علاء المفرجي
- 7 -
بالرغم من أن الأدب كان مصدر إلهام للسينما، وبعض هذه الافلام كانت أفلامًا رائعة بالفعل. لكن برغمان كان يعتقد " أن السينما يجب أن تكون مستقلة عن الأدب."
فالكثير – وليس برغمان وحده-يشدد على الفصل بين الرواية والفيلم بوصفهما وسيطين مختلفين، والسؤال هنا كيف يتم هذا الفصل؟ هل قدم الفيلم الرواية كما اختمرت بمخيلة مبدعها أو برؤية جديدة؟ وأي الرأيين أصوب، حماسة الكثير من النقاد الذين راحوا يبالغون في قدرة السينما اللامتناهية على احتضان الفنون القديمة، أم أولئك الذين يرون ان السينما تدين في قدرتها هذه الى الأدب الذي لا يجارى في التعاطي مع مخيلة المتلقي. أسئلة كثيرة تحاول ان تسهم في فك هذا الاشتباك،
ومع كل ذلك لا تستطيع مثل هذه التنظيرات ان تتجاهل العلاقة القديمة بين السينما والأدب أو أن تغض النظر عن أعمال أدبية رفعتها المعالجة السينمائية الى مرتبة الخلود، أو عن أفلام أصبحت شواخص في تاريخ السينما بفضل موضوعاتها الأدبية.
من هذه الأفلام هو "طبل الصفيح" الذي اخرجه فولكر شلوندورف في عام 1979. وهو مستوحى من رواية غونتر غراس الحائزة على جائزة نوبل والتي تحمل نفس الاسم. فقد كان عمل غراس رائدًا في الواقعية السحرية الأوروبية، فالرواية حققت نجاحًا هائلاً - بيعت ثلاثة ملايين نسخة، وتُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة. ومن ثم، فإن احتمال تكييفه مع السيليلويد كان أمرًا صعبًا للغاية. لكن من المتفق عليه عمومًا أن فولكر نجح في تبرير النص وأن فيلمه يعد أعجوبة في حد ذاته. حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان.
وانطلاقًا من الجوائز والنجاح الذي حققه على المستوى النقدي والجماهيري، كان الفيلم، وقت صدوره، إنجازًا عظيمًا لفولكر شلوندورف ودعمًا أخيرًا لسمعة غونترغراس باعتباره المؤلف الألماني الأول في فترة ما بعد الحرب. الآن، بعد هذه السنوات نعود بطل الرواية الغريب أوسكار، إلى ضمير العالم، نعود مرة أخرى إلى هذا التعاون الفريد من جانب المؤلف والمخرج لفحص هذه الأعمال الفنية بحثًا عن الرؤية التكيفات التي تم تصويرها.
لم يحاول شلندروف في فيلمه فرض رؤيته الخاصة على النص الادبي بل تعامل معه بحذر شديد للحفاظ على المضمون الخيالي للرواية في اطار واقعي دقيق فاقتصر دوره على الربط بين الاحداث على اختلافها وتنوعها الشديد وهي مهمة لم تكن سهلة على اية حال، خاصة ان المؤلف لم يلتزم باسلوب روائي واحد وانما استعان بشتى الاساليب لاحد فيها يفصل بين الواقع والخيال. الشخصية الرئيسية في الرواية هي القزم "اوسكار ماتسرات" نزيل مصح عقلي يكتب مذكراته ابتداء بقصة آبائه وميلاده ونشأته وحياته في ظل النازية والحرب، ثم قصته مع مجتمع ما بعد الحرب. ومن خلال هذه المذكرات نتعرف على قرار اوسكار بوقف نموه في عيد ميلاده الثالث احتجاجا على ما يحدث حوله ثم قراره بالنمو مرة اخرى بعد انتهاء الحرب.
تجلت الصعوبة في تحويل النص الادبي في طريقة السرد فـ " اوسكار" يروي ذكرياته بطريقة الانتقال من الحاضر الى الماضي وهو ما يلزم الكاميرا بالعودة الى الوراء على طريقة الـ"فلاش باك"، وللافلات من هذه الفكرة يلجأ شلندروف الى طريق التتابع الزمني الذي اضطره الى تخطي المرحلة الاخيرة في المذكرات التي تعالج احداث ما بعد الحرب، وهي ايضا مرحلة كتابة المذكرات والاكتفاء بالتسلسل الزمني لحياة اوسكار حتى انتهاء الحرب بخلفية الاحداث التي ترافقها..
في النص الروائي يكتب غونتر غراس سيرة تاريخية من خلال سيرة بطله، بمعنى انه يرصد الاحداث التاريخية من خلال منظور حياة متفردة، منظور شخصية مصطنعة هي شخصية القزم "اوسكار" والذي هو بدوره مرآة مشوهه لهذا الواقع بسبب رفضه له وتمرده عليه.. فكان من المهم ان يستعين الفيلم بوسائله الخاصة لتكريس هذه الحقيقة فمنذ اللقطة التي يرفع بها الطبيب المولود الجديد اوسكار من قدميه وتثبيت الكاميرا عند مستوى رأسه يجعلنا المخرج نلتزم في اغلب المشاهد واللقطات بمنظوره للاحداث التي ستقع بعد ولادته.