ذي قار / حسين العامل
حذَّرت الأوساط الثقافية والتعليمية المشاركة في الاحتفال باليوم الدولي للتعليم، الذي نظَّمه شارع الثقافة في الناصرية، من تجهيل المؤسسات التعليمية وتراجع مستوى الاهتمام بالتعليم. وفيما أشارت إلى استسهال الحصول على شهادات شكليَّة من جامعات غير رصينة، دعت إلى إبعاد تلك المؤسسات عن الصراعات السياسية.
وتطرَّق المشاركون في الاحتفالية، التي حضرها عدد من التربويين والأكاديميين والأدباء والمثقفين، إلى أثر الاهتمام بالتعليم على الوعي المجتمعي، وأهميته في تهذيب السلوك الاجتماعي والنهوض بواقع البلاد التي أخذت أوضاعها التعليمية والتربوية بالتردي خلال الخمسين سنة المنصرمة.
ويرى المشاركون في الاحتفالية، التي حضرتها (المدى)، أن "مستوى التعليم في العراق شهد تراجعًا كارثيًّا بسبب ضعف الاهتمام بتطوير قدرات الملاكات التربوية والأكاديمية، واستسهال الحصول على الشهادات (العلمية) التي وصفوها بـ(الشكلية) من جامعات غير رصينة"، مشيرين إلى "أثر تردِّي البنى التحتية للمدارس، وزج المؤسسات التربوية في معترك الصراعات الحزبية والتنافس السياسي على مستوى التعليم".
داعين إلى إعادة النظر في السياسة التعليمية، وإبعاد المؤسسات التربوية والأكاديمية عن التنافس السياسي، مؤكدين على دور القيادة في العملية التربوية لما لها من أثر مهم في التأثير في نتائج التعلُّم. وقال المشرف العام على شارع الثقافة في مدينة الناصرية الدكتور هيثم عبد الخضر لـ(المدى) إن "الاحتفاء باليوم الدولي للتعليم شبه غائب عن المؤسسات التعليمية، رغم أنه يوم خاص بالتعليم بصورة عامة ولا يقتصر على الاحتفال بيوم المعلم أو الطالب فقط، كون كل مناسبة من هذه المناسبات لها يوم خاص"، مُبيِّنًا أن "مصير الإنسان ومستواه العلمي والمعرفي مرتبط بالتعليم، وأن أثر الاهتمام أو عدم الاهتمام بالتعليم ينعكس إيجابًا أو سلبًا على حياة المجتمع وتطور البلاد".
ويرى عبد الخضر أن "الأوضاع السياسية والاقتصادية والأحداث والحروب التي شهدتها البلاد طيلة نصف قرن ألقت بثقلها على التعليم ومؤسساته التربوية والأكاديمية"، متطرقًا إلى ما خسرته تلك المؤسسات من كفاءات بسبب الحروب وهجرة الكفاءات، ناهيك عن التراجع الحاصل في المستوى العلمي والمعرفي لدى الملاكات التربوية والأكاديمية مقارنة بحقبة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين".
وتحدَّث المشرف العام على شارع الثقافة في مدينة الناصرية عما ظهر من آثار سلبية على التعليم نتيجة سوء إدارة ملف التعليم الأهلي وتحكُّم المال في مستوى الكفاءة العلمية، لافتًا إلى ما يواجه التعليم الحكومي من مشكلات كبيرة في البنى التحتية والمباني المدرسية، ناهيك عن ضعف الاهتمام بمتابعة التلاميذ والطلبة نتيجة اكتظاظ القاعات الدراسية".
ويجد عبد الخضر أن "معدلات الأمية وأعداد المتسربين من مقاعد الدراسة أخذت بالارتفاع في الأعوام الأخيرة، بعد أن كان العراق يحتل مركزًا مرموقًا في محو الأمية"، داعيًا إلى "اعتماد برامج وخطط آنية ومستقبلية للنهوض بواقع التعليم في عموم البلاد"، واصفًا المعالجات الراهنة بأنها "معالجات خجولة أو متواضعة لا ترتقي لمستوى المعالجة الجذرية لأصل المشكلات المتفاقمة".
وعن أثر التنافس السياسي على المؤسسات التعليمية، قال المشرف العام على شارع الثقافة إن "المؤسسات التعليمية والصحية وكل المؤسسات التي تتعلق بتقديم الخدمات للمواطنين ينبغي أن تكون بمنأى عن أجواء التنافس والصراع السياسي"، مُبيِّنًا أن "زج هذه المؤسسات في المعترك السياسي يجعلها حلبة صراع للإرادات السياسية، وهذا ما سينعكس سلبًا على العملية التربوية والتعليمية".
