TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أي مستقبل ينتظر دول الشرق الأوسط؟

أي مستقبل ينتظر دول الشرق الأوسط؟

نشر في: 14 يناير, 2025: 12:01 ص

محمد مصطفى العبسي

ترجمة: عدوية الهلالي

منذ استقلالها وحتى مجيء الربيع العربي، عانت دول الشرق الأوسط من مبدأها التأسيسي،المنسوب إلى الرغبات والترتيبات بين القوى الاستعمارية السابقة. وإذا كانت مطالب الحكم الذاتي والعروبة والسيادة التي عبر عنها سكان المنطقة قد تم تلبيتها بالاستقلال، فقد شكلت هذه الدول، من وجهة نظر شعوبها ونخبها وقادتها، كيانات مصطنعة تم إنشاؤها وتقسيمها. في ظل نزوة الدبلوماسية الغربية.
لقد ساهمت الحروب بين العرب والإسرائيليين، والمصير المؤسف للشعب الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين، في وضع علامة على التاريخ الحديث للمنطقة ومصادرته بطريقة أو بأخرى. تماماً مثل اتفاقيات سايكس بيكو ونصيبها من المسؤولية في تحويل المشروع الثقافي للنهضة العربية إلى مشروع قومي وأيديولوجي.
ومع ذلك، كانت القومية العربية هي التي منعت إلى حد كبير ظهور التعددية السياسية والنقاش المدني داخل هذه المجتمعات. وكانت الحروب مع إسرائيل بمثابة أعذار، في العديد من دول المنطقة، لتبرير الانقلابات والاستيلاء العسكري على الحياة العامة والدستورية. وللاقتناع بذلك، يكفي حساب عدد العقود التي قضاها كل من الديكتاتوريين العرب في السلطة، بما في ذلك قادة السلطة الفلسطينية ومديريها التنفيذيين.
ولكن المشروع الأكثر تطرفا وشمولية كان ذلك الذي قام به النظامان البعثيان في العراق وسوريا، وخاصة بعد وصول حافظ الأسد وصدام حسين إلى السلطة في عامي 1970 و1979 إذ تولى حزب البعث مهمة تفكيك الدولة في العراق وسوريا منذ أكثر من ثلاثة عقود.وقد تعلم المواطنون والطلاب، في الكتب المدرسية وحتى في الدستور -السوري في هذه الحالة- أن الدول العربية غير شرعية ومؤقتة ومحكوم عليها بالزوال.
وكانت هذه السياسة الواعدة بالوحدة العربية من خلال الثورة البعثية مصحوبة بإنكار ديموغرافي وثقافي للأقليات، وخاصة الأكراد. إنكار وصل إلى حد تدمير آلاف القرى الكردية في شمال العراق خلال حرب الخليج الأولى، ناهيك عن عمليات القتل الجماعي بالأسلحة الكيميائية التي ارتكبت في ظل دكتاتورية صدام حسين. وفي سوريا، وعلى الرغم من التغييرات الدستورية لعام 2014 التي حاولت إعادة إضفاء الشرعية على السلطة القائمة في مواجهة التمرد، لا تزال الحقوق الثقافية للأكراد غير معترف بها. إن مثل هذه البذور الإيديولوجية والإجرامية التي زرعت منذ ما يقرب من نصف قرن لا يمكن أن تؤدي إلا إلى انهيار اجتماعي ومؤسساتي عند أدنى إضعاف لدول النظام هذه.
لقد بدأت الأزمة السورية عام 2011 باحتجاجات شعبية تطالب بإصلاحات سياسية من نظام بشار الأسد. وهذه المطالب لا تتعلق بمضمون الهوية ولا بالحدود الوطنية للدولة السورية. لقد طوروا، وهنا حيث يتم تبرير طابعهم الثوري، وعيًا اجتماعيًا وما بعد أيديولوجي للسياسة وروحًا دستورية للدولة.ومع ذلك، في الشرق الأوسط، لا توجد حكومات داخل الدولة، بل هناك دول نظام. وضمن الأنظمة الملكية في هذه المنطقة، لا يرمز الملك إلى وحدة شعبه ولكنه يعطي اسمهم وجنسيتهم لرعاياه. وهكذا، فإن سكان الجزيرة العربية يطلقون على أنفسهم اسم "السعوديين" في إشارة إلى سيادة آل سعود. وتمثل الأنظمة الملكية الخليجية الأخرى قدراً أقل من هذا العيب، لكنها مع ذلك تظل مرتبطة بنظام سياسي عفا عليه الزمن دون مستقبل آمن من الناحية القانونية، وهو نظام الملكية المطلقة في العصور الوسطى. وبالمثل، في ما يسمى بالأنظمة "الجمهورية" في المنطقة، لا توجد دولة لسكانها، بل فقط دول ذات تسلسل هرمي عرقي.
بمعنى آخر، فإن التجانس المعياري مفقود تمامًا، وبالتالي فإن أي صراع محكوم عليه بتجاوز جدلية العدالة/الظلم، أو الحرية/الطغيان، أو الشعب/النظام السياسي. والحقيقة أن إطار الدولة النهائي الذي تجري ضمنه المواجهة بين عدة شرعيات سياسية ليس موجوداً بعد، لأن مسألة الشرعية السياسية في الشرق الأوسط تنشأ على مستوى طبيعة الدولة وليس على مستوى الدولة، فالصراعات الاجتماعية والسياسية داخلها.
وكان انفتاح المجال السوري العراقي أمام التأثيرات الإقليمية والدولية أفضل دليل على ذلك، حيث ظهرت على السطح، على نحو مفاجئ للجميع، أجنة وأنواع عديدة من الدول.وبشكل عام، لم يحلم الأتراك والقطريون والإخوان المسلمون بديمقراطية دستورية وتعددية في سوريا، بل حلموا بدستورية انتخابية وأغلبية للدولة، مستنسخين أنظمة مرسي في مصر وأردوغان في تركيا أو بوتين في روسيا. وقد نجحوا، بحسب العديد من المعارضين السوريين، في احتكار وتوجيه الهيئات التمثيلية للمعارضة السورية، سواء على المستوى الدبلوماسي أو على أرض المعركة.
أما إيران وحزب الله، الحاضران والطموحان جداً في سوريا والعراق، فيزعمان أنهما الإسلام الشيعي الثوري والنظام السياسي للملالي وآيات الله. فهم يلعبون بورقة الأقليات في المنطقة ويوجهون الصراعات نحو معارضة غير قابلة للتسوية بين الشيعة والسنة. وبينما كان داعش ينتمي إلى فئة الملكية المطلقة السعودية والعصور الوسطى، مضيفًا واجبًا دينيًا للجهاد والتوسع الإقليمي، فقد نسخ الأكراد، وما زالوا يقلدون، الخطأ العربي واليهودي للدولة القومية المتجانسة، وهكذا…
ان التجانس المعياري يعني اليقين القانوني. ويمكن ترجمة هذا المفهوم بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط على أنه ذو جانبين: تشبث أي نظام سياسي بالشرعية الشعبية بالنسبة للجانب الفلسفي (العقد)، وتشبث مؤسسات الدولة بسيادة القانون وحقوق الإنسان بالنسبة للقانونيين (الدستورية).واليوم، قد يعني تغيير النظام في الشرق الأوسط تحولاً أو حتى اختفاء للدولة، يعقبه عدد كبير من الاحتمالات المكانية التي لا يمكن التنبؤ بها ومن المستحيل توقعها.
لقد أعطى الربيع العربي، في بداياته، لمحة عن إمكانية التغلب على أيديولوجيات الهوية والأنظمة السياسية لصالح التثبيت المؤسسي للدول ودسترة حياتها السياسية. فإذا كان لا يزال على قيد الحياة، وإذا أردنا الحفاظ على استمراره وعواقبه، فلا بد من التفكير في الأمور التالية:
ماهو الوضع التاريخي لحق تقرير المصير؟ هل كانت وسيلة ومثالاً وهمياً ولكنه ضروري للخروج من الإمبراطورية في بداية القرن العشرين؟ هل ينبغي لدولة القرن الحادي والعشرين أن تمثل دائمًا تعبيرًا عن الهوية السياسية؟ فهل هناك مساحة كافية أو مساحة أو تجانس ديموغرافي في هذه المنطقة لإرضاء كل ما يسمى بالشرعيات السياسية التأسيسية؟ وأين مكان الفرد وهويته وحقوقه الاجتماعية والسياسية؟
وهل ينبغي أن يستمر نضال الشعب الكردي ونضال الشعب الفلسطيني نحو تقرير المصير والاستقلال؟ أم يجب علينا إعادة التفكير في مستقبل المنطقة ضمن دول تعددية وديمقراطية تخدم جميع سكانها وجميع مواطنيها؟ ألن يحل هذا أيضاً المسائل الوجودية لبعض الأقليات الناشئة، مثل العلويين في سوريا، أو السنة في العراق، أو الشيعة في لبنان وأماكن أخرى؟
وماذا عن القضايا الناشئة والملحة للغاية بالنسبة لمستقبل المنطقة، مثل التحدي البيئي والإدارة المستدامة والتوزيع العادل للموارد الطبيعية بين الدول؟ ألا يشكل تكاثر وظهور دول جديدة، في هذا الصدد، تهديدا أكثر خطورة من صراع الهوية؟
وأخيرا، ما هي الاستجابات التي ينبغي للمبادرات المدنية والخاصة أن تقدمها للتحديات الأخلاقية التي تفرضها التكنولوجيا، أو تدفق الأفكار المتطرفة عبر شبكة الإنترنت، أو عدم قدرة ملايين اللاجئين على الوصول إلى التعليم والمعلومات؟ وكيفية تشكيل قوة اجتماعية رقمية تتجاوز الحدود والأنظمة وتساهم في التمثيل المدني والمواطني للسياسة في المستقبل؟ يجب الإجابة على كل هذه الأسئلة الضرورية للسنوات المقبلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

