميل. واستُخدمت بعض السفن مرة واحدة فقط، مثل "ون ياو" التي نقلت 1.9 مليون برميل من فنزويلا إلى الصين مباشرة.
وبحسب التسريبات وقاعدة بيانات الشحن العامة (إكويسيس)، كانت هناك 92 شركة مالكة أو مشغلة للسفن المشاركة في أنشطة "صحارى ثاندر" البالغ عددها 34 سفينة خلال الفترة التي تغطيها رسائل البريد الإلكتروني.
وتواصلت "رويترز" مع 79 من هذه الشركات ولم تتمكن من الوصول إلى 13. وردت 10 شركات، وقالت ثماني شركات إنها لم تشارك في الأمر.
وقالت شركتان إنهما تولتا فقط الإدارة الفنية للسفن وليس لديهما علم بالتأجير أو الرحلات.
الاتجاه نحو الشرق
معظم النفط الذي تنقله "صحارى ثاندر" كان إيرانياً. لكن تم التعاقد مع الشركة أيضاً للمساعدة في توصيل نفط من دول أخرى أجبرتها العقوبات على العمل في اقتصاد ظل، إذ تم حجبها عن البنوك وشركات التأمين والمشترين الغربيين.
فقد أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة أن سفن شبكة "صحارى ثاندر" مثل "ريمي" و"ون ياو" نقلت النفط من شركتين حكوميتين في روسيا وفنزويلا، مما ساعدهما على الإفلات من العقوبات.
وانتهى الأمر بمعظم النفط الذي نقلته "صحارى ثاندر" في الصين.
وزارة الخزانة الأمريكية
وقالت وزارة الخارجية الصينية لـ"رويترز" إنها ليست على دراية بأعمال "صحارى ثاندر" في البلاد.
وأضافت الوزارة "تعارض الصين بثبات وحزم العقوبات أحادية الجانب وغير القانونية وغير المعقولة التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران ودول أخرى وصلاحيتها طويلة الأمد".
تخضع إيران لما تسميه خدمة أبحاث الكونغرس "مجموعة العقوبات الأكثر اتساعاً وشمولاً" التي تفرضها الولايات المتحدة، ويحاكي حلفاء مثل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرهما جهود واشنطن.
جاءت هذه العقوبات رداً على برنامج طهران النووي ودعمها لجماعات مسلحة في الشرق الأوسط والقمع الوحشي للاحتجاجات، وفي الآونة الأخيرة، دعمها لروسيا في حربها على أوكرانيا.
وتعمل العقوبات بحيث تمنع وصول طهران إلى أسواق الطاقة والتمويل والأسواق العسكرية وتقوض الاقتصاد وتحجب الشركات والمسؤولين عن معظم دول الغرب.
ونتيجة للعقوبات، انتقلت بعض تجارة النفط الإيرانية من مؤسسات الدولة إلى شركات مثل "صحارى ثاندر" وغيرها من الشبكات التي يمكنها الالتفاف على القيود وجلب العملة الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها.
ويقول إسفنديار باتمانجليغ الرئيس التنفيذي لمؤسسة "بورس اند بازار" البحثية في لندن التي تتابع قطاع النفط الإيراني، إن "هناك شبكات غامضة ضالعة في تجارة مربحة للغاية، والآن يضطر المسؤولون الأمريكيون إلى بذل جهود عشوائية غير مجدية في محاولة للسيطرة على الوضع".
تحدي العوامل
في منطقة الخليج في شهر شباط/ فبراير 2023، كانت السفينة "ريمي" أو "ديب أوشن"، المحملة بشحنتها الإيرانية المموهة، تبحر شرقاً.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها السفينة "ريمي" وسفن "صحارى ثاندر" الأخرى للهرب من المراقبة، سمحت رسائل البريد الإلكتروني المسربة لـ"رويترز" برسم مساراتها. فقد أرسلت السفن أكثر من 1500 تحديث يومي إلى مشغلها، بما في ذلك إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (جي.بي.إس) الخاصة بها يوميا عند الظهر.
