الموصل / سيف الدين العبيدي
لطالما سعى الآثاريون الموصليون إلى إحياء تاريخ الحضارة الآشورية في أذهان الأجيال الحالية، خاصة بعد الدمار الذي طال آثار نينوى. وقد ازداد هذا الاهتمام بعد تحرير الموصل، مع بدء توافد الزوار من المحافظات العراقية والأجانب إلى "أم الربيعين"، حيث يزور الكثيرون المدينة لأول مرة. ومن هنا، برزت الحاجة إلى تعريف الزوار بتراث وحضارة المدينة العريقة.
وفي هذا الإطار، يعمل الآثاري صفاء الدين المشهداني على صناعة مجسمات تعبر عن الحضارة الآشورية بطريقة حديثة، مزاوجاً بين الأصالة والمعاصرة. بدأ المشهداني مشروعه الفني قبل عشر سنوات عندما كان طالباً، حيث قدم 21 عملاً نحتياً يعكس الحضارات السومرية والبابلية والآشورية، مثل النصوص الاقتصادية الآشورية، والنصوص الدينية السومرية، والصولجانات، والقوانين الحضارية مثل قانون لبت عشتار وقانون إشنونا. ويهدف من خلال أعماله إلى الحفاظ على الموروث الحضاري للموصل.
وفي حديثه لـ(المدى)، أوضح المشهداني أن الخط المسماري ابتكره السومريون، وسُمي بهذا الاسم لأن علاماته الكتابية تشبه شكل المسامير. واستطاع أن يقيم ورشة في منزله لصناعة مقتنيات منقوشة بالخط المسماري، تعبر عن حضارات بلاد الرافدين، مع مزجها بلمسات حديثة لتظل راسخة في أذهان الأجيال الحالية والمستقبلية. ويرى في ذلك رسالة يؤكد من خلالها أن آثار العراق ما زالت تحمل عظمة وتاريخاً يستحقان الفخر.
يصنع المشهداني أعماله من مواد مثل الجبس والطين الحر والرزن، حيث ينقش النصوص والرموز بيده، ثم يدخلها في قوالب سليكون ويحرقها في فرن تصل درجة حرارته إلى 800 درجة مئوية. ومن بين أعماله البارزة، جسد المادة 128 من قانون حمورابي، التي تنص على أن الرجل الذي يتزوج امرأة دون عقد زواج لا تعتبر زوجته. واختار هذه المادة من بين 282 مادة قانونية لإثبات أن العراق منذ القدم كان يحترم الإنسان ويقدر القانون.
أكد المشهداني أن العديد من الأجانب اقتنوا أعماله، ولا يزالون يتواصلون معه بعد عودتهم إلى بلدانهم لمعرفة المزيد عن أعماله الجديدة. كما يزور بعضهم متاحف عالمية لالتقاط صور لأعماله بجانب القطع الأثرية الأصلية المعروضة فيها، والتي تشبه أعماله النحتية. بل إن بعضهم جعل هذه الرموز والكتابات أوشاماً على أجسادهم، تعبيراً عن حبهم لحضارة بلاد الرافدين، وهو ما يعتبره المشهداني مصدر فخر واعتزاز.
شارك المشهداني في معارض فنية في بغداد، أربيل، دهوك، والديوانية، ووصلت أعماله إلى جميع المحافظات العراقية. ويأمل أن يزداد الوعي لدى العراقيين بأهمية الآثار والتراث، وأن يحافظوا عليها كإرث عظيم. كما يتمنى أن يقتدي العراقيون اليوم بحضاراتهم القديمة، التي كانت تتسم بالطموح والثقافة والنظام واحترام القانون، على عكس الواقع الحالي الذي يعاني من إهمال واضح للثقافة والتراث، وعدم احترام القانون من قبل المواطنين والدولة على حد سواء.