بغداد – تبارك عبد المجيد
في ظل الأعراف الاجتماعية والعادات المتجذرة، تواجه المرأة العراقية تحديات جسيمة فيما يتعلق بصحتها الجنسية والإنجابية. يتفاقم الوضع بفعل غياب التثقيف وضعف الوعي المجتمعي، خاصة في المناطق الريفية، حيث تسيطر القيم العشائرية على القرارات الصحية وتعيق وصول النساء إلى الرعاية الطبية اللازمة.
تحدثت الناشطة والتدريسية سميرة الخفاجي عن قضية حساسة تؤثر بشكل مباشر على صحة وحياة الفتيات في العراق، مشيرةً إلى أن بعض العائلات تمنع بناتها من زيارة الطبيبة النسائية.
وأوضحت الخفاجي لـ(المدى)، أن "السبب وراء هذا المنع يعود إلى اعتقاد بعض العوائل أن زيارة الفتاة للعيادة النسائية قد تُعرِّفها على أمراض أو مواضيع تعتبر "عيبًا"، أو قد تسمع "حديث النساء المتزوجات"، وهو ما يعتبره المجتمع غير لائق بالفتيات العذراوات".
وأكدت الخفاجي أن هذه الأعراف المجتمعية لا تقتصر على القضايا الثقافية، بل تؤثر على صحة الفتيات بشكل خطير، إذ إن الأمهات غالبًا ما يتجاهلن أعراضًا مرضية قد تعاني منها بناتهن، تحت مبرر الحفاظ على الشرف حتى الزواج. وتُظهر العديد من الحالات تخوف الأمهات من أن زيارة الطبيبة النسائية قد تعرض غشاء البكارة للخطر، مما يضيف طبقة جديدة من القيود المفروضة على الفتيات.
كشفت الخفاجي عن أمثلة من واقع عملها مع الفتيات في المدارس، حيث أشارت إلى طالبات يعانين من مشكلات صحية متعددة مثل الحكة أو خشونة الصوت مع نمو شعر غير طبيعي على الذقن، وهو ما قد يشير إلى اضطرابات هرمونية خطيرة. وأضافت أنها شاهدت طالبات يتلوين من الألم خلال الحصص الدراسية بسبب آلام الحيض، في حين لا يجدن أي دعم أو توجيه طبي.
وأوضحت أن المدارس العراقية لا توفر طبيبات أو مختصات لمتابعة مثل هذه الحالات، مما يدفع الفتيات إلى التحدث معها بصفتها شخصًا قريبًا منهن. وتصف هذه المواقف بأنها تكشف عن حاجة ماسة لوجود ثقافة صحية نسائية داخل المدارس، حيث تُترك الفتيات دون مساعدة أو توجيه.
دعت الخفاجي إلى ضرورة إدراج الثقافة الجنسية ضمن المناهج الدراسية، مشددةً على أهمية تثقيف الفتيات بشأن الأمراض النسائية الشائعة وطرق التعامل معها. واعتبرت أن غياب الوعي حول مثل هذه الموضوعات يشكل عائقًا كبيرًا أمام الفتيات لفهم أجسادهن وكيفية العناية بصحتهن.
أكدت الخفاجي، أن "الحل يكمن في تغيير المفاهيم المجتمعية الراسخة حول هذه القضايا، وخلق بيئة تثقيفية وصحية تساعد الفتيات على التعامل مع أجسادهن بثقة ودون خوف. ودعت إلى حملات توعية مجتمعية واسعة النطاق لضمان أن تكون صحة الفتيات في العراق أولوية تتجاوز المفاهيم التقليدية والأعراف البالية".
في ذات السياق، أشارت الناشطة إلهام قدوري، مديرة إحدى المنظمات النسوية، إلى أن الأعراف والتقاليد العشائرية في القرى والأرياف غالبًا ما تُعيق النساء من الوصول إلى الرعاية الطبية المناسبة، خاصة في مجالات تتطلب كشفًا أو تدخلًا طبيًا من قبل طبيبة نسائية.
وأوضحت قدوري لـ(المدى)، أن "هناك قسمًا من العائلات يرفض بشكل قاطع فكرة أن تذهب بناتهم أو زوجاتهم إلى طبيبة نسائية، ويرون في ذلك خرقًا للعادات وخدشًا لما يصفونه بالحياء. وأضافت قائلة: "في بعض الحالات، تُترك المرأة لتواجه مصيرها في المنزل، حتى لو كانت حياتها على المحك، فقط لتجنب ما يعتبرونه كشفًا أمام الطبيبات".
