حسين عبد الرازقعندما بدأت «حركة 6 أبريل» الدعوة للتظاهر في يوم 25 يناير (2011) وهو يوم «عيد الشرطة»، احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانتشار الفقر وتزايد معدلات البطالة وتدني الأجور وارتفاع الأسعار وشيوع الفساد، وممارسة الشرطة للقمع ضد المواطنين واستمرار حالة الطوارئ ما يقرب من 30 عاما متصلة وتزوير الانتخابات العامة واحتكار الحزب الوطني للسلطة والثروة وغياب الديمقراطية وانتهاك الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان..
كان التقدير الغالب لدى أحزاب المعارضة - ومن بينها قيادة حزب التجمع - وكثير من السياسيين والكتاب والمفكرين أن هذه الدعوة قفز على الواقع، و«قد تؤدي - في حالة عدم الاستجابة لها وهو الأرجح - إلى إجهاض الفكرة كما حدث في 6 أبريل و4 مايو 2008» وقد كنت من هذا الفريق، وعبرت علناً عن تخوفي من فشل الدعوة، مع تسليمي وتأكيدي أن من حق أي فرد أو جماعة أن يدعو للتظاهر والإضراب والاعتصام باعتبار أن هذه من الحقوق الأساسية للإنسان تضمنها المواثيق والبروتوكولات الدولية التي وقعت عليها الحكومة المصرية وأصبحت جزءا من القانون المصري وقلت في نفس الوقت إن اختيار يوم «عيد الشرطة» للاحتجاج - رغم المغزى الإيجابي الواضح من هذا الاختيار لما ترتكبه بعض قيادات وأجهزة الشرطة من انتهاك للقانون وتعذيب في المعتقلات والسجون وأقسام الشرطة - غير ملائم، فيوم 25 يناير يوم وطني في تاريخنا وتاريخ «البوليس» المصري، ففي هذا اليوم تصدت قوات الشرطة في الإسماعيلية ببسالة لقوات الاحتلال البريطاني التي أرادت اقتحام مبنى المحافظة، وظلت تقاوم الغزو حتى نفدت ذخيرتها، وسقط في هذا اليوم 50 شهيدا و80 جريحا من الشرطة المصرية وتكبد العدو 13 قتيلا و12 جريحا، وأضفت أنه من غير المقبول أن تنفرد جماعة ما باتخاذ قرار بدعوة المواطنين للتظاهر ومطالبة الأحزاب والقوى السياسية بالمشاركة دون أن تتشاور أو تتفق مع هذه الأحزاب والقوى السياسية مسبقا، ولم يغير من موقفي وكذلك قيادة حزب التجمع التي أعلنت عدم مشاركة الحزب في هذه المظاهرة مع ترك الحرية لأعضاء الحزب في المشاركة فيها إعلان حركة «كفاية» وأحزاب الجبهة الديمقراطية والغد والعمل والكرامة والوسط وجماعة الإخوان المسلمين الانضمام إلى الدعوة للتظاهر في هذا اليوم والاشتراك معه.وفي يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 أدركت - وكل من اعترض على اختيار هذا اليوم - إنني أخطأت التقدير، ورغم كل الكتابات والتحليلات التي رصدت بدقة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأزمة الشاملة في المجتمع والاحتقان السياسي والاجتماعي والطبقي، ففي اللحظة الحاسمة لم نحسن تقدير ما حدث في أوساط الرأي العام المصري وفي أوساط الشباب خاصة.ومحاولة فهم ما جرى خلال «يوم الغضب» يوم الثلاثاء 25 يناير والأيام التالية، وصولا للذروة في يوم «جمعة الغضب» في 28 يناير وما بعدها، تشير إلى مجموعة من العوامل لعبت الدور الرئيسي في انتفاضة الشعب المصري.أدت السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكم القائم والتي بدأت في ظل الرئيس أنور السادات عام 1974 وتواصلت في ظل حكم الرئيس الحالي «حسني مبارك» تحت أسماء مختلفة، والقائمة على انسحاب الدولة من الاستثمار وتوفير الخدمات الأساسية وإلقاء المسؤولية على القطاع الخاص ورأس المال الأجنبي، وتنفيذ روشتة صندوق النقد والبنك الدوليين القائمة على الخصخصة وبيع القطاع العام وعدم التدخل في السوق وتركه للعرض والطلب والمبادرات الخاصة تحت اسم «التثبيت والتكيف الهيكلي».. أدت هذه السياسة إلى مجموعة الظواهر الكارثية المتمثلة في شيوع الفقر والبطالة والفساد وتدني مستويات المعيشة نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الحقيقية للأجور.فنصف سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر (2 دولار في اليوم)، فطبقا لمعهد التخطيط القومي في مصر يقدر عددهم بـ 48% من السكان، ويقدرهم تقرير التنمية البشرية «الأمم المتحدة» بـ 9.43%.ويعاني ما بين 9% و17% من قوة العمل في مصر من البطالة، والنسبة الأكبر من العاطلين عن العمل هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و40 سنة وغالبية العاطلين من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمدارس الثانوية، والبطالة هي أحد مسببات ظواهر العنف الغربية التي تحدث في المجتمع في السنوات الأخيرة.وينتشر الفساد في مصر من القمة إلى القاع، وتورط فيه كبار المسؤولين وأبنائهم وزوجاتهم وذويهم، وفي الحكم وأجهزة الدولة والهيئة التشريعية ودوائر قضائية وموظفين كبار وأجهزة الشرطة، ورموز الفساد الكبار خارج نطاق المحاسبة وبعيدين عن دائرة سلطان القانون، بل أصبحوا من يشرعون القانون.وتقدر (منظمة الشفافية الدولية) تكلفة الفساد السنوي في مصر بما قيمته 100 مليار جنيه مصري، ويبدو الفساد السياسي في مصر واضحا للعيان في زواج السلطة والمال وفساد الحكم وشموليته واستبداده واستناده إلى حالة الطوارئ المعلنة منذ 6 أكتوبر 1981 ولسنوات قادمة، وتعود تزوير الانتخابات العامة، وبالتالي غياب المشاركة في القرار السياسي.وتتدنى مستويات معيشة المصريين وفي مقدمتهم 6 ملايين موظف إضافة إلى العمال والفلاحين، حيث تواصل الأسعار ارتفاعها بصورة فلكية، بين
أسباب الانتفاضة..الفقر والبطالة والفساد وتدنّي الأجور وارتفاع الأسعار والاحتجاج
نشر في: 6 فبراير, 2011: 05:14 م