طالب عبد العزيز
هل نحن بانتظار ربيع أمريكي قادم؟ على الرغم من كل ما حدث، وقد يحدث في الشرق الأوسط، نعم، وكم هو مؤسف أن تتحرك دفة التغيير بيد القبطان الأمريكي الحقير، وكم قبيح أيضاً أن تأتي حرب الناتنياهو، بدمائها العربية في غزة ولبنان وسوريا بمادة التغيير الموعودة هذه، التي باتت شعوب المنطقة حسيرةً تتطلع اليها، لكنها الحقيقة التي لا تسترها عنتريات البعض، إذ أنَّ كل المؤشرات تشير الى ذلك، ولم يبق أمامنا إلا القبول بالنتائج.
لا يمكن فصل ما يحدث بيوم وليلة في لبنان من تسارع في إعادة المشهد الى واقعيته، فاختيار رئيس الجمهورية جوزيف عون، هذه الشخصية الاستثنائية، المرضي عنها من جميع الأطراف، والتي جاءت كطوق نجاة الى اللبنانيين، وبما يتمتع به من حنكة وكاريزما قيادية تحيل العراقيين الى شخصية رئيس الجمهورية في العراق، والدور الخجول الذي يمارسه، كذلك سيكون نواف سلام، رئيس الوزراء اللبناني المكلف بتشكيل الوزارة، وبالسيرة العظيمة التي تتقدمه، وسحب البساط من فصيل (المقاومة) حزب الله ومنظمة أمل، الذي لم يعد فاعلاً في المشهد القادم، ووقوع قياداتها بين فكيّ الرفض غير المبرر والقبول بالرغم منه، فيما الخطى تمضي سريعة باتجاه لبنان آخر، متحرر من القبضة الإيرانية -السورية الأسدية.
لا أعرف كيف ينظر الى نفسه الآن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بعد أن تم تداول مقطع فيديوي يقف فيه شاعراً، يقرأ قصيدةً في مديح الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد! في مشهد مقزز، يقع خارج حدود اللياقة الوطنية، في الوقت الذي جعل فيه لبنان مقيدةً بشبكة الولاء والتبعية الى إيران وسوريا، وبما نتج عن ذلك من وتعطيل حكومي وخراب اقتصادي وإذلال شعبي؟ وفي المقابل، مازال العشرات من المسؤولين العراقيين الدائرين في فلك طهران يضعون العصي في عجلة التحولات في البلاد، ولم تتغير سياستهم تجاه بلدهم، بل ومازالوا يصرون على أنَّ بقاء العراق ضيعةً تابعة لإيران خير من وجوده الحر واستقلال رئاساته.
هل يكون الرئيس محمد السوداني قد استوعب المستقبل وما سيحدث في المنطقة وطبيعة العلاقة المتوقعة مع إيران في القادم من الأيام ليذهب الى المملكة المتحدة ويوقع اتفاقية استراتيجيةً مع الشركات البريطانية التي ستدخل للعمل في العراق؟ بل، وهل ستسمح أمريكا ببقاء الحشد والفصائل المسلحة المرتبطة بإيران داخل العراق وممارسة أعمالها في تهديد (المصالح) الامريكية، وقد بات الشرق الأوسط خلواً من الجيوش المهددة لأمن إسرائيل؟ في تتبع بسيط لما حدث ويحدث في سوريا ولبنان وغزة (بعد قبول حماس بتوقيع اتفاقية إيقاف الحرب وتبادل الاسرى بخاصة) نجد أنَّ مستقبل العراق يقف على مفترق طرق، فإما إيران وإما أمريكا، ولو أنَّ السياسة العراقية تمكنت من اتخاذ قرارها المستقل بعيداً عن الحضن الإيراني لما تجرأت أمريكا على أن تضعنا بين فكي الكماشة هذه.
واضح أنَّ الرئيس الأمريكي بايدن يعمل على تصفير معاركه التي قادها وشارك فيها في عموم الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا أيضاً، وأنَّ الرئيس القادم الى البيت الأبيض في 20 كانون ثاني الحالي يحمل أجندة ليست البندقية واحدة بين آلاتها، وأنَّ الحياة في العراق لن تظل رهينة السياسة الإيرانية وتبعية الفصائل لها، هناك ما هو وطني ومستقل يعتمل في الروح العراقية، وأنَّ بيروت لن تتقدم بيروت في صنع قرار الاستقلال ونبذ التبعية ونزع السلاح وإعادة هيبة الدولة، وأن (الربيع الأمريكي) المُذل قادم لا محالة.