غالب حسن الشابندر
تحتل القضية الاخلاقية مكانة قصوى في اهتمامات السيد حسين إسماعيل الصدر، فالرجل لا يكاد يطرق قضية في مسائل الاجتماع والحقوق والواجبات والمواطنة حتى نجد للاخلاق مساحة كبيرة في طرحه أو طروحاته وأفكاره وفلسفته، ولا ازال اتذكر في إحدى لقاءاته به حفظه الله وانا اتحدث معه عن مشكلة العقل في الفكر الفلسفي ونيتي أن أكتب في ذلك ــ صدر لي ثلاث أجزاء عن هذه الموضوعة الخطيرة ــ حتى سابقني بالكلام شبه معترض، وكان فحوى اعتراضه الأدبي من أن المسالة الشائكة اليوم في الاجتماع الانساني هي: (الأخلاق)، والسييد ابو علي عندما يتطرق إلى الاخلاق ليس من منطلق عُرفي أو تقليدي بل من منطلق عقلي، من جهة أن الاخلاق احدى اهم مساحات التفكير الفلسفي امس واليوم وربما غدا.
ملاحظة مثيرة أستوقفتني وأنا أكتب هذه المقالة عن الفكر الاخلاقي لدى السيد حسين اسماعيل الصدر، تلك هي أن هذه الاسرة الكريمة بعلمائها الكبار اشتهروا على صعيد الاهتمام بموضوعة (الاخلاق)، فما زلت أتذكر أني قرأت كتابا قيِّما عن الاخلاق للسيد مهدي الصدر وبذات العنوان، أي (الاخلاق)، وكان في طرحه فطريا سلسا، والجميع يشهد للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر بسلوكه الاخلاقي المجرّد، خاصة على صعيد العطاء، حيث بلغ غاية الجود عندما قدّم نفسه قربانا في سبيل الحق والعدل,
السيد حسين إسماعيل الصدر يحذّر من صك مقولة الاخلاق عفى مستوى المصاديق بـ (المُجاملة) و(المداراة) وما شابه هذه (الاخلاق!) المصطنعة، ليقرر بكلمة حاسمة قاطعة:
(إنّما الاخلاق منهج حياة…) ــ ص 139 من كتابه الوطنية ــ
وهذا المنهج يحتاج (دائما إلى فكر وإلى تطبيق…)، ويقصد بالفكر الانتصار العقلي لقضية الاخلاق، ويقصد بالتطبيق الجانب العملي للقيم الاخلاقية في مضمار الحياة العامة، وابرز مقولة يتناولها السيد حسين اسماعيل الصدر كمدخل لمشروعه الاخلاقي فكراً وتطبيقا منتزعة من رواية للنبي الاخلاقي العظيم محمد بن عبد الله العربي القرشي، والتي نصّها: ـ
(خياركُم أحسنكم أخلاقا الذين يألَفون ويأتلِفون).
والمقولة المحمدية هذه تنسف كل أنواع ومقاييس التمييز الاخلاقي التي تستند إلى العنصر أو القومية أو حتى الدينية، وتبرّز قيمة المعاملة باعتباره قمة السلوك الاخلاقي، وهي مدعومة بما ورد عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:
(إنّما الدينُ المعاملة).
السيد حسين الصدر يبحر عميقا بهذا المأثور النبوي في كتابه (الوطنية) ليشن حربا فكرية شعوى ضد الحدود المُصطنعة إنتصارا لقول النبي الكريم، أي فكرة (أن يألف الإنسان ويؤلَف)، وبالتالي يجب الثورة على الحواجز المضطنعة من لون وعرق وثروة وانتماء عقدي، معزّزا رايه بالآية الكريمة:
(يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم إنّ الله عظيم خبير).
يقسِّم السيد حسين الصدر الحواجز إلى ثلاث نماذج:
الاولى: الحواجز بين أبناء الدين الواحد.
الثانية: الحواجز بين أبناء الاديان السماوية.
الثالثة: الحواجز بين (الإنسان والانسان الآخر).
الاولى يجب رفعها طبقا لقوله تعالى:
(إنَّ أمّتكم هذه أمّة واحدة وأنا ربُّكم فأعبدون).
والثانية يجب رفعها طبقا لقوله تعالى:
(إنَّ الذين آمنوا والّذين هادُوا والنّصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربِّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون).
والثالثة يجب رفعها طبقا لقول الرّسول الكريم
(كلُّكم لآدم وآدم من تراب).
بناء على هذه المعطيات الجميلة يكرّس السيد حسين الصدر مشروع الامة الإنسانية الواحدة، كل فرد من أفرادها (يألَفُ ويأتلف)، فالانسان الصالح، الاخلاقي، يفتح صدره للآخرين، ويتماهى مع المشكل الانساني على اساس من التفاعل الايجابي، والعطاء المبتادل، وإلّا النتائج غير مأمونة ولا محمودة.
حسب من قانون عقلي مفاده أن لكل منطوق مفهوم، فإن كون الائتلاف والمؤالفة خير ا، ومن اتَّسم بهما يمثل الإنسان الخيّر باجلى صوره فإننا نستنتج كما السيد حسين اسماعيل الصدر يقول:
(لا خير في من لا يألَف ولا يؤلِّف).
كذلك:
(لا خير في من لا يألف ولا يُؤلَف).
وبذلك يكتمل مشروع الامة الانسانية الواحدة، إنطلاقا من مبدا الاخلاق وليس الاديولجيا أو المصالح الاقتصادية أو مصير البشرية أو ما شابه ذلك من مقولات طرحها الفكر الاخلاقي على هذا الطريق اللاحب.