ذي قار / حسين العامل
كشفت أوساط سياسية وإعلامية في ذي قار عن ملاحقات امنية ودعاوى كيدية أرغمت العشرات من ناشطي التظاهرات الى التخفي والبحث عن ملاذات آمنة خشية من تعرضهم لمصير مماثل لما لاقاه البعض من اقرانهم في مراكز الاحتجاز، اذ ظهر المتظاهر مرتضى البدري مؤخرا وهو يطالب السوداني بالتحقيق في قضية كسر ظهره من جراء التعذيب.
وشهدت محافظة ذي قار خلال الأشهر القليلة المنصرمة حملة اعتقالات واسعة طالت المئات من ناشطي الحركة الاحتجاجية، اذ كشفت اوساط المتظاهرين يوم ( 28 ايلول 2024) عن ملاحقات قضائية لعشرات المتظاهرين بدعاوى وتهم كيدية رغم مرور اكثر من 5 اعوام على مشاركتهم بتظاهرات تشرين، مشيرين الى ملاحقة 43 متظاهر على خلفية المطالبة بالكشف عن المتورطين بمجزرة جسر الزيتون التي راح ضحيتها 50 شهيدا واكثر من 500 جريح من متظاهري تشرين في نهاية 2019.
فيما تواصلت حملة الاعتقالات في الأشهر اللاحقة لتطال أكثر من 200 متظاهر نقل عدد منهم الى مراكز الاعتقال في بغداد لغرض التحقيق معهم.
وقال امين عام البيت الوطني حسين الغرابي للمدى ان "ملف الدعاوى الخاص بمتظاهري تشرين ملف بات يستخدم لأغراض الابتزاز السياسي وقد استخدم في مرات عدية لهذا الغرض"، واصفا الدعاوى الكيدية وحملات الاعتقال بالسوط الذي يوجه لمتظاهري تشرين".
وأشار الغرابي الى 1200 دعوى قضائية تلاحق المتظاهرين كشف عنها الرئيس السابق لمحكمة استئناف ذي قار خلال لقائه ممثلة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق دانييلا بيل عام 2021.
وذكر بيان للقضاء العراقي صدر في مطلع ايار 2021 عقب لقاء ممثلة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق دانييلا بيل مع رئيس محكمة استئناف ذي قار القاضي محمد حيدر واطلعت عليه (المدى) أن "الطرفين بحثا القضايا المتعلقة بالمتظاهرين، حيث أكد رئيس الاستئناف بأنها قد تجاوزت (1200) دعوى"، مضيفاً أن "الهيئة القضائية المختصة بالنظر في هذه القضايا ماضية بإكمال الإجراءات التحقيقية بالشكل الذي رسمه القانون".
ويجد الأمين العام للبيت الوطني ان " تلك الدعاوى ان لم تكن جميعها كيدية فأغلبها على اقل تقدير"، مؤكدا ان "ملف الاعتقال بات يستخدم لأغراض الضغط الساسي ولإضعاف متظاهري تشرين ومنع مشاركتهم بالتظاهرات المطلبية ".
كاشفا عن مساومات غير معلنة مفادها " نحرك الدعاوى او تسكتون وتكفون عن التظاهرات وان لا تنشروا آرائكم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتسحبون منشورات سابقة"، مبينا ان " عدد من ناشطي التظاهرات أكدوا له تلقيهم اتصالات من شخصيات سياسية بهذا الصدد".
وتحدث الغرابي عن عشرات الناشطين الذي نزحوا من محافظة ذي قار الى مناطق ومحافظات أخرى بحثا عن ملاذات امنة تجنبهم او تنجيهم من الاعتقال والتعرض للتعذيب "، مؤكدا تعرض عدد من المتظاهرين للتعذيب الممنهج والحرب النفسية وايحاءات جنسية اثناء اعتقالهم"، وأردف "هذا ما كشفه لنا المعتقلين أنفسهم عند اللقاء بهم".
ويرى الأمين العام للبيت الوطني ان "ملف الدعاوى الكيدية والملاحقات الأمنية ينبغي ان يغلق نهائيا، مشددا على أهمية استخدام مبدأ العدالة الانتقالية الذي تعمل به دول العالم بعد كل تظاهرات او احتجاجات او تغيير سياسي"، واسترسل "ففي تظاهرات تشرين شارك الملايين من العراقيين للمطالبة بحقوقهم ومن غير المجدي تحميل مسؤولية التظاهرات لأشخاص معدودين من ناشطي الحركة المطلبية وملاحقتهم بدون ادلة حقيقية او بأدلة منتزعة بالقوة عبر اعترافات الضحية اثناء التعذيب".
ويجد الغرابي ان "من غير المناسب ان يلاحق العراقيون المطالبين بحقوقهم ويجري اعتقالهم في أجهزة مكافحة الإرهاب ويعاملون معاملة الإرهابيين"، وتساءل "ما دخل تظاهرات الشعب بالإرهاب؟".
ومن جانبه يكشف الإعلامي راسم كريم السعيدي عن تعرضه الى 6 دعاوى كيدية أقيمت ضده امام المحاكم، مبينا انه "مَثل امام القضاء كمتهم من جراء الدعاوى الكيدية التي أثيرت عقب الكشف عن ملفات فساد تتعلق بتنفيذ المشاريع وغيرها".
مشيرا الى ان "القانون بات لا يحمي الإعلاميين من ملاحقات الدعاوى الكيدية وهو ما اخذ يحول دون مزاولة عملهم بصورة مهنية".
ووصف السعيدي التضييق الذي يتعرض له الاعلام وحرية التعبير بالصدمة في وقت تَدعي فيه القوى السياسية بان البلاد تعيش عصر الديمقراطية"، كاشفا عن "تعرضه وعدد من زملاؤه الإعلاميين الى الملاحقة بقضايا كيدية والتهديد".
وكشف السعيدي عن تلقيه عدة مكالمات تطلب منه عدم التطرق لملفات الفساد والكف عن تغطية نشاط المتظاهرين"، وأضاف "وبالمقابل عرضوا عليَّ مغريات بالتعيين مقابل الكف عن تغطية نشاط التظاهرات".
وتابع السعيدي ان "الإعلامي بات غير قادر على الحصول على المعلومة الدقيقة بسهولة من قبل الجهات الرسمية ناهيك عما يتعرض له من ضغوط وتهديد من جهات متعددة".
وحذر السعيدي من مغبة وقوع القضاء تحت تأثير الأحزاب المتنفذة والمليشيات، مشيرا الى ان " الجهات المذكورة اخذت تتمدد وتحاول ان تفرض ارادتها على كل شيء".
وتطرق السعيدي الى نزوح قسري لجأ له العديد من الناشطين والمدونين عقب تعرضهم الى الضغوط والدعاوى الكيدية، مستذكرا أسماء عدد منهم وما تعرضوا له من ملاحقات امنية، مؤكدا اعتقال اكثر من 35 ناشط مدني يعرفهم شخصيا بدعاوى كيدية خلال الفترة المنصرمة، مشيرا الى اعتقال زميله المصور سيف علي بدون امر قضائي عند قيامه بتصوير اعمال تجريف مدينة العاب الناصرية وافرج عنه لاحقا بكفالة ضامنة.
ودعا القضاء الى مراعاة العمل الإعلامي كون الاعلام رسالة نبيلة وليس معترك للصراعات السياسية.
وكان مدونون وناشطون في مجال الدفاع عن حقوق الانسان أعربوا يوم (13 كانون الأول 2024) عن قلقهم إزاء ما تعرض له الناشط في تظاهرات الناصرية مرتضى البدري من تعذيب عقب اعتقاله من قبل احدى الجهات الأمنية في ذي قار، فيما طالب الضحية رئيس مجلس الوزراء ومدير جهاز الامن الوطني بفتح تحقيق في ما تعرض له من تعذيب تسبب بشلل اطرافه السفلى والعليا.
وظهر البدري في مقطع فيديوي متداول في مواقع التواصل الاجتماعي وهو بجسد مرتعش لا يسيطر فيه على حركة اطرافه العليا والسفلى مع تعليق صوتي من أحد الأشخاص يشير الى تعرضه للتعذيب.
وبالتزامن مع الذكرى السنوية لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الاول عام 1948، وصف مسؤولون وناشطون واقع حقوق الانسان في العراق بانه لم يبلغ مرحلة الطموح، مؤكدين تلقي عشرات الشكاوى في مجال التعذيب داخل مراكز التحقيق.
اذ كشف مدير مكتب مفوضية حقوق الانسان في ذي قار داخل عبد الحسين المشرفاوي في حديث سابق لـ(المدى)، عن تلقي عشرات الشكاوى في مجال التحقيق في العدالة الجنائية المتمثلة في مراكز الاحتجاز والسجون داخل المحافظة تتعلق بتعرض بعض الموقوفين والمحتجزين للتعذيب في مراحل التحقيق"، مبينا أن "هناك شكاوى اخرى تخص اداء مؤسسات ودوائر حكومية حول طريقة تعاملها مع المواطنين ناهيك عن شكاوى تتعلق بطريقة التعامل مع التظاهرات وما نجم عنها من تصادم بين القوات الامنية والمتظاهرين".
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مطلع كانون الأول 2024 بصمة صوتية منسوبة الى محافظ ذي قار مرتضى الابراهيمي يصف فيها أعضاء مجلس المحافظة بأنهم مجموعة من اللصوص والمبتزين، كما تطرقت البصمة الى دعوات تحريضية ضد متظاهري تشرين والتلويح لمدير مكافحة الإرهاب بتنحيته من المنصب ما لم يقم بتعذيب المعتقلين وارغامهم على الاعتراف، وهو ما نفاه مكتب المحافظ فيما بعد.
ذي قار.. ملاحقات أمنية ودعاوى كيدية تضطر ناشطين للنزوح إلى ملاذات آمنة
أشاروا الى تعرض معتقلين لحالات تعذيب
نشر في: 21 يناير, 2025: 12:09 ص