لم تعد الصحافة ولا البرلمان ولا الجمهور في العراق، يجدون الوقت اللازم لملاحقة ورصد الخروقات التي يرتكبها فريق السلطان بحق كل شيء في البلاد. فهذا الفريق المسيطر على العسكر والاقتصاد وشؤون البلاد والعباد، يخلق من الأزمات كمية يصعب استيعابها وفهمها لإعداد رد يوازيها.
إن علينا أن نسجل لـ"الأقلية الحاكمة" أي ائتلاف "دولة القانون" إنها نجحت في تشغيل كل مفاصل الدولة لتدويخ خصومها بلا كلل ولا ملل، وبمعدل ٥ أو 6 أزمات وفضائح في الاسبوع وبلا اي شعور بالحرج.
الاكاديمي والكاتب ميثم لعيبي كتب في مدونته ان الحكومة تعتقل مظهر محمد صالح نائب سنان الشبيبي، اذ لا نعرف ظروف اعتقاله او طريقة التحقيق معه ويعجز الجميع عن التواصل مع محام يدافع عنه او مسؤول يوضح لنا قضيته. والشباب يسألون: ما العمل وهل سنظل نخسر كل يوم واحدا من كفاءاتنا ونكتفي بالصمت حين يختفون بطريقة هي اقرب للاختطاف منها للاعتقال؟
الأصدقاء في الجريدة يفكرون بصوت عال: هل هناك مهزلة اكبر من دولة تجهل في نهاية السنة، كم بلغ فائض العوائد المالية من تصدير النفط؟ تيار الصدر يقدر انها ٢٠ مليار دولار، ورئيس الحكومة ينكر ذلك قائلا انه ليس ٢٠. طيب كم ١٥ ام ١٠ مليارات دولار ام ماذا؟ ولا جواب بل تأتي مطالبة حكومية للبرلمان بنسيان نحو ٥٠ مليار دولار "كسلف" انفقها السلطان خارج قوانين الموازنة.. اي بلا إذن البرلمان. تسأل اين انفقت الاموال: فيقولون انها دفعت لضحايا الإرهاب ومصاريف الطوارئ! من الذي تسلم مبالغ طائلة كهذه وأمامنا جيوش من أرامل وأيتام لضحايا العنف تحولوا الى فقراء يبكون الجوع في عزلة وصمت داخل احياء العشوائيات او "الحواسم" التي يسكنها ٢٥ في المئة من أهلنا وأهلكم؟
يا للهول، لقد أنفقت الحكومة عدا الموازنة مبالغ "بسيطة" تريد من البرلمان إطفاءها، والمبلغ يساوي موازنة سوريا لخمس سنوات! هل نتظاهر احتجاجا على هذا أيضاً؟ ام نتظاهر على عنتريات القيادة الحكيمة في موسكو حيث تضيع التفاصيل ويتواصل التحقيق وتستمر التناقضات، والنتيجة ان الدباغ يتوعد بفضح الشابندر، والشابندر يتوعد بفضح الدباغ، وانا اسألهم وقد عرفتهم قبل ١٠ سنوات ولم يكونوا بعد قد اصبحوا من الحلقة الضيقة للسلاطين: وما شأنكما بشراء البارود والميغ والدروع، ومن ورطكما في هذا كله؟
الأصدقاء في دردشة "فوكسر" يسألون بذهول: هل يعقل أن يستمر حظر التجوال بعد ١٠ أعوام على سقوط صدام، ونحن لا نحرك ساكنا بينما نتعرض للإذلال اليومي في نقاط التفتيش التي تخنق المدن وتفشل في وقف العنف؟ ام نحتج على وضع الإناث في سجون مزدحمة وعلى حكايات اكثر من نائبة زارت السجن، حول اطفال ولدوا هناك ويعيشون مع أمهاتهم بين نساء مجرمات خطيرات أحيانا، ولن أشير إلى قصة الاعتداء الجنسي كي لا تتحرك قوات دجلة لمحاصرة منزلي قرب باب المعظم.
وعلى ذكر هذا، فهل كان علينا أن نحتج أيضا على تهديد السلطان لخصومه الذين اعترضوا في البرلمان على قصة مشابهة، وهو تهديد يعادل كل المخالفات التي ارتكبها رئيس الحكومة خلال سنة واحدة، حيث لم تبق تقريبا مادة في الدستور الا وخرقها؟ وهل تكفي لكبح جماحه ٣ بيانات غاضبة اصدرها زعيم التيار الصدري في اسبوع واحد؟ وهل يمكن لبرلمان عجز عن استجواب وزير، ان يقف في وجه قطار يتحرك بسرعة ويخرق كل القواعد ويعيد كتابتها كما يحلو له.
هل نحن الا امام انسداد سياسي عميق، وهل بقيت سياسة في عمليتنا السياسية، ام مجرد ممارسة لإخضاع الخصم مهما كانت مكانته؟
ان هناك فريقا واحدا يصيب الجميع بالدوار، النواب والصحافة والجمهور. الفريق هذا استولى على الدولة تدريجيا وسط اعتراضات خجولة من شركائه او منافسيه، ثم استخدم كل الدولة ضد كل النخبة والصحافة والجمهور.
والاستيلاء على الدولة ليس حله ان نتظاهر ساعتين من اجل مظهر محمد صالح ولا بنات البنك المركزي او مليارات النفط. الامر بحاجة الى احتجاج جذري من اجل استعادة "دولة برسم الخطف". وبديل هذا هو ان نقيم داخل جحيم مليئة بالمفاجآت وانعدام الحياء وحب البطولات الوهمية.. في بلد حولته بطولات الوهم الى خريبة.
تظاهرة الساعتين لن تأتي بالحل
[post-views]
نشر في: 9 ديسمبر, 2012: 08:00 م