محمد العبيدي/ المدى
تتصاعد الخلافات والتجاذبات السياسية داخل مجالس المحافظات العراقية، حول آلية تسيير الأعمال، ورغبة بعض الأحزاب في تعزيز مكاسبها، في وقت انعكست تلك الصراعات على الشارع الذي شكّل سابقًا صورة سلبية عن أداء المجالس، التي عُلقت أعمالها بعد الاحتجاجات الشعبية عام 2019.
ومنذ إجراء الانتخابات المحلية في كانون الأول الماضي، ومع تشكيل الحكومات المحلية، بدأت الخلافات تطفو على السطح، حيث شهدت محافظات؛ صلاح الدين، وذي قار، ونينوى، وكركوك، وبغداد، وأخيرًا الديوانية، تجاذبات وصراعات كبيرة، بسبب الخلافات السياسية، وهو ما ينذر بتصاعد الأوضاع في تلك المحافظات.
الديوانية.. أم الفقراء
وحمّل عضو مجلس محافظة الديوانية طارق البرقعاوي خلال مؤتمر صحفي، السبت، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مسؤولية إحالة مشروع تأهيل أحياء الديوانية الـ 42 إلى شركة مرتبطة بـ"حركة أنصار الله الأوفياء"متهماً الشركة المحال إليها المشروع بأنها ليست إسبانية كما تدعي، ولم تنجز إي مشاريع إعمار مماثلة، في حادثة أثارت ضجة واسعة.
وبناءً على ذلك، تظاهر المئات من أهالي الديوانية، السبت والأحد، احتجاجًا على ذلك، وقطعوا الجسر المعلق الذي يجاور مبنى الحكومة المحلية بالإطارات المحترقة، مرددين شعار "كلا كلا إسبانية".
وترتفع نسب الفقر والبطالة في محافظة الديوانية بشكل مقلق، حيث يعيش 40% من سكانها تحت خط الفقر، وسط وعود متكررة من المسؤولين بتحسين أوضاعها.
من جانبه قال عضو مجلس النواب محمد عنوز، إن "وجود مجالس المحافظات مسألة دستورية، لكنها أصبحت انعكاساً للوضع السياسي، إذ أن صراعات الكتل السياسية أدت إلى صنع الفوضى في مجالس المحافظات وظهور المحاصصة بشكلها المقيت".
وأضاف لـ(المدى) أن "المواطن العراقي أصبح في حيرة من أمره بعملية اختيار من يمثله سياسيًا بسبب ممارسة الأحزاب عملية تشويه لفكر المواطن، ولم تقدم النموذج الصالح لإدارة المرحلة"، مشيرًا إلى أن "مجالس المحافظات أصبحت كالدكاكين لعمليات الابتزاز والفساد ومثّلت انتكاسة جديدة في طريق العملية السياسية".
وبين عنوز، أن "الحل الأمثل هو ليس حل مجالس المحافظات وإنما اصلاح هذه المنظومة وتوعية المواطن لاختيار الكفء المناسب في المكان الصحيح".
ويرى مختصون أن استمرار التجاذبات والخلافات داخل المجالس المحلية، سيزيد من تآكل ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة، حيث تعطي تلك المؤسسات انطباعًا بأنها لا تقدم سوى الصراعات، والاتهامات المتبادلة.
سيناريو 2019
وعندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية عام 2019، تصاعدت المطالب بحل مجالس المحافظات، إذ أصبحت في نظر المحتجين رمزاً للفساد المالي والإداري وموطناً للتجاوزات على المال العام.
كما واجهت اتهامات متعددة من تضارب المصالح إلى الفشل في تنفيذ المشاريع الخدمية، لتتحول إلى إحدى أبرز المشكلات التي أثارت الغضب الشعبي.
بدوره أكد المحلل السياسي، علي البيدر، أن "فكرة مجالس المحافظات هي فكرة إصلاحية تنظيمية جيدة لكن تطبيق هذه الفكرة اصطدم بدرجة الوعي السياسي من المواطن الذي انتج ممثلين في هذه المجالس ليسوا على قدر عالٍ من المسؤولية يفتقرون الى النضج السياسي وغياب الرؤية الإصلاحية حيث أنها تعمل على مستوى فئوي".
وأوضح البيدر لـ(المدى)، أن "مجالس المحافظات أصبحت بلا محتوى وحلقة زائدة لأن عمل أعضائها يتمثل بخدمة أحزابهم تياراتهم"، مشيراً إلى أن "كثيرًا من أعضاء مجالس المحافظات هم شخصيات (بائسة) سياسياً، ويفتقرون للكاريزما، والقدرة على صناعة واقع يخدم الصالح العام، بل اتجه كثير منهم إلى المصالح الشخصية".
ويؤكد مختصون أهمية معالجة الأزمات التي تعصف بمجالس المحافظات، مشددين على أنها وُجدت في الأصل لتكون أداة لخدمة المجتمع وتحقيق التنمية المحلية، وليس ميداناً للصراعات السياسية والتنازع على المصالح.
ويرون أن استمرار حالة التحاصص والخلافات داخل هذه المجالس ينعكس سلباً على تنفيذ المشاريع العمرانية والخدمية، ما يفاقم معاناة المواطنين الذين طال انتظارهم لرؤية خطوات جادة نحو إعادة إعمار بلادهم.
"كلا إسبانية".. مجالس المحافظات تُبدع في الفوضى وتُعمّق جراح العراقيين!

نشر في: 27 يناير, 2025: 12:04 ص