ومع ذلك، أشارت إلى وجود تطورات إيجابية طفيفة لدى بعض العائلات التي بدأت تدرك أن هذا الأمر ليس عيبًا أو عارًا. عزت ذلك إلى زيادة الوعي من خلال وسائل الإعلام، الهواتف الذكية، أو النقاشات التي تجمع شيوخ العشائر والمثقفين، مؤكدة أن هذه العوامل تسهم في تخفيف الضغط على النساء وأزواجهن.
ورغم ذلك، أكدت قدوري أن المشكلة لا تزال قائمة في بعض المناطق، حيث يُنظر إلى ولادة المرأة في المستشفى على أنها أمر مخجل. بدلاً من ذلك، يتم الاعتماد على القابلات التقليديات لتجنب إرسال المرأة إلى المستشفى، حتى لو كان ذلك يعني تعريض حياتها وحياة المولود للخطر.
وتابعت: "أهمية تكثيف جهود التوعية من خلال القنوات الدينية مثل خطب الجمعة، ومنصات التواصل الاجتماعي التي وصلت حتى إلى القرى النائية. وشددت على ضرورة تغيير النظرة السلبية تجاه الطبيبة النسائية، مشيرة إلى أن المرأة يمكن أن ترى في الطبيبة صورة الأخت أو الأم، مما يبدد أي إحراج أو حرج محتمل. وختمت بقولها: "تبقى المشكلة مرتبطة بالأعراف والتقاليد التي تعقد الأمور دائمًا، لكن التغيير ممكن بالتثقيف والإصرار".
في سياق الحديث عن الصحة الجنسية وحق النساء في الخيارات الإنجابية، أكدت الطبيبة الاستشارية ورئيسة جمعية الصحة الإنجابية العراقية، الدكتورة إيناس الحمداني، على وجود تحديات عدة تواجه النساء في هذا المجال، وقالت إن الجهل المجتمعي يمثل أبرز هذه التحديات.
وأوضحت الحمداني لـ(المدى)، أن "التوعية الشاملة لجميع شرائح المجتمع، بدءاً من الأسرة ووصولاً إلى المناهج المدرسية، تلعب دوراً حاسماً في تحسين الصحة الجنسية والإنجابية مستقبلاً"، مشيرةً الى أهمية تعزيز دور منظمات المجتمع المدني ونشر الثقافة المتعلقة بالصحة الجنسية ضمن السياسات التعليمية والاجتماعية.
وأشارت الحمداني إلى أن المرأة، التي تشكل 60 في المائة من المجتمع العراقي، لها حقوق مضمونة على المستوى الوطني والدولي فيما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية. واستندت إلى لائحة حقوق الإنسان التي تضمن للمرأة حق الاختيار في مسار حياتها الإنجابية. وشددت على أن القانون الدولي يقر بحق المرأة في تحديد موعد الحمل، وعدد الأحمال، والمباعدة بينها، واختيار وسائل تنظيم الأسرة، وكذلك حق الحصول على الإجهاض الآمن، إلى جانب التثقيف الجنسي المجتمعي.
وفيما يتعلق بمخاطر سرطان عنق الرحم، أشارت الحمداني إلى الجهود التي تبذلها وزارة الصحة في السنوات الأخيرة لإجراء الفحوصات الروتينية للنساء في سن الإنجاب. ورغم هذه المبادرات، أكدت أن برامج التوعية ليست فعالة بما يكفي مقارنة بالتوعية بسرطان الثدي. وأوضحت أن الوقاية من هذا المرض تتطلب سياسات جادة وخططاً ميدانية شاملة على المستويين الوزاري والمؤسساتي، مشيرة إلى أهمية تعزيز وعي المجتمع بالإجراءات الوقائية والاكتشاف المبكر.
وألقت الحمداني الضوء على معاناة النساء في المناطق الريفية والمناطق النائية، حيث أكدت أنهن يحصلن على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية بشكل أقل من غيرهن. وأرجعت ذلك إلى نقص مراكز الرعاية الصحية من حيث الكم والنوع، مما يجعل هذه الفئة أكثر عرضة للمخاطر الصحية. ودعت إلى ضرورة التركيز على هذه الشريحة ضمن خطط العمل المستقبلية لتأمين رعاية صحية شاملة تتناسب مع التزايد السكاني.
شددت د. إيناس الحمداني على أن تحقيق تقدم في مجال الصحة الجنسية والإنجابية يتطلب تضافر جهود المجتمع المدني والدولة معاً، مؤكدة أن تعزيز وعي المجتمع وإصلاح السياسات الصحية يمثلان مفتاح التغيير المنشود.
بين القابلة والطبيبة النسائية.. قيود اجتماعية تعيق وصول النساء إلى الرعاية الصحية!
نشر في: 2 فبراير, 2025: 12:49 ص