وتُظهر الخريطة السفينة "ريمي" بجوار السفينة شاناي كوين، أثناء نقل النفط في مضيق ملقا بالقرب من سنغافورة، كما تظهر صورة التقطها قمر صناعي من شركة "بلانت لابس" السفينتين جنبا إلى جنب في 10 آذار/ مارس 2023.
وبحلول الثامن من آذار/ مارس، كانت السفينة ريمي في مضيق ملقا، وهو ممر مائي ضيق بين ماليزيا وإندونيسيا معروف بعمليات النقل الغامضة بين السفن وضعف السيطرة الأمنية.
وفقا لرسائل البريد الإلكتروني المسربة، نقلت ريمي 758 ألف برميل من بين مليون برميل إلى سفينة يديرها أحد شركاء "صحارى ثاندر" وهي السفينة "شاناي كوين" خلال التاسع والعاشر من آذار/ مارس، فيما أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية السفينتين جنباً إلى جنب في التاسع من آذار/ مارس.
لكن نظام تتبع "شاناي كوين" أفاد بأن الناقلة كانت في الواقع على بعد نحو 250 كيلومتراً (155 ميلاً).
معظم السفن التجارية مطالبة بإرسال مواقعها باستخدام تقنية تسمى "إيه. آي. إس" (نظام التعريف الآلي) حتى يتسنى تعقبها. لكن بعض السفن المنخرطة في عمليات مشبوهة توقف ببساطة تشغيل نظام التعريف الآلي.
وتعمل طواقم أكثر تطورا على اختراق النظام للتستر على أنشطتها دون أن تختفي من شاشات الرادارات. ويرسلون بدلا من ذلك مواقع واتجاهات مزيفة.
لكن هذا الاحتيال يمكن أن يظهر تحركات غير طبيعية. إذ تبدو السفن وكأنها ترتد حول منطقة ثابتة بأنماط متداخلة، تتحدى الرياح والأمواج والمد والجزر.
ووفقاً لـ"روك إنتليجنس" كانت السفينة "شاناي كوين" تفعل ذلك تحديداً من موقعها المزيف في مضيق ملقا.
واستأنفت "شاناي كوين" المحملة بالنفط تشغيل نظام التعريف الآلي في الساعات الأولى من صباح العاشر من آذار/ مارس واتجهت نحو الصين.
كما رصدت صور الأقمار الصناعية الخطوة التالية لـ"ريمي" عندما ضخت ما تبقى لديها من الخام، ويبلغ نحو 250 ألف برميل من النفط الإيراني، إلى سفينة أخرى هي "دي.بي 7".
وصلت "دبي.بي 7" و"شاناي كوين" إلى ميناء لانتشياو بالصين في 25 و29 آذار/ مارس على الترتيب، حيث سلمتا حمولتهما ليكتمل تسليم مليون برميل من شركة النفط الوطنية الإيرانية للمشترين النهائيين في الصين.
نفس اللعبة.. لكن!
في 24 آذار/ مارس 2023، التقت "ريمي" مع السفينة "إم. إس إينولا" في مضيق ملقا. وتم تحميل "ريمي" بنحو 700 ألف برميل من النفط الخام المصنف على أنه ماليزي في وثائق أطلع ربانها شركة "صحارى ثاندر" عليها.
بعد ذلك، خضعت ريمي لإصلاحات وانتظرت تعليمات من "صحارى ثاندر" قبل الإبحار غربا في منتصف حزيران/ يونيو.
وظلت في خليج عمان حتى منتصف آب/ أغسطس. ثم خضعت السفينة وحمولتها لتحول.
فقد أظهرت رسائل البريد الإلكتروني وجدول لمهام الطاقم اليومية أن ربان السفينة "ريمي" أمر الطاقم بطلاء جانب السفينة. وسرعان ما تم وضع اسم مألوف على الهيكل: ديب أوشن.
