TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

نشر في: 2 فبراير, 2025: 12:13 ص

ثائر صالح
اشتهرت في تاريخ الموسيقى قصة عداوة مزعومة بين مغنيتي أوبرا إيطاليتين عملتا سوية في لندن في عشرينات القرن الثامن عشر. جذبت لندن وقتها العديد من الموسيقيين والمغنين الطليان، إلى جانب الموسيقار الكبير هندل الذي قدم إلى لندن قبل ذلك في 1712. المغنية الأولى هي فاوستينا بوردوني (1697 - 1781) المولودة في فينيسيا، درست على يد الأخوين مارچلّو (وأشهرهما أليسّاندرو صاحب كونشرتات الأوبو الأنيقة التي اقتبسها باخ) وغنت في إيطاليا أعمال توماسو البينوني وليوناردو ڤينچي وليوناردو ليو، ثم عملت لفترة في ميونخ وفيينا قبل أن تنتقل إلى لندن في 1726 حيث قدمت أوبرا هندل "ألسّاندرو" (الاسكندر الكبير). أما المغنية الثانية فهي فرانچسكا كوتسوني (1696 - 1778) المولودة في پارما شمال إيطاليا. وقد غنت كوتسوني في العديد من المدن الإيطالية الشمالية ثم انتقلت إلى لندن أواخر 1722 فعملت مع هندل الذي أشركها في الدور الرئيسي في تسعة من أعماله أهمها دور كليوباترا في أوبرا "جوليو چزاره" (يوليوس قيصر)، واشتركت مع بوردوني في بطولة أوبرا "ألسّاندرو". وكأي نجم من النجوم الحاليين كان لمغنيات الأوبرا المشهورات (وكذلك المغنين من الكاستراتو أي المخصيين) جمهور كبير من المعجبين المتحمسين والمتعصبين، وتتابع الصحافة أخبار هذه الجماعات بالتفاصيل بحثاً عن المزيد من المبيعات فلا تتردد الصحف عندما يتعلق الأمر بالفضائح. وكثيرا ما يحدث أن يتصادم جمهور إحداهن مع جمهور مغنية ثانية، وهو ما حدث أثناء تقديم واحدة من الأوبرات في حضور كارولين أميرة ويلز مما أدى إلى فضيحة كبيرة في لندن. وقد نشرت الصحف أخباراً عن "عركة" بين السيدتين على المسرح سنة 1727 تخللها تبادل السباب وجر الشعر. لكن البحث التاريخي يشير إلى أن المعركة إنما وقعت بين معجبي الطرفين في الحقيقة، ولا توجد دلائل تشير إلى عداوة من النوع الذي تلذذت الصحف بذكر تفاصيلها.
فقد اشتركت المغنيتان سوية في العديد من الأعمال، أولها في إيطاليا سنوات 1718 / 1719 حتى قبل مجيئهما إلى لندن، وواصلتا العمل سوية في فرقة "الأكاديمية الملكية للموسيقى" التي أسسها عدد من الأثرياء لتقديم أعمال هندل وبونونچيني وآريوستي سنة 1719 حتى بعد الحادثة الشهيرة. وقد جرى حل الفرقة بعد عشر سنوات بسبب الأجور العالية التي كانت تدفع لنجوم المغنين وكذلك بسبب مغادرة كلا من بوردوني وكوتسوني لندن بسبب عقود في أوروبا.
وقام هندل بتأسيس فرقة أوبرا أخرى بنفس الاسم الذي الحق به صفة الجديدة أو الثانية، وتعاقد مع مغنية سوبرانو جديدة هي آنّا ماريا سترادا (1703 - 1775). وقد عملت سترادا مع هندل في لندن بين 1729 - 1737 حيث أسند إليها الأدوار الرئيسة في عدد من أعماله. بدأت سترادا حياتها الفنية في عمل لفيفالدي في فينيسيا، ثم عملت مع الموسيقيين الكبار ليوناردو ڤينچي ونيكولو پورپورا وليوناردو ليو في نابولي قبل أن تنتقل إلى لندن.
في النهاية ابتعد هندل عن تأليف الأوبرا الإيطالية كما نعلم، وتوجه نحو شكل الأوراتوريو الذي كتبت نصوصه باللغة الانكليزية وبينها أوراتوريو بيلشازار الذي سأحضر عرضه مساء هذا اليوم في أكاديمية الموسيقى في بودابست.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي
عام

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

د. نادية هناوييؤثر الذكاء الاصطناعي في الأدب بما له من نماذج لغوية حديثة وكبيرة، حققت اختراقًا فاعلا في مجال معالجة اللغة ومحاكاة أنماطها المعقدة وبإمكانيات متنوعة وسمات جعلت تلك النماذج اللغوية قادرة على الاسهام...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram