عبد الكريم البليخ
أعني هنا، تكريم من يستحق التكريم، من أدباء وعلماء ومفكرين وفنانين مبدعين في حياتهم، وليس بعد وفاتهم، سواء من جانب الدولة التي ينتمي إليها ذوو الإبداع الفكري والفني والعلمي، أو المؤسسات الثقافية والعلمية المعنية، في هذا البلد أو ذاك.
إنه تكريم - بجملة واحدة مفيدة - قبل فوات الأوان وفي وقته، ضرورة ملحّة وإلا، ماذا يفيد الأديب أو المفكر أو الفنان الراحل من تكريم يأتي متأخراً جداً.
إن تكريم الأدباء والفنانين وهم على قيد الحياة يُعد لفتة نبيلة تحمل الكثير من المعاني الإنسانية السامية. ليس هناك فائدة تُرجى من تكريم يأتي بعد الوفاة، بعد فوات الأوان، حين "لا عين ترى ولا قلب يحزن". عندما لا يبقى سوى الذكرى. هذا هو الجوهر الذي يعبر عنه كثير من المهتمين بالشأن الثقافي والفني، مؤكدين أهمية أن يعترف المجتمع والدولة بفضل المبدعين وهم أحياء، ويقدموا لهم الدعم المعنوي والمادي في توقيت مناسب.
تكريم الأدباء والفنانين لا يقتصر على الاحتفال بهم فقط، بل يحمل أبعاداً ثقافية واجتماعية عميقة. مثلما حدث في الرياض عندما بادر الملك فهد بن عبد العزيز إلى تكريم ثلاثة من رموز الأدب السعودي: حمد الجاسر، أحمد السباعي، وعبد الله بن خميس. كان التكريم سخياً، ليس فقط مادياً بمكافآت مالية وميداليات ذهبية، ولكن أيضاً معنوياً بتقدير إسهاماتهم وإبراز قيمتها أمام المجتمع.
التكريم له أثر كبير في تعزيز الهوية الثقافية وتحفيز الأجيال الشابة على الإبداع. مثال آخر على هذه المبادرات يأتي من معهد مسك للفنون في السعودية، حيث يتم تكريم رواد الفنون سنوياً. مثل هذه الخطوات تعكس إدراكاً لقيمة الإبداع كوسيلة للتعبير عن الذات وعن الثقافة المحلية. كما تسهم في رفع الذائقة العامة وتعزيز وعي المجتمع بأهمية الفنون والثقافة.
كذلك، أعلنت الهيئة العامة للترفيه برئاسة تركي آل الشيخ عن مبادرات تكريمية لفنانين من مختلف الدول العربية ضمن فعاليات حفل "صناع الترفيه"، مما يعكس اهتماماً بتعزيز الروابط الثقافية العربية وإبراز رموز الإبداع في المنطقة.
الجوائز الأدبية في العالم العربي تنقسم إلى قسمين: جوائز تدفع بالإبداع وتفتح أبواباً جديدة أمام الأدباء، وجوائز أخرى يثار حولها الكثير من الجدل بشأن نزاهتها وأهدافها. يرى البعض أن بعض الجوائز الكبرى أصبحت وسيلة لشراء ولاءات المثقفين بدلاً من دعم الثقافة الحقيقية. في المقابل، يؤكد آخرون أن هذه الجوائز، رغم عيوبها، تظل مكسباً مهماً، إذ توفر للمبدعين دعماً مالياً يتيح لهم الاستمرار في تقديم إبداعاتهم.
جوائز مثل "البوكر العربية"، "كتارا"، و"الشيخ زايد" ساهمت في تسليط الضوء على الأدب العربي على المستوى الدولي. ومع ذلك، هناك تحديات تتعلق بالمعايير التي تعتمدها لجان التحكيم، حيث يؤكد النقاد أهمية أن تكون الجوائز وسيلة لتعزيز جودة الأعمال الأدبية، لا لتلميع أسماء بعينها أو لتحقيق أهداف سياسية.
معايير التحكيم في الجوائز العربية لا تزال مثار جدل واسع. يشير النقاد إلى أن كثيراً من النصوص التي تحصل على جوائز كبرى لا ترقى إلى المستوى المطلوب من الجماليات الأدبية أو الفكرية. كما أن هناك مشكلة في آليات التحكيم التي قد تخضع أحياناً لأهواء شخصية أو ضغوط سياسية.
في هذا السياق، يشير الروائي ناصر عراق إلى أن جوائز مثل "نوبل" نجحت في تطوير معاييرها لتشمل مجالات أدبية غير تقليدية مثل الأغاني التي تعكس خطاباً أدبياً عميقاً، في حين تظل الجوائز العربية أسيرة الاحتفاليات والمظاهر دون تقديم خطاب عالمي يعزز مكانة الأدب العربي.
التكريم ليس مجرد احتفاء بالمبدعين، بل هو وسيلة لفتح آفاق جديدة أمامهم. العديد من الجوائز مثل جائزة نجيب محفوظ، تساهم في دعم الإبداع من خلال ترجمة النصوص الفائزة إلى لغات أخرى، مما يساعد على نقل الأدب العربي إلى الجمهور العالمي.
كما أن الجوائز الأدبية والفنية، خاصة عندما تكون مدعومة بسخاء مالي، توفر للمبدعين فرصة للتركيز على إنتاج أعمال جديدة دون القلق بشأن الضغوط المالية.
التكريم والجوائز ليست مجرد وسيلة لتقدير الإنجازات، بل هي أيضاً رسالة إلى الأجيال القادمة بأن الإبداع يُحتفى به ويُدعم. على الدول والمؤسسات الثقافية في العالم العربي أن تستمر في هذه المبادرات، مع الحرص على تحقيق معايير النزاهة والشفافية. الأدب والفن هما مرآة المجتمع، وتقدير مبدعيهما هو تقدير للقيم الإنسانية والثقافية التي يحملانها.
فلنتعلم أن نكرّم مبدعينا في حياتهم، ونمنحهم الدعم الذي يستحقونه ليواصلوا إبداعهم، قبل أن يصبح التكريم مجرد ذكرى في صفحات التاريخ.