كما جرى تغيير الختم الرسمي للسفينة. لكن رقم (آي. إم. أو) الخاص بها، وهو رمز فريد ودائم يصدر من المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة للسفن التي تقوم برحلات دولية بغرض التعريف، ظل كما هو: 9247431.
وأصبحت السفينة "ريمي" التي عادت مجدداً إلى هويتها المزيفة "ديب أوشن" جاهزة الآن للقاء سفينة شركة "صحارى ثاندر" الأم، ديون، وهي ناقلة نفط عملاقة تستخدم لتخزين الخام الإيراني.
ولم تتمكن "رويترز" من تحديد مصدر النفط الذي كانت ريمي تحمله في هذه المرحلة، لكن وثائق الشحن لم تعد تشير إلى أنه خام ماليزي. الآن أصبح يوصف بأنه نفط عراقي.
واستمر الخداع عندما التقت السفينة ريمي بالسفينة "ديون" إذ تم إيقاف تشغيل نظام التتبع الخاص "بديون" وكانت "ريمي" ترسل موقعا في خليج عمان على بعد 500 كيلومتر، ورجحت "روك إنتليجنس" أن يكون هذا احتيالاً، بناء على تحركات الناقلة غير الطبيعية.
وبحسب رسالة بريد إلكتروني أرسلها ربان السفينة "ديون" إلى "صحارى ثاندر" في 17 آب/ أغسطس، كانت "ديون" و"ريمي" في الحقيقة في نفس الموقع قبالة الساحل الإيراني لإجراء عملية نقل من سفينة إلى أخرى.
وانتهت السفينة "ريمي" من ضخ حمولتها البالغة 700 ألف برميل من النفط الخام إلى "ديون" في 19 آب/ أغسطس 2023.
اقتصاد نقدي
تظهر رسائل البريد الإلكتروني أن شركة "صحارى ثاندر"، التي حجبتها العقوبات عن الأنظمة المصرفية الغربية، كانت لا تزال مضطرة لسداد مدفوعات تتعلق بتكاليف عارضة خارج إيران مثل تكلفة التزود بالوقود.
وقبل أن تتمكن "ريمي" من تحميل شحنة نفط جديدة من ديون، أبحرت إلى الإمارات حيث تزودت بالوقود من شركة (مارين أوشن ريفايند أويل بروداكتس تريدينج) الإماراتية، وذلك وفقا لرسائل البريد الإلكتروني بين الشركة و"صحارى ثاندر".
وعندما وصل الأمر إلى مرحلة السداد، طلبت الشركة من "صحارى ثاندر" دفع 4.3 مليون درهم (1.2 مليون دولار) إلى وكيلها نقداً.
وفي آب/ أغسطس 2023، طلبت إحدى الشركات التي تساعد في عمليات النقل من سفينة إلى سفينة أيضا من "صحارى ثاندر" تقديم 105 آلاف دولار نقداً لموظف تخليص جمركي بالإمارات.
ولم تتمكن "رويترز" من تحديد ما إذا كانت الشركة قد دفعت هذين المبلغين من رسائل البريد الإلكتروني.
ولم ترد "مارين أوشن" على طلب للتعليق. ولم تتمكن "رويترز" من الوصول إلى الوكلاء والشركات الشريكة الأخرى للحصول على تعقيب.
وتفيد رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بـ"صحارى ثاندر" وتحليلات "روك إنتليجنس" وشركة تحليل بيانات الملاحة البحرية والسلع الأولية (كبلر) ومجموعة بورصات لندن بأن "ريمي" وناقلات أخرى في شبكة الشركة من المقرر أن تشحن شحنتين أخريين من النفط الخام من إيران إلى الصين بين أيلول/ سبتمبر 2023 وكانون الثاني/ يناير 2024.
وجرى نقل أول مليون برميل من "ديون" إلى "ريمي" أو "ديب أوشن" وهو اسمها البديل، في الثاني من أيلول/ سبتمبر.
وأصبح النفط على متن السفينة آيفي بحلول 22 أيلول/ سبتمبر، ثم تم تحميله إلى إف. تي آيلاند، وأخيراً إلى مين هانغ.
وفرغت السفينة "مين هانغ" الخام في قولي بالصين في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
ووصلت الشحنة الثانية إلى الصين على متن السفينة "اثي فينيكس" بعد شهرين، وهي عبارة عن قرابة مليون برميل، محملة بنفط من السفن "أرجو" و"غلوبال بيوتي" و"هارموني" والنفط الخام الذي حملته "ريمي" على "يون" في آب/ أغسطس 2023.
وحددت شركة "روك إنتليجنس" الموقع الجغرافي للناقلة "كاثي فينيكس" في 11 كانون الثاني/ يناير في ميناء "يانتاي" حيث أفرغت حمولتها من نفط "صحارى ثاندر".
دول أخرى
تجاوزت تجارة شركة "صحارى ثاندر" الخام الإيراني، لتشمل نفط دول أخرى مستهدفة بعقوبات مثل روسيا وفنزويلا.
وفي حين أن صفقات النفط الخام الكبيرة لـ"صحارى ثاندر" كانت تنفذ في أغلب الأحيان بواسطة السفينة "ريمي" فإن بعض الشحنات اعتمدت على سفن أخرى في شبكتها.
وفي آب/ أغسطس 2022، وصلت إحدى تلك السفن إلى ميناء خوسيه في فنزويلا.
وأظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة أن السفينة "وون" كانت هناك بأوامر من شركة "صحارى ثاندر" لتحميل 1.9 مليون برميل من خام ميري. وكان رقم المنظمة البحرية الدولية (آي. إم. أو) الخاص بالسفينة هو 9288098.
لكن قواعد بيانات الشحن لا تحتوي على سجل لناقلة بهذا الاسم في ذلك الوقت. كما أن رقم المنظمة البحرية الدولية ليس له وجود.
ووفقاً لبيانات تتبع السفن "وروك إنتليجنس" فإنه قبل وقت قصير من وصول السفينة وون إلى ميناء خوسيه، كانت ناقلة تسمى "ون ياو" تتجه إلى الشمال الغربي نحو فنزويلا.
ووفقا لنظام التتبع الخاص بها، ظلت ون ياو راسية قبالة البرازيل حتى منتصف أيلول/ سبتمبر.
لكن بناء على تحليل "رويترز" فإن "ون ياو" هي في الواقع وون، وكانت هي الناقلة التي تنفذ أوامر "صحارى ثاندر" بتحميل الخام الفنزويلي.
ورصدت "روك إنتليجنس" سفينة في صور الأقمار الصناعية تتطابق مع ون ياو في ميناء خوسيه في الأول من أيلول/ سبتمبر، تحديداً في المكان الذي تشير وثائق "صحارى ثاندر" إلى أنه موقع السفينة "وون" الخيالية.
ولم ترد شركة النفط الحكومية الفنزويلية (بي. دي. في. إس. إيه)، التي حملت شركة "صحارى ثاندر" النفط منها، على طلبات التعليق.
وانتهت السفينة التي أطلق عليها اسم "وون"من التحميل في الثالث من أيلول/ سبتمبر. وبعد تسعة أيام، استأنفت السفينة "ون ياو" بث موقعها الحقيقي قبالة سواحل البرازيل، وفقا لـ"روك إنتليجنس".
مهرب لموسكو
بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2023، كانت السفينة "ريمي" على الجانب الآخر من العالم، تجهز آخر شحنة لها قبل تسريب رسائل "صحارى ثاندر،" وهذه المرة كان الخام روسيا.
وتخضع موسكو لعقوبات مشددة منذ غزوها واسع النطاق لأوكرانيا في عام 2022، وهي بحاجة إلى مشترين لنفطها، وكانت "صحارى ثاندر" في الخدمة.
وتظهر وثائق "صحارى ثاندر" ورسائل البريد الإلكتروني أنه خلال عيد الميلاد عام 2023، حملت السفينة "ريمي" 1.05 مليون برميل من خام نوفي بورت من السفينة الروسية "أومبا" في مورمانسك.
بعد ذلك، بدأت السفينة "ريمي" رحلتها عائدة حول أوروبا، مروراً بشمال أفريقيا، وعبر قناة السويس ثم إلى آسيا.
وتظهر رسائل البريد الإلكتروني أن شحن النفط كان يتم لصالح شركة "غازبروم نفت" وهي ثالث أكبر منتج للنفط في روسيا وتخضع لعقوبات غربية.
وكان المشتري هو "تشاينا أويل هونغ كونغ المحدودة" وهي شركة تابعة لمؤسسة البترول الوطنية الصينية الحكومية العملاقة، وهي أكبر منتج في آسيا.
ولم ترد "غازبروم نفت" و"بتروتشاينا" الذراع المدرجة لمؤسسة البترول الوطنية الصينية، على طلبات التعليق.
وسرب المتسللون الإلكترونيون رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بـ"صحارى ثاندر" قبل أن تنتهي السفينة "ريمي" من رحلتها من روسيا، لكن بيانات "كبلر" أظهرت أن الناقلة سلمت النفط الروسي إلى تيانغين" في الصين في 17 شباط/ فبراير 2024.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمس سفن أخرى في الأسطول المرتبط بـ"صحارى ثاندر"، ليصل العدد الإجمالي إلى 21 سفينة.
وما تزال هناك 13 سفينة غير خاضعة للعقوبات. وإحدى هذه السفن هي "ريمي" والتي تشير قواعد بيانات الشحن إلى أنها تحمل الآن اسم "ويلما 2".
وفي شباط/ فبراير 2024، سرب المتسللون الإلكترونيون أكثر من 10 آلاف رسالة بريد إلكتروني ومرفقاتها من "صحارى ثاندر". وأدخلت "رويترز" الوثائق إلى أداة (بنبوينت)، وهي أداة بحث للصحفيين والأكاديميين تحلل مجموعات كبيرة من المستندات وتسلط الضوء على الكلمات الرئيسية والأسماء والعبارات المكررة.
وبعد ذلك قسمت "رويترز" رسائل البريد الإلكتروني إلى مجموعات، منها مجموعات خاصة بكل سفينة تم تحديد هويتها وأخرى لكل عملية نقل من سفينة إلى أخرى، وكذلك حسب الشركات الرئيسية والعقود وذكر عبارات معينة مثل تلك المتعلقة بالصين وروسيا وفنزويلا ودول مختلفة في الشرق الأوسط.
وحددت "رويترز" رسائل البريد الإلكتروني التي تحتوي على إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (جي. بي. إس)، بما في ذلك التحديثات اليومية لمواقع بعض السفن، مما سمح للصحفيين بتحديد المواقع الدقيقة لعمليات النقل بين السفن ورسم تحركات سفن "صحارى ثاندر"، مثل ريمي، حتى عندما أوقفت السفن تشغيل نظام التعريف الآلي الخاص بها أو قامت بعمل تمويه للنظام.
وتمت بعد ذلك مطابقة الاتصالات والعقود والوثائق مع الصفقات المتوافقة معها لوضع جدول زمني لأنشطة "صحارى ثاندر".
بعد ذلك، عرضت "رويترز" النتائج التي توصلت إليها على "روك إنتليجنس" التي تحققت بشكل مستقل من العديد من عمليات النقل من سفينة إلى أخرى وتحركات السفن، وحددت الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية للعمليات، ونقاط التفريغ المحتملة للسفن وحالات التحايل.