واستطرد عبد الخضر أن "إحدى مثالب التدخل السياسي في العملية التربوية تتمثل بمحاولة المسؤول السياسي كسب رضا الجمهور على حساب رصانة ومستوى التعليم، فنجد هناك دور ثالث ودور رابع وطريقة العبور للمكملين، ناهيك عن كثرة العطل غير الرسمية التي يغازل فيها السياسي عواطف جمهوره"، مُردِفًا أن "هذا هو ما يجعل الرصانة العلمية واستكمال مناهج التعليم في مهب الريح".
ويرى المشرف العام على شارع الثقافة أن "الهدف من الحصول على الشهادة الأكاديمية بات في كثير من الأحيان يصب بصورة كبيرة باتجاه الحصول على المكاسب المادية وتحسين الراتب أكثر من الارتقاء العلمي، وهو ما جعل الكثيرين يتهافتون على الحصول على شهادات أكاديمية من مؤسسات جامعية غير رصينة".
وشدد على ضرورة التخطيط العلمي في إدارة القبول في الجامعات، وأن لا يكون القبول في فروع علمية على حساب فروع أخرى، داعيًا إلى "مراعاة حاجة السوق والمؤسسات الحكومية والأهلية للتخصصات العلمية، وأن لا يتحكم المال وحده في توجه الطلبة نحو المجموعات الطبية والهندسية في الجامعات الأهلية"، مؤكدًا أن "الأسس العلمية الرصينة للطالب هي التي تحدد مستوى كفاءته العلمية في الدراسة الجامعية، لا رغبته وأمواله وحدها".
ويحتفل العالم باليوم الدولي للتعليم، وذلك بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في عام 2018، الذي أعلن يوم (24 كانون الثاني/يناير) من كل عام يومًا دوليًّا للتعليم؛ احتفاءً بالدور الحيوي الذي يؤديه التعليم في تعزيز السلام والتنمية والمساواة في جميع أنحاء العالم.
ويواجه قطاع التعليم في محافظة ذي قار جملة من التحديات، من بينها نقص الأبنية المدرسية وتقادمها، واكتظاظ الفصول والقاعات الدراسية، ونقص الملاكات والاختصاصات التعليمية.
بالتزامن مع إطلاق مبادرة «العودة إلى التعليم» التي أعلنت عنها الحكومة المركزية في (أواسط عام 2024)، طرحت عدد من المنظمات المهنية والمجتمعية في ذي قار جملة من الحلول لإنجاح المبادرة، مُشدِّدة على أهمية تأهيل الأبنية المدرسية وتأمين بيئة مناسبة للتعليم، ودعم الأسر الفقيرة وتمكينها من توفير المتطلبات الدراسية لأفرادها.
وكان المشاركون في ندوة إصلاح التعليم، التي نظمتها الجماعة المطلبية في ذي قار يوم الأحد (7 تشرين الأول/أكتوبر 2018) على حدائق جمعية الاقتصاديين، قد حملوا الأحزاب السياسية المتنفذة مسؤولية انهيار التعليم وارتفاع معدلات الأمية وإشاعة التخلف في المجتمع، فيما شددوا على أهمية اعتماد الكفاءة والخبرة في مجال إدارة التعليم بدلًا من الولاء الحزبي لشغل المناصب.
فيما حذَّر المشاركون في ندوة «تسرب التلاميذ والطلبة من المدارس»، التي نظمها المركز المجتمعي لتعزيز الديمقراطية في ذي قار يوم السبت (15 حزيران/يونيو 2019)، من مخاطر التسرب في مدارس محافظة ذي قار، وفيما عزوا أسباب التسرب إلى عوامل اقتصادية واجتماعية، وإلى تخلف المناهج الدراسية وتدني مستوى التعليم واكتظاظ الصفوف الدراسية، أشاروا إلى تسرب أكثر من 12 ألف تلميذ وطالب من المرحلتين الابتدائية والثانوية في كل عام.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء قد أعلن يوم الأحد (19 كانون الثاني/يناير 2019) أن عدد التلاميذ التاركين في المدارس الابتدائية بلغ 131,468 تلميذًا وتلميذة في العام الدراسي 2017-2018، وأن نسبة الإناث منهم 47.5 بالمئة، مشيرًا إلى أن الفترة ما بين (2013-2014 إلى 2017-2018) شهدت زيادة في أعداد التلاميذ التاركين بنسبة 28.8 بالمئة، حيث كان عددهم 101,043 تلميذًا وتلميذة في العام الدراسي 2013-2014.