ثائر صالح
كتب أحمد الرفاعي، الملقب بالمسلم الموصلي سنة 1737 رسالة عنوانها "الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي" يستعرض فيها محتويات كتاب باللغة الفارسية من تأليف عبد المؤمن البلخي عن المقامات وفروعها وما فيها من الطبائع الأربع وعلاقتها بالأبراج. تعكس الرسالة تصورات الناس في ذلك الوقت عن الموسيقى وما ورثوه من تراث عنها. يذكر الموصلي في المقدمة أن أصل المقامات هو النبي موسى، فعندما فلق الحجر بعصاه وقت التيه وانفجرت عن اثنتي عشرة عيناً صدر من كل "عين صوت حسن غير الآخر فمنها اخذت المقامات الاثني عشر وهي أصلها فقال جبريل لموسى عليه السلام يا موسى اسقي فاختصرت هاتين الكلمتين وجعلت اسما لهذا الفن فقالوا الموسيقي".
بعدها يربط الموصلي المقامات بالأنبياء، وأصلها سبعة ثم تشعبت فمقام الرست هو لحن ادم، والعشاق لحن موسى والعراق كان لحن يوسف والحجازي كان لحن ابراهيم والحسيني لحن داود والنوى لحن اسماعيل، وكلها مقامات معروفة سوى مقام أسماه ما وراء النهر ونسبه إلى النبي يونس. ثم صارت المقامات شُعباً مأخوذة من الارتفاع والخفض وأخذت رتبها من البروج الاثني عشر بحسب طبيعة كل مقام.
يذكر المؤلف في الباب الثاني أن المقامات تتعلق بالبروج والأفلاك والساعات "وهي مركبة من أربع طبايع، بعضها نارية وبعضها ترابية وبعضها مائية وبعضها هوائية فالراست طبعه ناري وبرجه حمل ساعته الزهرة في الفلك الثالث وهو له من الشعب النبريز (؟) ويقال له بلغة الفارسية مانة وبنجكاه… والعراق طبعه هوائي برجه العقرب ساعته المريخ في الفلك الخامس يوم الثلثا وله من الشُعب الصبا ويقال له دوكاه…" وهكذا يصف المقامات تباعاً.
وخصص الباب الثالث "لطبايع" المقامات التي ينسب لها حرفا من الأبجدية وهي بدورها (أي الأحرف) لها طبيعتها حتى يصل إلى الوقت المناسب لقراءة المقامات، "مثلا فإذا أردت قراءة الراست فلتكن قراءته يوم الجمعة في أول ساعة منه فإن أول ساعة من يوم الجمعة للزهرة ولتكن قافية القصيدة الألف والهاء أو الظاء أو الجيم أو الفاء أو الشين أو الذال فإن هذه الأحرف موافقة للراست في الطبيعة.." وينتقل إلى الحديث عن طبائع المستمعين بحسب علمهم وقوميتهم وكيفية قراءة المقامات والتنقل بينها واختيار المقامات بما يناسب طبائع هؤلاء المستمعين: "وإذا كنت بمجلس مع عوام الناس فلتكن قرائتك لهم العشيران والشاهناز والمحير لأن طبايعهم كثيفة قوية لا تلين بالمقامات الباردة..". ثم يختم الكتاب بقصيدة عن المعلومات الواردة في رسالته كما هي العادة في تلك الأزمان في نظم المعلومات شعراً ليسهل حفظها وتلقينها.
هذا المنحى في ربط الموسيقى بالأبراج والكواكب ليس جديداً، فهو استمرار لتقليد قديم تمتد جذوره إلى الموسيقى السومرية، فكل وتر من أوتار القيثارة كان مرتبطاً ببرج من الأبراج، واستمر هذا الفهم حتى في أوروبا لفترات متأخرة.
المخطوطة محفوظة في مكتبة المتحف البريطاني وقد جرى تصويرها رقميا ونشرها ضمن مشروع مكتبة دولة قطر الرقمية.
موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي
نشر في: 12 يناير, 2025: 12:02 ص