عبدالكريم يحيى الزيباري
"الحَكَكَة" نحت (الحكومة شركة). تفسد البلاد والعِباد، شركة تفرعت منها شركات. منصب تفرع منه مناصب وحكومات، والكلُّ يتنافس على حفنة دولارات.
الحَكَكَة اصطلاحاً: عملية استبدال لغاية الحُكم من تحقيق العدالة إلى الأرباح المادية. كالاغتراب عند ماركس، حيث يفقد العمل قيمته الأخلاقية والاجتماعية ليصبح مجرد وسيلة لزيادة رأس المال. ماكس فيبر وصف البيروقراطية كأداة عقلانية لخدمة المجتمع، لكنها تتحول في حالة الفساد إلى شبكة استغلالية. هوبز يرى نتيجة فساد الحاكم، حالة من الفوضى، حيث تسود مصالح الفرد والعائلة على المصلحة العامة.
الفساد بداية النهاية، والانحطاط لا يحدث فجأةً، بل نتيجة تراكمات الفساد والمحسوبية والبيروقراطية الطفيلية التي تهدم الأخلاق.
روما حكمت العالم القديم ألف سنة، سقطت بسبب عجز الخزينة واستغلال الحكام الإقليميين للضرائب العامة، وانعدام الثقة بين الشعب والنخبة الحاكمة. بطالة السياسية ببيع المناصب لمن يدفع الثمن، بِطالة مُقنَّعة لتدخل السياسيين في شؤون الإدارة، والساسة معقبي معاملات: طلبات نقل أصغر الموظفين، إلغاء عقوبات أو فرضها أو غير ذلك. أصبحت الأنانية والطمع قوة محركة لانهيار منظومة المجتمع.
أوروبا القرون الوسطى ويسمونها العصور المظلمة، أُسْتُنْزِفَ الفلاحون بضرائب للإقطاع والكنيسة والملك، والمحاكم انحازت للنبلاء والإقطاعيين، فاشتعلت الثورات والحروب.
المراحل المتأخرة من الدولة العباسية وعصر المماليك والعثمانيين، الحاكم بمثابة "شركة" تسعى للربح السريع، ببيع المناصب لمن يدفع بدلاً من الكفاءة والنزاهة، فانقسَمَت الدولة ولايات صغيرة تفرض الضرائب الباهظة على المزارعين والتجار، مما أدى إلى انهيار اقتصادي وسياسي.
التاجر يغشُّ الأسعار ونوعية المواد ويتلاعب بكلِّ شيء، ثم يعجز عن تسديد فواتير الحكومة. يستورد البضائع والأغذية، عند الحدود يدفع الكمرك، 14 فحص وربما أكثر، ولكلِّ فحص شركة خاصة، وعند كلِّ فحص يدفع مبلغاً من المال ونموذجاً من المواد. عند أول مدينة توجد نقطة تفتيش وطابور طويل لفحص المركبة ووزنها ويدفع كمرك مرَّة أخرى. البقَّال الذي يذهب إلى العاصمة ليجلبَ مواداً لدكانه الصغير، فيدفع كمرك وهو لم يعبر حدوداً دولية ولا إقليمية.
المقاول يتعاقد من الباطن لتبليط شارع بطول 70 كلم، بعشرة مليارات، وبعد سنتين من الأعمال وتصفية الأجور والمواد، لا يتجاوز ربحه ربع مليار. "الحَكَكَة" وقعت العقد مع الحكومة بمبلغ ثمانين مليار، وطول الشارع الحقيقي 50 كلم.
التاجر المستأجر لا يدفع الإيجار، المؤجِّر يلجأ إلى القضاء، شركة وأرقام نوافذ وشاشة الكترونية تمنح المراجع رقماً، لاستنزاف أمواله ببطء، وفي النهاية لا يصدر القرار لصالح المؤجِّر ولا المستأجر، بل يصدر لمن يدفع ثمناً أكبر.
يمرضُ الأب، المستشفيات الحكومية مزدحمة يتركونه في الممرات على الأرض. تأخذه إلى مستشفىً خاص يملكه وزير سابق أو سياسي، ثمن المبيت لليلة واحدة مليون دينار، بعد عشرين يوم أو أكثر يموت الأب بعدما باعت العائلة بيتها لدفع التكاليف.
مشروع بناء جسر أو مدرسة ينهار بعد سنوات قليلة، لأنَّ لجنة الاستلام تحت ضغط السياسي أو رأس المال، وقع الاستلام وهو يرى رداءة المواد المستخدمة. تبليط الشوارع يتم بأسفلت منخفض الجودة، تتلف الطرقات بعد أول موسم أمطار.
الجامعات والمدارس تفرض على الطلبة شراء كتب وكراسات شروح واختصارات ودروس خصوصية مما يثقل كاهل الأب ويدفعه إلى الفساد. الوظائف التدريسية تُباع لمن يدفع أكثر، فتدهور مستوى التعليم.
الوطن بالإيجار بسبب الكهرباء، تذهب أجورها إلى شركات خاصة، ويدفع المواطن أجور الكهرباء والمولدات الخاصة بما يعدل ثمن إيجار البيت! والانقطاعات طويلة رغم مليارات الدولارات التي تُصرف سنوياً على هذا القطاع.
الأراضي الزراعية تُباع لطبقة النخبة والمستثمرين بأسعار رمزية ثم تقطِّع عشوائيات وتباع للمواطنين.
نقاط التفتيش، شاحنات النقل تدفع "رسوم رسمية وغير رسمية" لتسهيل مرورها دون تأخير أو تفتيش صارم أو لتجاوز الطابور الطويل.
انتشار القمامة في الأحياء، رغم المبالغ الهائلة المخصصة لشركات التنظيف الخاصة والعامة. العقود المؤقتة تتحول إلى وسيلة لاستغلال الموظفين دون ضمانات دائمة أو حقوق واضحة.
المستثمر الأجنبي أو المحلي يدفع "نسب" للمسؤولين المحليين، مما يجعل الاستثمار مكلفاً وغير مربح، ويؤدي إلى عزوف الشركات الكبرى.