TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الفشل بامتياز

العمود الثامن: الفشل بامتياز

نشر في: 28 يناير, 2025: 12:10 ص

 علي حسين

ما هي المسافة التي قطعها النظام الجديد في العراق خلال السبع عشرة سنة الماضية؟ ما هي نسب النمو والتطوّر والتقدم، تثبت لنا تجارب الشعوب المدى الذي يمكن أن يصل اليه الفعل البشري، حين تتظافر الجهود والنيات الصادقة في بناء وتطور الأوطان.
أليس مذهلًا ومثيرًا، ونحن نقلب صفحات التاريخ، أن نجد رجلًا مثل دنغ شياو بينغ، خليفة ماو، يطلب مساعدة زعيم دولة في حجم سنغافورة، لنقل تجربتها إلى الصين؟ سنفاجأ، أن بنغ كان يذهب بنفسه سرًا للقاء لي كوان ليطلب مشورته، ونعرف، أن التحول الصيني، الذي قد يصبح أهم حدث في التاريخ المعاصر، كان من عمل رجلين ماركسيين. أحدهما زعيم أكبر حزب شيوعي، والثاني كان ينتمي إلى جناح ماركسي في جنوبي سنغافورة. يقول دنغ "إذا أردت أن تعبر النهر عليك أن تتحسس الأحجار التي في أعماقة كي تتمكن من العبور بأمان". تقوم تجارب الشعوب الناجحة على نكران الذات والمشاركة الفاعلة في بناء البلاد وصدق المشاعر الإنسانية، فيما تقوم تجارب الأنظمة الفاشلة على الجروح التي تتركها على جسد الوطن.
قبل 50 عامًا نفى ديغول نفسه إلى قرية في الجنوب كي يكون بعيدًا عن مجرى الأحداث التي عصفت بالبلاد عام 1968، فقبلها حاول حل الأزمة باقتراح إصلاحات، داعيًا الشعب الفرنسي إلى استفتاء عليها، مؤكدًا أنه سيستقيل من منصبه إذا لم يوافق الشعب على تلك الإصلاحات. وقد جرى ذلك الاستفتاء، وكانت نتيجته سقوط الاقتراحات، ووفى ديغول بوعده فاستقال في اليوم التالي، لتبقى منزلته في عقول الآخرين، منزلة الوفاء للسياسي والأخلاقي والعسكري الذي لم يطلق رصاصة واحدة في وجه معارضيه. كم بدا غريبًا أن نقرأ عن رجل ظل يقدس حياة العائلة، يكتب من منفاه الاختياري الرسائل إلى أحفاده يوصيهم، "لا شيء أهم من فرنسا مستقرة"، هناك لا يملك أكثر من ثمن منديل يهديه إلى زوجته، حيث يزوره طبيب القرية ويمازح الفلاحين حول محاصيلهم، ويجلس ليكتب، أهم ما خطه سياسي في التاريخ، مذكراته التي أسماها "مذكرات الأمل"، الأمل بفرنسا أكثر تطورًا وازدهارًا وعافية، برغم جحودها مع الرجل العجوز. كان ديغول محاطًا بالكاتبين أندريه مالرو وفرنسوا مورياك. ولكن في الخارج كان كاتب آخر يكيل النقد لسيد الإليزيه، فما انفك سارتر يحارب ديغول ويسخر منه، مواجهة حادة بين عبقرية الفكر وعبقرية السياسة، كان فيها ديغول يحترم سارتر وحين أصبح الأخير رمزًا يلهب مشاعر الطلبة ويقود أعنف التظاهرات وحين امتلأت صحف فرنسا بصور سارتر يوزع المنشورات ضد نظام الحكم، طالب عدد من القادة الأمنيين والوزراء بسجنه، رد عليهم ديغول، بعبارته الشهيرة "لا أحد يسجن فولتير، هل يمكن أن نضع فرنسا في السجن؟".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. فراس جبار عبيد

    منذ 10 شهور

    من خلال التواريخ التي يذكرها الكاتب، المقال لم يكتب يوم ٢٧ يناير ٢٠٢٥ بل قبل سنوات! حيث أنه يسائل المنظومة السياسة عما أنجزته منذ ١٧ عاماً.. وحديثه عن انتقال ديغول للعيش في جنوب فرنسا إبان الحراك الطلابي و الشعبي في فرنسا و أوربا عام ١٩٦٨ قبل ٥٠ عاماً..

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram