نينوى/ محمود الجبوري
أثارت اتفاقية الحكومة العراقية مع سوريا بنقل مخيمات عناصر داعش وعوائلهم إلى العراق مخاوف شعبية ورسمية واسعة، تحذر من ولادة نواة جديدة لجيل داعش والجماعات المتطرفة من جديد. وبدأ العراق منذ أيار/مايو 2021 بإعادة المئات من عائلات مسلحي داعش على شكل دفعات صغيرة من سوريا إلى مخيم الجدعة جنوب الموصل.
ويدخل هؤلاء بعد عودتهم إلى العراق في برنامج إعادة تأهيل نفسي ومجتمعي بحسب الحكومة العراقية، قبل إعادتهم إلى مناطقهم الأصلية.
بين عامي 2013 و2019، توجه ما يقدر بنحو 53 ألف رجل وامرأة وطفل من ثمانين دولة مختلفة إلى ما يُسمى "خلافة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق" للانضمام إلى التنظيم الإرهابي ودعم أنشطته. وبعد أربع سنوات من هزيمة التنظيم على الأرض، لا يزال أكثر من 60 ألف شخص تابع لتنظيم داعش رهن الاحتجاز لأجل غير مسمى في شمال شرقي سوريا، ويعيشون في مرافق دون المستوى المطلوب. ويشكل مصيرهم موضع نقاش دولي ساخن.
ويُعد "مخيم الهول" أكبر هذه المخيمات، حيث ضم في ذروته عام 2019 أكثر من 70 ألف شخص. أما اليوم فيضم ما يقرب من 50 ألف فرد، 90% منهم من النساء والأطفال، بمن فيهم 25 ألف عراقي، و18 ألف سوري، و7800 من رعايا بلدان ثالثة من سبعة وخمسين دولة.
ويقع «مخيم الهول» على بُعد نحو 45 كيلومتراً شرق محافظة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، وازداد حجم سكانه من بضعة مئات عند إنشائه عام 2016 إلى أكثر من 70 ألفاً خلال سنوات سيطرة داعش.
وتجدر الإشارة إلى أن 23% من جميع السكان هم دون سن الخامسة، في حين أن 42% من السكان هم أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و18 عاماً. وهناك أيضاً مخيمات أصغر مثل "مخيم روج" الذي يبعد حوالي 60 ميلاً عن "مخيم الهول"، وتبلغ مساحته خُمس الأخير، ويضم نحو 2500 فرد، 2100 منهم من رعايا بلدان ثالثة. فيما يقع مخيم (الروج) في ريف بلدة المالكية (ديريك) التابعة لمحافظة الحسكة، ويقطنه نحو 600 عائلة. يضم نحو 2500 شخص جلّهم من النساء والأطفال، بينهم لاجئات عراقيات ونازحات سوريات، إضافة إلى عائلات أجنبية لمقاتلين كانوا في صفوف داعش يتحدرون من جنسيات غربية وعربية.
النائب السابق ورئيس تحالف مستقبل العراق باقر جبر الزبيدي نشر عبر صفحته الرسمية على فيسبوك معلوماتٍ عن إبرام اتفاق بين التحالف الدولي والحكومة العراقية يهدف إلى نقل قاطني مخيمي الهول والروج المعتقلين لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى العراق.
وكشف الزبيدي -بحسب المعلومات المنشورة- عن مغادرة 148 عائلة عراقية من عائلات عناصر تنظيم داعش، مكونة من 578 فرداً، مخيم الهول متوجهةً إلى مخيم الجدعة في الموصل، لافتاً إلى توقعات بنقل حوالي 2000 معتقل من عناصر التنظيم العراقيين إلى المخيم، بالإضافة إلى نقل 900 عائلة شهرياً من مخيم الهول و160 عائلة من مخيم الروج.
ودعا الزبيدي إلى ضرورة التعامل مع العائدين إلى مخيم الجدعة أو مخيمات أخرى وفق خطة وبرنامج معد مسبقاً لتلافي خطر عودتهم إلى حضن الإرهاب، مشيراً إلى أن الكثير منهم -حسب مقاطع تُنشر في مواقع التواصل- لا يزال يحمل أفكاراً متطرفة، خصوصاً النساء، ما يتطلب اتباع أساليب خاصة معهم وأن تخضع عملية دخولهم للعراق لتدقيق أمني شامل.
وحذر الزبيدي من الخطر الأكبر المتمثل بوجود أكثر من 9000 معتقل من تنظيم داعش من أكثر من 50 دولة محتجزين في مراكز تديرها قوات قسد الكردية، وهو ما يُوصف بـ"جيش داعش المحتجز"، مشيراً إلى أن هذا الجيش المدرب عالياً، مع الأوضاع غير المستقرة في سوريا وسيطرة جماعات متطرفة، يجعل عودة التنظيم ممكنةً في أي وقت ترغب به الجهات الممولة للمشروع.