العمود الثامن: لماذا لا نثق بهم؟

الصراع على البحر الأحمر من بوابة اليمن "السعيد" 

كيف يمكنناالاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمود الثامن: رئيستهم ورئيسنا !!

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

 علي حسين أعرف جيداً أن البعض من الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من البطر لا يهم المواطن المشغول باجتماعات الكتل السياسية التي دائما ما تطابنا بـ " رص...
علي حسين

قناطر: الربيع الأمريكي المُذِل

طالب عبد العزيز هل نحن بانتظار ربيع أمريكي قادم؟ على الرغم من كل ما حدث، وقد يحدث في الشرق الأوسط، نعم، وكم هو مؤسف أن تتحرك دفة التغيير بيد القبطان الأمريكي الحقير، وكم قبيح...
طالب عبد العزيز

تضارب المصالح بين إسرائيل وتركيا في سوريا وعواقبه

د. فالح الحمـــراني كما بات معروفاً، أن وزير الدفاع الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو*، خلال لقاء حول موضوع الوجود التركي في سوريا، طرحا مقترحاً لـ"تقسيم سوريا إلى مناطق مقاطعات (الكانتونات)". وذكرت صحيفة إسرائيل هايوم عن خطة...
د. فالح الحمراني

النظام السياسي في العراق بين الخوف من التغيير وسؤال الشرعية

أحمد حسن لفهم حالة القلق التي تخيم على النخبة السياسية في العراق مع كل تغيير داخلي أو إقليمي، لا بد من تحليل عميق يرتكز على أسس واضحة ومنطقية. فالشرعية السياسية، التي تعد الركيزة الأساسية...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram