متابعة/ المدى
اتخذت السلطة القضائية قراراً بتشديد العقوبات القانونية بحق مرتكبي الاعتداءات على الأطباء، في خطوة تهدف الى وضع حدّ لتلك الاعتداءات التي تمثل تحديا خطيرا يؤثر على العمل الطبي في البلاد.
وعلى مدى السنوات التي أعقبت العام 2003 وحتى اليوم، تسجل المستشفيات العراقية اعتداءات متكررة ضدّ الكوادر الطبية العاملة فيها، من قبل ذوي المرضى، احتجاجا على وفاتهم (المرضى) أحيانا، أو لعدم استجابة المريض للعلاج، وهو ما يفسره ذووه بأنه عجز من الطبيب، أو لاتهامات تطاول الأطباء بإهمال متابعة المريض وغير ذلك. ولم تنجح الجهات المسؤولة العراقية، طيلة السنوات تلك بوضع حد لتلك الاعتداءات التي مازالت تتكرر من دون أي معالجات حقيقية.
وأمس الثلاثاء، أظهرت وثيقة صادرة عن مجلس القضاء الأعلى تداولتها وكالات إخبارية عراقية ومواقع التواصل الاجتماعي، أكد فيها رئيس المجلس فائق زيدان، أنه "على محاكم التحقيق بتشديد الإجراءات القانونية بحق من يعتدي على كوادر المؤسسات الصحية وتخريب ممتلكاتها وأجهزتها الطبية، مع أهمية تضمينهم قيمة الأثاث والأجهزة والبنايات التي تم تخريبها". جاء ذلك بعد أيام قليلة من تعرض الكادر الطبي في المستشفى التعليمي بمحافظة صلاح الدين إلى اعتداء بالضرب من قبل مراجعين ما تسبب بإصابة اثنين منهم".
وعلى أثر ذلك، أعلن فرع نقابة أطباء العراق محافظة صلاح الدين، إغلاق جميع العيادات الطبية ليوم واحد احتجاجاً على الاعتداءات التي طالت الكوادر الطبية، وقالت النقابة في بيان، إن "الأطباء يمثلون ثروة وطنية، ولا يجوز بأي حال من الأحوال المساس بهم أو التعرض لهم بالعنف"، داعية السلطات إلى "تطبيق القوانين بصرامة، وتشديد العقوبات على المعتدين لضمان حماية الكوادر الطبية وتعزيز بيئة عمل آمنة لهم".
من جهته أكد الطبيب الاستشاري في دائرة صحة صلاح الدين، مهند الجبوري، أن الإجراءات الحكومية والقضائية ليست بمستوى حجم الاعتداءات التي يتعرض لها الأطباء العراقيون، مضيفا: "الاعتداءات مستمرة طيلة السنوات الماضية وحتى اليوم، ولم يكن هناك رادع قانوني يوفر الحماية للأطباء".
وأشار إلى أن "الجهات المختصة لم تكن لها قرارات حازمة بمحاسبة المعتدين على الكوادر الطبية قانونيا، بل أن الأطباء أجبروا بعض الأحيان لدفع الدية العشائرية لذوي المرضى المتوفين، بعدما اتهموهم بالأخطاء الطبية، وهذا دليل على ضعف موقف الأطباء وعدم وجود جهة توفر الحماية لهم"، مشددا على "ضرورة أن تولي الجهات المختصة الملف اهتماما خاصا وتعمل على المحاسبة المشددة للمعتدين".
ويؤكد المختص بالشأن القانوني، المحامي أنس اللهيبي، أن العقوبات القانونية لا تحتاج الى تشديد بحق المعتدين على الأطباء والموظفين الحكوميين، بقدر ما تحتاج إلى "تطبيق"، مؤكدا أن "هناك ضغوطا كثيرة تمارس على القضاء في بعض قضايا الاعتداء على الأطباء تمنع محاسبة المعتدين، ومنها التدخلات العشائرية وأن يتم تسويتها بحسب قانون العشائر لا بحسب القانون الحقيقي".
وأضاف، كما أن "المعتدين غالبا ما تتدخل جهات متنفذة توفر الحماية لهم، كقيادات في فصائل مسلحة أو أحزاب، الأمر الذي يدفع باتجاه تسويتها"، مشيرا الى أن "الطبيب يمثل الحلقة الأضعف، ولا توجد أي محاسبة حقيقية تطاول المعتدين إلا نادرا، وهذا الملف خطير ويحتاج الى مراجعة".
وكانت الاعتداءات على الأطباء قد تراجعت خلال العام الماضي 2023 قياسا بالأعوام التي سبقته، إذ سجلت مستشفيات العراق خلال العام 2022 حوادث اعتداء مستمرة، طاولت عشرات الأطباء داخل المستشفيات لأسباب عدة، منها عدم نجاح عملية، أو اتهامهم بالتقصير بأداء واجباتهم. وتعرّض كثيرون لضرب مبرح من قبل ذوي المرضى أو العشيرة، الأمر الذي أدى أحياناً إلى إصابتهم بجروح. ويشكو الأطباء عدم وجود حماية أمنية خلال ممارستهم العمل.
وبحسب إحصاءات رسمية سابقة، فإن 72 ألف طبيب عراقي ما زالوا خارج البلاد، ودفعتهم الظروف الأمنية والتهديدات التي تعرضوا لها إلى الهجرة، إذ إن عدد الأطباء الاستشاريين ممن يقيمون في العاصمة البريطانية لندن وحدها يقدر بحدود 4 آلاف طبيب عدا عن الأطباء الجدد. أما في عموم بريطانيا، فعددهم يبلغ 60 ألف طبيب. أما في دول أوروبية أخرى والولايات المتحدة وأستراليا ودول الخليج، فهناك ما لا يقل عن 12 ألف طبيب، في وقت يعاني فيه العراق من نقص بأعداد الأطباء الاستشاريين.
المصدر: وكالات