TOP

جريدة المدى > عام > الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

الأجمل أن يكون المبدع دائما على شيء منها

نشر في: 28 يناير, 2025: 12:01 ص

استطلاع/ علاء المفرجي

تتواصل المدى في الوقوف عند محطات الطفولة والنشأة الأولى عند عدد من مثقفينا ورموزنا الفكرية، ومن خلال حواراتهم مع المدى، وتكمنُ أهمّيّة المكان والطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون، فالمكانَ بفضاءاتِهِ الممتدّةِ ذا عمقٍ ارتباطيٍّ بالنّصِّ الأدبيِّ والفني، فلا حدودَ تحدّهُ ولا نقاطَ نهاياتٍ ينتهيْ عندَها فيضطرُّ الأديبُ أو الفنان إلى الاكتفاءِ بالبحثِ والوقوفِ، فتتجلى في نصوصهم الأدبية والفنية نفاصيل المكان واحداث الطفولة.
ولا شك أن طفولة المبدع ترتبط بشكل لا انفصام فيه مع المكان وهي التي تحرك الرغبة لما يكون اليه فيما بعد. الأدباء والفنانين الذين حاورناهم تحدثوا عن أثر المكان والطفولة في بناء شخصياتهم.
إجابات عدد من من أدبائنا وفنانانينا عن الطفولة والمكان لخصتها هذه الأسطر:
الباحث والفوتوغرفي هيثم فتح الله
البيئة التي عشت فيها في بيت والدي جعلتني اتعلق بكل ماله علاقة بالثقافة والفنون، فمنذ صغري ادركت عيني مكتبة عامرة في البيت تحوي مختلف الكتب والمجلات الادبية والفنية مع اشرطة موسيقى واسطوانات الغناء التراثية، تعرفت على اغاني ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وتعلمت معنى الحب وكيف احب من كلمات هذه الاغاني، بالإضافة للرسومات واللوحات الفنية لكبار فناني العراق معلقة على جدران البيت، كل ذلك جعلني اتسأل واتفاعل مع كل ركن من اركان البيت الثقافي الذي نشأت فيه.فضّل والدي فتح الله عزيزة كان له الاثر الكبير في تربيتي الفنية والثقافية لما كان له علاقة وطيدة مع عدد كبير من ادباء كبار وشعراء وفناني النخبة العراقية. كل ذلك جعلني التصق بالفن والادب والثقافة منذ الصغر. دخلت عالم الطباعة وانا في سن العاشرة وتقاضيت اول اجر اسبوعي من عملي في مطبعة والدي (درهم) خمسون فلسا. مازالت نشوة ذلك الدرهم تدور في رأسي كلما عدت بالزمن الى الوراء.
و(الأديب) ليس اسم مطبعة فقط، بل هي اسم يرتبط بمدنية بغداد، بالحداثة في مهنتها، في أثرها في الثقافة العراقية، فقد نقل والدي المطبعة الشرقية الحديثة من الموصل الى بغداد مطلع عام ١٩٦١ بعد حادث اغتيال جدي اسطيفان عزيزة في باب المطبعة، حيث كان المستهدف والدي ولكن الاقدار شاءت ان يتواجد جدي في مدخل المطبعة ليتم التعرض له وقتله بالحال. اطلق والدي على المطبعة اسم (الأديب البغدادية) للتميز بينها وبين مطبعة صغيرة في البصرة باسم الاديب. وفتحت ابوابها في شارع السعدون مجاور سينما النصر لتصبح ملتقى رجال السياسة والثقافة والادب والفن والموسيقى وكل ماله علاقة بالمجتمع المتمدن ببغداد. اعتنى والدي بموضوع النشر والطباعة باختياراته للعناوين المهمة والكتاب المرموقين ليقدم لهم مطبوع على مستوى عال من الاخراج الفني والطباعي، وهذا ما جعل الكثير من الكتاب والشعراء والفنانين ان يتقدموا بمسودات كتبهم لتنجز في الاديب البغدادية. وعلى الرغم من ضعف الامكانية الفنية والمادية آنذاك الا ان الاديب انجزت العديد من الكتب التي ستبقى خالدة الى اليوم لأهميتها مضمونا وشكلا. أصبح مقر الاديب البغدادية ملتقى يومي لكل اطياف الثقافة العراقية من كتاب وشعراء وفنانين وسياسيين ورياضيين.
