بغداد / محمد العبيدي
أثارت عملية ضبط خمسة مليارات ليرة سورية في كركوك تساؤلات واستفهامات لدى الأوساط الاقتصادية والسياسية، حول مصدر هذه الأموال والغاية من وجودها داخل العراق.
وبينما تتفاوت الآراء بشأن طبيعة هذه الأموال بين من يعتبرها جزءاً من استثمارات محتملة في سوريا ما بعد تغيير النظام، ومن يعتقد بأنها أموال مهربة تعود لشخصيات مرتبطة بالنظام السوري السابق، تتصاعد الدعوات لضبط الحدود بشكل تام، وزيادة الإجراءات الأمنية هناك.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية، ضبط خمس مليارات ليرة سورية مخبأة في شاحنة بمحافظة كركوك شمالي العراق، حيث ألقي القبض على سائق الشاحنة والشخص الذي كان برفقته.
تحقيقات جارية
بدوره، ذكر مصدر عسكري عراقي، أن "التحقيقات لا تزال جارية بشأن شحنة الأموال التي تم ضبطها في كركوك، حيث تبين من خلال المعلومات الأولية أنها دخلت البلاد عبر الحدود السورية، مروراً بمحافظات الأنبار وصلاح الدين وصولاً إلى كركوك، وذلك في الفترة ما بين الأول من ديسمبر والثامن من الشهر ذاته".
وأضاف المصدر، الذي طلب حجب اسمه لـ(المدى) أن "الجهات المختصة تعمل حالياً على تحديد عائدية هذه الأموال والجهات التي تقف وراء تهريبها إلى داخل العراق، في ظل وجود مؤشرات قد تشير إلى تورط شبكات تهريب منظمة أو شخصيات لديها مصالح تجارية بين البلدين".
وشهدت الليرة السورية خلال السنوات الأخيرة انهيارات متتالية عكست عمق الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد، ففي عام 2021، كانت قيمة الدولار الأمريكي تقارب 3000 ليرة سورية، إلا أن الضغوط الاقتصادية المتزايدة سرّعت من تدهور العملة، ليرتفع سعر الصرف إلى 4000 ليرة خلال عام 2022.
ولم تتوقف موجة الانهيار هناك، حيث شهد عام 2023 تصاعداً حاداً في قيمة الدولار أمام الليرة، ليصل إلى 8000 ليرة في بداية العام، ثم تجاوز حاجز 13 ألف ليرة مع حلول منتصف العام نفسه، ما يعطي صورة واضحة عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية وفقدان الثقة بقدرة العملة المحلية على الصمود.
وفي مطلع العام 2024، تفاقمت الأزمة بشكل أكبر ليرتفع الدولار إلى 15 ألف ليرة ومع سقوط النظام في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بلغ الانهيار ذروته ليصل إلى 22 ألف ليرة مقابل الدولار.
لا مضاربات.. ربما استثمار
بدوره، أوضح الخبير في الشأن الاقتصادي ضرغام محمد أنه "من غير الوارد أن تكون هذه عملية مضاربة مالية، بل على الأرجح يتعلق الأمر بمحاولة استثمار محتملة في سوريا بعد تغيير النظام، في ظل الترجيحات التي تشير إلى رفع العقوبات الدولية عن سوريا في حال استقرار الأوضاع، مما قد يؤدي إلى ارتفاع قيمة الليرة السورية، وهو يدفع الكثيرين للاستثمار في مثل هذا التوقيت".
وأضاف محمد لـ(المدى) أن "المسألة قد تشمل أيضاً مبالغ مالية مرتبطة بشخصيات كانت تنتمي إلى النظام السابق في سوريا، وقررت الهرب بهذه الأموال بعد سقوط النظام لتجنب العقوبات أو المصادرة، ويُرجح أن تكون هذه المبالغ مدخرة في العراق لاستخدامها في حال استعادة الاستقرار السياسي والأمني في سوريا، وقد يتزامن ذلك مع صدور عفو عام عن رموز النظام السابق، مما يمهد الطريق أمام تلك الشخصيات للعودة ومباشرة أنشطتها الاقتصادية ضمن نظام جديد أو حكومة مستقرة".
وبعد تلك الحادثة، أعلن وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، أن العراق لن يسمح بأي تسلل عبر الحدود مع سوريا، مؤكداً أن "جميع المنافذ البرية مع سوريا لا تزال مغلقة بشكل كامل".
وأضاف الشمري في تصريحات تلفزيونية، أن "القوات الأمنية العراقية تمكنت من إجراء تحصينات واسعة على طول الشريط الحدودي مع سوريا، فضلاً عن تعزيز الإجراءات الأمنية بعد التطورات الأخيرة التي شهدها الجانب السوري".
وفيما يتعلق بالحدود الجنوبية، أوضح أن "المخافر الحدودية في الجزء الجنوبي من الحدود لا تزال خالية من التواجد العسكري السوري"، مشيراً إلى أن المنطقة المحاذية لمنفذ القائم أيضاً لا تزال فارغة، باستثناء السماح بدخول بعض الحالات الإنسانية عبر المنفذ باتجاه الأراضي العراقية".
لغز المليارات السورية في كركوك.. تهريب أم استثمار غامض؟
نشر في: 13 يناير, 2025: 12:02 ص