وبين أن الدول الأجنبية ترفض استعادة مقاتليها الذين يحملون جنسيتها، ما يُرسل إشارةً واضحةً بأن الحل هو بقاؤهم في المنطقة، وهو ما يزيد الضغط على العراق المتضرر الأكبر من الإرهاب، ما يتطلب استعداداً عالياً لاستقبال سكان مخيمات الإرهاب وخطةً عمليةً تشمل أفضل السبل لإجهاض أي محاولة لخلق طابور خامس في العراق (بحسب الزبيدي).
رئيس تحرير صحيفة العالم الجديد منتظر ناصر ذكر في حديثه لـ(المدى) أن نقل عائلات مقاتلي داعش من مخيم الهول في سوريا إلى العراق ليس جديداً، بل تمت عمليات نقل متكررة خلال الأعوام الماضية، لكن الاتفاقية الأخيرة تمت لأول مرة منذ سقوط نظام بشار الأسد. واعتبر ناصر نقل أسر الدواعش تحدياً كبيراً واختباراً صعباً للحكومة العراقية في إعادة دمج هؤلاء وخلق بيئة تساعدهم على نبذ التطرف، خاصةً أن غالبية سكان المخيمات هم شباب ومراهقون تربوا على أفكار متطرفة يصعب التخلي عنها، ما يضع الحكومة والمؤسسات الإصلاحية أمام مسؤوليات كبيرة لاستيعابهم.
وتساءل ناصر: "هل ستستقبل المناطق العراقية التي انحدروا منها سكان المخيمات السورية وترضى بالتعايش معهم بعد ما ارتكبوه من جرائم بحق السكان؟"، معرباً عن تخوفه من حدوث ثارات ومشاكل اجتماعية في ظل غياب ضوابط مجتمعية كافية.
واعتبر ناصر أن الخطر الحقيقي يتمثل بوجود 9000-10000 مقاتل من داعش في سجون قسد، داعياً إلى تفاهمات دولية مع المجتمع الدولي لاحتواء هذه "القنابل الموقوتة"، مشدداً على عدم جوهر ربط أمن العراق بجهة واحدة كقسد، التي توصف بجماعة مسلحة لا تملك شرعية دولية.
ودعا ناصر الحكومة العراقية إلى عقد اجتماعات دولية بمشاركة الولايات المتحدة ودول التحالف، وتحملهم مسؤولية وجود هذه السجون التي قد تنفجر بفرار المعتقلين أو إطلاقهم عبر مساومات سياسية.
رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى محمد كاكائي اعتبر نقل سكان مخيمي الهول والروج إلى مخيم الجدعة تهديداً أمنياً وخطراً مجتمعياً جديداً، بسبب البيئة المتطرفة التي نشأوا فيها، خاصةً مَن ولدوا بعد 2014 وتربوا على أفكار يصعب محوها.
وحذر كاكائي في حديثه لـ(المدى) من تحول هؤلاء إلى نواة جديدة لحواضن إرهابية تعيد سيناريو الموت الذي شهدته نينوى قبل 2014، مشدداً على ضرورة برامج تأهيل طويلة المدى وليست وقتية.
واستدرك: "ملف المخيمات شأن يخص الحكومة الاتحادية والسلطات الأمنية في مرحلة وصلت فيها البلاد لأعلى استقرار منذ 2014".
قائد عمليات نينوى للحشد الشعبي خضير المطروح بدد مخاوف ظهور جيل جديد لداعش بالقول: "الوضع الأمني تحت السيطرة، ونتمنى عودة النازحين الراغبين في الاندماج"، مؤكداً دعم قرارات الدولة ببرامج تأهيل مثالية، معتبراً تركهم في الخارج خطراً أكبر.
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية صلاح زيني كشف أن إعادة السكان تمت بطلب عراقي لاحتواء خطرهم عبر برامج أمنية تفرق بين المطلوبين قانونياً والنازحين الراغبين بالعودة، مبرراً نقلهم إلى مخيم الجدعة المهيأ أمنياً.
وطمأن زيني الأوساط الشعبية بعدم وجود مخاطر، مشيراً إلى خطة تشمل تسليم المطلوبين للقضاء وفسح المجال للباقين للاندماج، معلناً عن نقل لواءين من الفرقة 23 إلى نينوى لتأمين المخيم.
واختتم: "نحن من طالبنا بعودتهم كخطة وقائية لمنع تنامي جيل جديد لا يُحتوى مستقبلاً".