الشاعر والتشكيلي هاشم تايه
أسّست الطّفولة كلَّ شيء: المزاج، والنّزوع، والاستهواء، والرّغبة المتسلّطة في التّعبير. ثمّ جاءت الاستجابة، أوّلاً، من الرّسم، منبت الوعي المبكّر الذي يستجيب للحاجة المُلحّة إلى تمثيل الأهواء، والزّعزعات بلغةٍ تتشكّل صُوريّاً متحرّرةً من قوانين اللّغات، وأعرافها، وبأبسط المواد: قطعة حجر، أو فحم، وسطح جدار. قلم رصاص، ومجرّد ورقة.
البيت الذي ولدت فيه وترعرعت، كان بيتاً تقليديّاً. عائلة كبيرة لثلاثة أخوة تزوّجوا مراراً، وأنجبوا بإفراط. عائلة ارتبطت حياتُها بعملٍ حُرّ يقوم بجزءٍ منه الرجال في سوق، وتستوفيه النساء في المنزل. أبوان أُميّان في حاضنة مشاغل لا تنتهي على مدار اليوم. بيت ضاجّ، يحتشد فيه أفراد عديدون واقعون تحت سلطة معيشهم المكرور. لا أحد يشغل بالَهُ بما لديك. بما يمكن أن يتحرّر منك على هامش يومٍ عائليّ صاخب. الكبار يحتكرون اللّغة، والتّعبير، والإشارة. أن تتغذّى، وتشكر، وتصمت، وتكبر للعمل مع جماعتك، هذا هو ما عليك أن تفعله. كنتُ (شيطان) هذه الجماعة، المستنكَر؛ نَفُوراً، ملموماً على بعضي، صموتاً، أستدير قالباً وجهتي، بالرغبة في إقلاق مَنْ حولي، واستثارتهم، وإرغامهم على الالتفات إليّ، وحصد اعترافهم بما لديّ. وفي الحظر المفروض على الكلام كان الرّسم لغتي، ووسيلتي للتّعبير، والانشقاق، والإثارة، وجلب الانتباه. وفي تلك السنوات المبكّرة كان حولي سببٌ وآخر للرسم، وللمضي أبعد في إغراءاته، وللتّعويض عن قفر الحياة العائليّة المكرّسة للعمل بالتماس الحياة في موقعٍ آخر تستطير فيه العلامات، والتّمثيلات، والعروض، والافتراضاءات التي تستحثّها خيالاتٌ طفليّة على أرقّ السّطوح، وأخشنها، بمجرّد أقلام، وأصابع فحم. في سنتي الابتدائيّة الثانية رسمت، في دفتري المدرسي، الملك الشّاب. كانت صورته مغبّشة على الأغلفة السّمراء لدفاترنا، كأنّها تُنبئ بمصيره. وفي الابتدائيّة وجدت الرّعاية لرسومي لدى معلّمي سالم عبد الكريم المظفر، معلم مثقف، من جهة اليسار، أشركني في معرض مديرية التربية بالبصرة، ونلت جائزته في الرّسم. لن أنسى طبعاً التّخطيطات المتقنة للرّسّام عودة الكمالي، جارنا في الحيّ، كان شقيقي الأكبر يُطلعني عليها، وقد ثابرتُ على تقليدها بمشقّة. ولن تفوتني الإشارة إلى الأثر العميق الذي انطبع في خيالي للخيول التي كانت تنحتُها جدتي لأمّي (هديدة)، من طين جدول، في بيتها القصبيّ بحيّ (نهير اللّيل)، كلّما زرتُها.
وكان يُتوقَّع للبصرة، بموقعها ميناءً في أقصى الجنوب، أن تستقرّ، بين أنهارها الوادعة، وناسها الوادعين، منتجعاً للثقافة والأدب، ومشغلاً للفنون بمستوياتها النخبويّة والشّعبيّة. كان فيها ما يؤهّلها لتكون ورش عمل كُتّاب، ومفكّرين، وفنّانين. لكنّها ظلّت، على الدّوام محرومة، كما هي الآن، من البنى التحتيّة- (غاليريهات. متاحف. مسارح….)- الضروريّة، المصمّمة حضاريّاً لتدعم الإنتاج الفكري، والفنّي، وتصلح حواضنَ لإشهاره، وترويجه، وتخدم مُنتجيه. وبسبب غياب هذه البنى خسرت البصرة تجارب فنيّة مرموقة فضّل أصحابها الانتقال بمنجزهم إلى العاصمة، ومنها إلى المغتربات العربيّة، والأوربيّة حيث تكون فرص المشاريع الفنيّة متاحة.
أسوةً بغيرها من مدن الوسط والجنوب طال البصرة الإهمال، وعانى مواطنوها من عسف السّلطة المستبدّة التي توحّشت أواخر سبعينات القرن الماضي، فشرعت تُقيم فراغاً مُفزعاً بين المواطن، وقرينه، وتفتك بالأواصر، وتُحطّم الأرواح. ثمّ توحّشت أكثر في حرب الثمانينات التي جعلت المدينة جبهة قتال، ومرمى، وهدفاً للقصف المدفعي المتبادل. ومع السنوات شُوِّهت معالم البصرة، واندثرت واجهاتُها العمرانيّة بأشكال من الاستبدالات البنائيّة الفظّة، مع نهج التّدمير الشّامل للرّوح العراقيّة، ولإنشاءاتها المحليّة. وقد انعكست آثار العنف السّلطوي، وصُور الخراب والتّدمير، بأثرٍ غير مباشر، في أعمال عدد من تشكيليي البصرة، تفاوتت في أشكال من التّحريفات والتقويضات للمظاهر العيانيّة يمكن الوقوع على مستوياتها في التّمثيلات التّعبيريّة الصّاخبة، والإنشاء السّرياليّ الغامض، والعصف بمفردات السّطوح التّصويريّة بلا يقين. في تلك الفترة أقمت معرضين شخصييْن، الأوّل في العام 1989 بالبصرة، والثاني في مركز كولبنكيان الفّني ببغداد في العام 1992. وفي كليْهما محاولة لتسمية عناء. في المعرض الثّاني ظهر نزوعي إلى استخدام مواد غير تقليديّة، وتقنيات حرّة.
الروائي حميد المختار
مرجعياتي الأساسية منذ طفولتي المبكرة هي كوابيسي وأحلامي الطويلة المتصلة بأحلام اليقظة والواقع البائس الذي كنا نعيشه في نهايات ستينيات القرن المنصرم وبدايات السبعينيات الذهبية، كانت السينما هي النافذة الوحيدة التي نطلُّ منها على العالم والاطلالة تلك من مكان ضيق ومظلم إلى نافذة تُطلق نوراً هائلاً كنور القمر والنجوم، حتى صارت لي زوّادة خيال ولسان حكّاء يُطلق الحكايات الخيالية التي تُسيطر على عقول وأفكار أترابي في أزقة مدينة الثورة، مِن هناك ومن المرحلة الشفاهية في تأليف الحكايات المُرتجَلة ووصولاً لأول قصة كتبتها في منتصف السبعينيات تكوّنت لدي ذخيرة وعي سردي قادر على لملمة شظايا رؤى وأحلام وأنصاف حكايات جمعتها في نص سردي بسيط، ثم إنني حين اكتشفتُ المكتبة العامة في منطقة (الكيارة) مكتبة العباس بن الأحنف تغيّر كل شيء حين تعرّفت على سلامة موسى ونجيب محفوظ ومكسيم غوركي وفكتور هوجو ودوستويفسكي صار العالم في نظري ملوّناً وغريباً يتّسع حيناً ويضيق حيناً آخر، وكان لقائي بالقاص العراقي الكبير جمعة اللامي نقطة تحول كبيرة في حياتي حين أخذ بيدي وقادني إلى مكمن السِّر في بؤرة خفية لن يراها الا أُناس قليلون جداً، ثم انني حين قرأتُ مجموعتهُ القصصية الأولى (مَن قتل حكمة الشامي) أصابني هوس غريب في عشق القصة القصيرة تلك القصة التي رفضتْ القولبة وصارت تدخل في مديات تجريب غير متناه، وهكذا وُلدت قصتي الأولى التي كانت عبارة عن مرانٍ وتدريب طويل وممل سيُمهّد لي الطريق وصولاً إلى عوالم الرواية القادمة التي فَتحت لي آفاقا واسعة جداً. ….
التشكيلي فايق العبودي
طفولتي لعبت دورًا محوريًا في تكويني كفنان، فهي اللبنة الأولى التي تحدد المسار الذي يسلكه الإنسان، كانت الموهبة واضحة منذ الصغر، حيث بدأت اهتمامي أولاً بالخط العربي، كانت الحروف والخطوط تبهرني بشدة، وبدأت أتعلم رسمها وأنا في سن مبكرة، إلى جانب ذلك، كنت أرسم كل شيء أراه أمامي.
في سن العاشرة، عُرضت رسوماتي في برنامج "الورشة" على تلفزيون العراق، الذي كانت تقدمه الأستاذة الكبيرة الدكتورة شذى سالم في صباها، الله يحفظها ويمن عليها بالعمر الطويل، أتذكر كلماتها عندما علقت على رسوماتي بقولها: "أنا على ثقة أن هذا الطفل سيكون فنانًا كبيرًا"، وكانت تلك الكلمات مصدر إلهام وتشجيع لي، هذه الكلمات الصغيرة، صنعت مني فنان.
في بداية الشباب، درست التصميم الطباعي حيث كان العمل يدوياً قبل الكمبيوتر، وكذلك التصوير الفوتوغرافي، والخط العربي، ثم اشتغلت كمصور فوتوغرافي في وزارة العمل، الى جانب مكتبي الخاص بالتصميم والخط العربي، والطباعة بالشبكة الحريرية (سلك سكرين) وعلى الرغم من أنني استمتعت بتلك الفنون، إلا أنني كنت دائمًا أميل نحو الرسم بشكل أكبر، وفي مرحلة ما، توقفت وقلت لنفسي عليّ أن أختار واحداً من هذه الفنون التي امارسها، بين الخط العربي، التصوير الفوتوغرافي، أو الرسم. وبعد تفكير عميق، أدركت أن الرسم هو الذي يمنحني أكبر مساحة للتعبير، وكان هو الخيار الذي شعرت أنه يعبر عني بشكل أعمق من الفنون الأخرى, واستثمرت وجودي في سويسرا درست تصميم الجرافيك، والاشتغال على برامج الفوتوشوب وأن دزاين وغيرها من برامج التصميم الحديثة، وصممت عدد كبير من أغلفة الكتب، وكذلك درست فن الرسم دراسة اكاديمية، فوجدت ان دراسة الفنون لا تصنع فنان بدون الموهبة، والموهبة تحتاج الى صقل، وبحث دائم لاكتساب الخبرات للوصول للنجاح، والنجاح في ساحة فنية كبيرة مليئة بالتجارب الناجحة، اشبه هذه الساحة بحقل ألغام، علينا اكتشاف الثغرة للعبور بنجاح، والنجاح يحتاج للعمل المتواصل، وحب العمل، والصبر والمحاولات، والاستفادة من الأخطاء.
القاص والروائي هيثم بردى
في طفولتي احتضنتني مدينتان تختزنان إرثاً حضارياً عراقياً تليداً وهما: أربيل بقلعتها الآشورية الأثيلة، حيث ولدت وترعرعت مع اشقائي الخمس وبكر الوالدين الشاعر زهير بهنام بردى، وفيها عشت اثنتي عشرة سنة أدرس اللغة الكوردية ونتكلم في البيت اللغة السريانية ولا أعرف كلمة واحدة في اللغة العربية. والثانية بعد انتقال العائلة إلى مدينتي الأثيلة بغديدا والتي يقال أنها كانت ضمن الأطيان التي يؤم إليها الملك الآشوري، ومنهما اكتسبت مع شقيقي في رحلة الحياة والابداع زهير كل ذلك الارث الفياض بالزهو والفخار ونحن نتنفس عطر المكان المغسول بالمجد والاصالة، فليس ثمة مجال للدهشة حين يجد المتتبع لنتاجنا، زهير وأنا، شذا المكان وزهو الارث التليد الخالد والأحداث التي كانت ضياعنا وكوَرنا وقرانا ومدننا الصغيرة مسرحاً لها وفي بعضها كانت الفاصل الذي ينهي ويدشن حاضرة مدنية جديدة، فعجت أشعار زهير وكتاباتي السردية بكل ذلك الألق.
بدأت كاتباً للقصة القصيرة ثم كتبت القصة القصيرة جداً والرواية، رغم أن القصة القصيرة شحيحة كجنس إبداعي أمام الرواية، وكان حصول الكاتبة الكندية أليس مونرو، على جائزة نوبل باعتبار أن قصصها (الأفضل في العالم) كما جاء في حيثيات منح الجائزة، كان رد اعتبار للقصة القصيرة؟
نعم… كما جاء في تدرجات سؤالك… بدأت كتابة القصة القصيرة مطلع سبعينات القرن الماضي ونشرت إحدى محاولاتي مطلع عام 1974، ثم اكتشفتني القصة القصيرة جداً وكان ثمة وشيجة عشق متبادل فانقدت نحو عوالمها وبدأت التقصي في ناسوتها البهي ولم يكن في بالي عندما بادلتها الحب العذري بأن أُذكر كما يُذكر العشاق على مر العصور قدر ما كان ولهي وأمنيتي أن أكون متعبداً في محرابها ولا زلت ذلك العاشق المتدله بها، ثم اتجهت نحو كتابة الرواية دون أن أغادر عوالم القصة القصيرة والقصيرة جداً، وكتابتي للرواية لم يكن دافعه الموضة المتداولة في قطع العلاقة مع القصة والتباهي بكتابة الرواية كما يدعي الكثار… والنتيجة الظاهرة –وقد حصل بشكل نسبي- ترك كتاب القصة المتمكنين لهذا الفضاء العصي اللذيذ، ليس عراقياً حسب، بل عربياً يقيناً وعالمياً على حد علمي، واتجهوا نحو جنس الرواية، فدخل جلّهم في دوامة المثل العراقي: (تَيهَ المشيتين)… وما منح جائزة نوبل لأليس مونرو إلاّ برهاناً واحداً –ضمن براهين عديدة- إن للقصة القصيرة سحر لا يمكن أن تخفيه السحب وتحجب بريقه الأخاذ البروق.
الإعلامي والفنان مؤيد الحيدري
لكتاب والمجلة والقلم والصورة أثثت حياتي مبكرا، وتلبسني الفضول والرغبة في الاطلاع والتلصص واجتراح أجوبة للأسئلة التي لم تنقطع تنبثق في رأس ذلك الطفل الذي كنُتُهُ، و ما أزال!
لا أستطيع توقيت الحدث او اللحظة التي احتدم عندي ذلك الفضول بلهفة الاكتشاف والتلذذ بالاطلاع واستزادة المعرفة، فقد
نشأت في اسرة تنتسب لعالم المكتبات والأدب والثقافة، فوالدي شمس الدين الحيدري (1914 - 2000م) كتبيٌ مخضرم، وجدّي هو الاخر كتبي واديب من الصنف الكلاسيكي، ترك رصافة بغداد (إذ لم يُطق مشاهدة جنود الاحتلال البريطاني في شوارع المدينة) الى الكاظمية حيث افتتح مع ولده الأكبر السيد كاظم مكتبته " الأهلية" سنة 1919، التي نقلها سنة 1921 الى سوق السراي لتكون رابع مكتبة في ذلك السوق الشاهد على نشأة الدولة العراقية الحديثة.
كنت رابع الأولاد في اسرة تكونت من ستة أبناء وثلاث بنات، درج اغلبنا على معاونة الوالد في عمله وقد افاضت أجواء المكتبة وروادها ومجالسها تأثيرها على بعضنا ما اكسبنا عشق القراءة والتطلع للتعلم والمعرفة.
تولت أمي، مثل غالبية امهاتنا العراقيات إدارة البيت وتهيئة احتياجات افراد الاسرة بحرص و تفان ٍ حتى أنها كانت تتابع دراستنا في مراحل التعليم الأولية إذ كانت قد تخرجت من الدراسة الابتدائية، وظلت تحتفظ بشهادتها وعليها صورتها الشخصية بتوقيع استوديو ارشاك، لتتحول الى شاهدٍ لحلم ٍ جميل أنهاهُ زواجُها المبكر من والدي مطلع الاربعينات!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

"سيرك" للشاعرة نور خليفة: دينامية اللغة وتمثلات العطب الوجودي

الاعتياد على مسالك الحياة السهلة: صفقة مع الخطر

أدباء: الشعر لم يخل عرشه فما زال يتشبث وأثبت بأنه يحتفظ بالقدرة على التنويع والتجديد

هيباشيا

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

مقالات ذات صلة

انتقائية باختين والثقافة الشعبية
عام

انتقائية باختين والثقافة الشعبية

د. نادية هناوي يُعدُّ ميخائيل باختين واحدا من النقاد الغربيين المهتمين بدراسة السرد الأوروبي الشعبي، لكنه في كتابه (أعمال فرانسوا رابليه والثقافة الشعبية في العصر الوسيط وأبان عصر النهضة) يعد الأول الذي خص أعمال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram