TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > في الذكرى الأولى لرحيل محمود عبد الوهاب.. محمـد خضيـر يطلق.. الرَّجُل والفسيـل

في الذكرى الأولى لرحيل محمود عبد الوهاب.. محمـد خضيـر يطلق.. الرَّجُل والفسيـل

نشر في: 10 ديسمبر, 2012: 08:00 م

جاسم العايف

أصدر القاص محمد خضير، وعلى نفقته الخاصة، علمنا مؤخراً أن جامعة البصرة ستعمل على تعضيده، في الذكرى الأولى لرحيل أستاذنا محمود عبد الوهاب، كتابه (الـرَّجُـل والفسيل)* وقد قام القاص محمد خضير بتوقيع الكتاب في نهاية الجلسة الاستذكارية الخاصة بالراحل القاص الرائد محمود عبد الوهاب والتي بدأت وقائعها صباح يوم السابع من كانون الأول انطلاقاً من مقر اتحاد أدباء وكتاب البصرة بزيارةٍ لضريح الراحل، وبمشاركة عدد كبير من الأدباء وأصدقائه ومعارفه وأقاربه نحو مقبرة الحسن البصري في قضاء الزبير مع وضع أكاليل من الزهور عليه، ثم العودة إلى مقر الاتحاد وعقد الجلسة الاستذكارية التي ضمت مشاركات لكل من الشعراء كاظم اللايذ ومجيد الموسوي ومقداد مسعود وقاسم حنون ومجيد الأسدي وعدنان علي شجر وكريم جخيور الذي ألقى كلمة الاتحاد وطالب فيها الجهات الرسمية بعمل تمثال للراحل وإطلاق اسمه الكريم على احد شوارع البصرة التي لم يستطع مفارقتها طويلاً، خلال حياته كلها، وكذلك طلب من الجهات الثقافية الرسمية طبع مؤلفاته الكاملة، المنشورة منها، والمخطوطة والجاهزة للطبع، وكذلك كلمات للشاعر حسين عبد اللطيف والناقد جميل الشبيبي والكاتب إحسان السامرائي. وساهم في جلسة الاستذكار التي جرت في مقر الاتحاد، الذي تحمل قاعته اسم "محمود عبد الوهاب" مشاركة جمعية التشكيلين العراقيين في البصرة من خلال المعرض التخطيطي للفنان حامد سعيد، وعرض بعض الصور الفوتوغرافية للراحل شملت مراحل مختلفة من حياته وكذلك نماذج من مخطوطاته ورسائله وأغلفة كتبه وقد قام على جمعها وتبويبها وعرضها الزميل الشاعر كاظم اللايذ بمشاركة الأستاذ محمد خضير. ولد الراحل القاص والروائي والمثقف الديمقراطي والمربي الكبير محمود عبد الوهاب عام 1929، خلال زيارة عائلته للعاصمة بغداد، وحصل على درجة ليسانس شرف (لغة عربية) من (دار المعلمين العالية - كلية التربية حالياً- بغداد عام 1953) وكتب عدداً من المسرحيات وأخرجها ومثل فيها، وترجمَ كذلك بعضاً من القصص عن اللغة الانكليزية، وتُرجمت قصصه إلى عدد من اللغات الأجنبية، واختيرت قصته (القطار الصاعد إلى بغداد) التي نشرها عام 1953 في مجلة الآداب اللبنانية لتدريسها ضمن منهج الأدب والنصوص للصف الثالث المتوسط في العراق، وصدر للأستاذ عبد الوهاب ثريا النص - مدخل لدراسة العنوان القصصي عام 1995 وهو أول كتاب يصدر باللغة العربية يختص في هذا الشأن، وصدرت مجموعته القصصية (رائحة الشتاء) عام 1997 وترجمت إلى اللغة الانكليزية عام 2012، أما روايته (رغوة السحاب) فصدرت عام 2001. وعن مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون صدر، بعد رحيله، كتابه (شعرية العمر) عام 2012، وهو حصيلة مقالات كان يكتبها في جريدة المدى - الصفحة الثقافية - كل يوم أربعاء وتحت عنوان (أوراق). وللراحل بعض المخطوطات الجاهزة للطبع منها (سيرة بحجم الكف) رواية، و(الكلام عما جرى) سيرة ذاتية، وكذلك مجموعة قصص قصيرة، وقصائد نثرية و مقالات ودراسات وحوارات وبحوث تربوية متعددة. ويذكر إن الراحل محمود عبد الوهاب وعند تخرجه من دار المعلمين العالية، بدرجة الشرف، خصه الملك فيصل الثانية بساعة يدوية ثمينة وسلمها له شخصياً على المنصة، وكذلك سلمه أستاذه في الدراسة الإعدادية فيصل السامر، الدكتور لاحقاً والوزير بعد ثورة 14 تموز 1958، هدية ثمينة وذلك لفوزه بالجائزة الأولى في المسابقة الأدبية التي كانت تجريها سنوياً في البصرة الإعدادية المركزية لطلابها. يقع كتاب( الرَّجُـل والفسيل) في (128) صفحة من القطع المتوسط ، وضم في بدايته (ص5) مقتطفات من بعض حوارات وملاحظات ويوميات الراحل منها (ثراء السرد) الذي يذكر فيه :"أنْ تكتبَ يعني أن تقولَ لمن يُصغي إليك قولاً يجهل حقيقتَه أو شيئاً من حقيقته ، وإلا فلماذا تكتب أو تقول. أن تكتب يعني أن تملك ما يُقال، وما يقال ينبغي أن يكون نافعاً.." و( مخاض الكتابة) ويرد فيها "الكتابة مخاضٌ حقيقي، ومن دون هذا المخاض تُولد النصوص خُدّجاً"، و(اللحظة) تلك التي :" أتلمسها بين أصابعي، ناعمةً وشفافةً وقصيرةَ العمر، ما أن تلمسها حتى تذوب بين أصبعيك. الزمن لا مكوث له . ينساب بين أصابعك كأنه سائل لا كثافة له. سائل ليس كالسائل أيضاً. انه يمتلك سيولته الخاصة..". و(مرثية العمر الجميل) فـ" غالباً - إن لم تكن دائماً - تأتي الكتابة عن الذات في نهاية العمر لا في بدايته ، والكتابة عن الذات هو ما يُصطلَح عليه في الأجناس الأدبية بالسيرة الذاتية التي يُكرّس فيها الكاتب جهده في سرد حياته وتجربته ومواقفه من الحياة والفكر والإبداع . أهي القبض على ما فات من سنوات العمر الجميل والإمساك ؟ أهو رثاء العمر أم زهوه؟..". في التقديم (ص7 ) يذكر القاص محمد خضير انه يجمع مقالاته عن القاص الراحل محمود عبد الوهاب، ليثبّت بنشرها في كتاب قولاً سدّده نحوه على سبيل المداعبة والمماحكة وعمق العلاقة وثرائها بينهما ، في احتفال أقيم له على قاعة عتبة بن غزوان بالبصرة و في أيامه الأخيرة ، احتفاءً بفنه وتجربته الإنسانية النقية الناصعة. يذكر القاص محمد خضير، (ص8 ) ، من المنصة، في ذلك اليوم، ألقيتُ بقولي هذا:" إن مقالة واحدة منكَ مقابل خمس مقالات أكتبُها عنكَ، لهي معادلة عادلة.. أقبلُ بها راضياً وادعاً، فلا أقلَّ من هذا العدد يساوي حضوركَ بيننا اليوم". ويضيف في تقديم (الرَّجُـل والفسيل) :"أسدد هذه المعادلة ثانية، في غياب الصديق الكبير، لأسوي ديناً لم أحسمه في حياته، لعل إضافة مقال أو كتاب كلما حانت ذكراه تسدّ عن حضوره في محفل أو مجلس يظلّ فيهما كرسيه خالياً منه. لم يجبني محمود على معادلتي، لا في الحفل ولا بعده، ولا أحسب أن تسويتي اليوم ستسدّ فراغه. لا في الحفل ولا بعده. دفع محمود حياته وأدبه، ودافع عنهما بنفسه وحيداً فلما مات جاء مَنْ يسدّ مسدّه. لا عدل في هذا التسديد. ولا جواب. وهذه هي النهاية الحزينة". وقد تضمن الكتاب مقالات كتبها القاص محمد خضير، هي :ظاهرة محمود عبد الوهاب (20 /10 /1999) وأشياء لا تُمحى.. اسم لن يزول (4 /1 /2006 )،  وقلبُ العالم -1- .. محمود عبد الوهاب في خمسة تعريفات،(18 /5 /1996)، وقلب العالم-2 - .. مقدمات لقصص محمود عبد الوهاب، (25 آذار 2011)، وعنوان محمود عبد الوهاب، (26 /1 /1996 )، ومات وحيداً،(7 /12 /2011 )، وعينان على الأفق البعيد، في أربعينية محمود عبد الوهاب (20 /1 /2012). كما تضمن الكتاب فصلاً بعنوان (نصوص الغرفة) الذي احتوى على ملاحظات للقاص محمد خضير عن بعض كتابات ومسودات تركها الراحل، بعضها غير مكتملٍ، واختار الراحل لها عنواناً أولياً هو (ثامن أيام الأسبوع)، وعلق خضير عليها: سترتدّ قراءةُ نصوص (اليوم الثامن) إلى فصول، ازدهارها الأولى، وتلتمس تقنيات (اليوم السابع) ودلالاته، ذات الرائحة الملتصقة بالأردية والهيئات القديمة. وقد نشرت، في الكتاب، تلك النصوص غير المكتملة وهي: سرير الرجل العجوز، وعطلة الأعزب، وافتتاح آخر، وتلك اللحظة.. ماذا يفعل العالم؟ والجدار. والقاص محمد خضير رأى بأنه لم تتبقَ من محاولات محمود عبد الوهاب الناقصة غير قصص قليلة كاملة، تستحق النشر في إضمامة، تلتحق بهذا الكتاب وان عدد القصص سبع وكان قد تم نشر بعضها في الدوريات العراقية وأنها الأكمل بين القصص السبع الكاملة له وهي: دروكوكو، وامرأة الجاحظ، وتلك الليلة، والوجه المفقود، والضحك من خلال الدموع، والرجل البدائي، وحكاية قديمة. ويرى محمد خضير أن جمع تلك القصص، وإعادة نشرها مجدداً في (الرَّجُـل والفسيل) و بعد سنة من وفاة محمود عبد الوهاب :"سيملأ جزءاً من لوحة الغياب الفاجع، لكنه لن يطمس الأثر الباقي من لوحة (رائحة الشتاء) في ذاكرة القراء الذين قرأوا نصوصها، فلقد قطع الرحيلُ السرمدي لرجل استثنائي أيَّ أمل في إنتاج متعدد الأصول. رحلت السحابة بمطرها، وأُغلِق الشباك على ساحته بعد أن اكتفى الأسلوب بعنوان أصيل، وأبى تشقيق عنوانات فرعية له من الأثر المكتوم". مبادرة القاص محمد خضير وأمانته بالترافق مع إخلاصه، وجهده الواضح في (الرَّجُـل والفسيل)، شهادة عن مثلٍ وقيمٍ نادرةٍ في الوفاء والإخلاص، في الزمن العراقي الراهن، لعلاقة عميقة جمعت بينه وبين محمود عبد الوهاب. علاقة ذكر عنها القاص محمد خضير انه: حين وقّعَ محمود عبد الوهاب اسمه على أول قصة نشرها (خاتم ذهب صغير- عام 1951) كنتُ استعمل اسمي استعمالاً ابتدائياً على دفاتري المدرسية. كان آنذاك - محمود عبد الوهاب - يثب على جسور المخاطر الحديدية، فيما كنت اجلس مطمئناً على رحلة خشبية. الاسم الحديدي والاسم الخشبي رحلا مفترقين، غير عابئين بالقوانين والاحتمالات التي ستجمعهما في إطار مشترك يقرّب علامات زمنيهما المتفاوتة.
*(الـرَّجُـل و الفسيل) محمد خضير/ شركة بلورة الجنوب - البصرة/ الغلاف: جواد المظفر/ ط1 - 2012

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د.أسامه غالب

    مرحباً بالأنسان الرائع الأستاذ القاص محمد خضير المحترم البصراوي حد النخاع

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: هلاوس الناطق السابق!!

العمودالثامن: مــن ســرق أحلامنا؟

العمودالثامن: مهاتير عراقي !!

العمودالثامن: البرلمان يعلن الحرب على النساء

المقاييس العربية وأهميتها في مواجهة التحيز اللغوي في مؤشرات التأثير الأكاديمي العالمية

العمودالثامن: لا يقرأن ما تكتبه

 علي حسين أحب ساخر بريطانيا الاكبر جورج برنارد شو إحدى قريباته، لكنها لم تبادله الحب، ويقال ان جميع النساء اللواتي احبهن كن من النوع الذي لا يطيق شيئين؛ السخرية والثقافة.كان برنارد شو في...
علي حسين

باليت المدى: الضوء الشاحب

 ستار كاووش ما أن دخلتُ ساحة كارل، وسط مدينة فيينا، حتى ظهرت من بعيد بناية (متحف فيينا) بإرتفاعها الباسق ولونها الأبيض الناصع، كأنها عروساً تستعد لزفافها هذا المساء رغم انها بُنيَتْ سنة 1887،...
ستار كاووش

النهضة الأدبية والفنية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي في العراق

بلقيس شرارة نمت الحركة الوطنية وازدهرت في العراق، في عقد الأربعينات وبداية الخمسينات، خاصة بعد الإنفتاح الفكري والسياسي الذي تلا الحرب العالمية الثانية، فأجيزت الأحزاب وصدرت الجرائد الوطنية، ولعب روؤساء الأحزاب دوراً مهماً في...
بلقيس شرارة

قناديل: طرابيشي: لن تكفينا محطّاتُك الست

 لطفية الدليمي غادر (جورج طرابيشي) الحياة عام 2016 وهو لم يكتب سيرته الذاتية. اكتفى بستّ محطّات في سيرته. أتمنى أن يقرأ من يهوى القراءة هذه المحطّات الست؛ فهي خلاصة موجزة لمسيرة عقل مشرقي...
لطفية الدليمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram