بغداد/ تميم الحسن
تداول ناشطون في العراق بشكل واسع مقطع فيديو لتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص خطته الرامية إلى "تطهير غزة" ونقل السكان إلى دول أخرى.
وأثارت تصريحات الرئيس الأخيرة القلق من "سيناريو" مشابه قد يستخدمه ترامب، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل، تجاه العراق بشأن العلاقة مع إيران أو الوضع الجديد في سوريا.
ويُتوقع في العراق أن يبدأ الرئيس الأمريكي سلسلة عقوبات اقتصادية وربما عسكرية تطال الفصائل وتشكيلات أمنية أخرى في البلاد بسبب ارتباط هذه الجماعات بطهران.
وتحاول بغداد، بالمقابل، أن توصل رسائل إلى واشنطن بأن المشكلة تكمن في 3 أو 4 فصائل لم تندمج بعد بالحشد الشعبي، بحسب تصريحات لرئيس الحكومة محمد السوداني.
لكن تحليلات وتقارير دولية تشير إلى أن العراق قد يحتاج إلى تقديم ضمانات أكبر بشأن تراجع النفوذ الإيراني في الداخل، والانفتاح بشكل أوسع على الوضع الجديد في سوريا.
وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، كشف في تصريحات متلفزة أنه قد يذهب في زيارة إلى سوريا، بعد زيارة مثيرة لمدير المخابرات العراقي، الذي عُيّن مؤخرًا في منصبه، حميد الشطري، إلى دمشق الشهر الماضي.
وقال حسين في لقاء مع فضائية عربية إن "الحكومة العراقية تسعى لضمان أن يكون القرار الأمني والعسكري بيدها وليس بيد الفصائل المسلحة"، مؤكدًا استمرار المفاوضات مع تلك الفصائل لتسليم أسلحتها.
وكانت (المدى) قد كشفت في سلسلة تقارير عن ما سُمّي بـ"التسوية" مع الفصائل، حيث تطلب الأخيرة الحصول على مناصب حساسة ومؤثرة في القرار السياسي مقابل التخلي عن السلاح.
وأشار وزير الخارجية في تصريحاته الأخيرة إلى أن استقرار سوريا له تأثير مباشر على الأمن العراقي بسبب وجود ما بين 10 إلى 12 ألف عنصر من "تنظيم داعش" في سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وأكد وزير الخارجية أن المباحثات مع نظيره التركي ركزت على الوضع في سوريا وتهديدات "داعش"، مشيرًا إلى وجود تواصل مستمر مع وزير الخارجية السوري، رغم عدم وجود زيارة رسمية إلى دمشق في الوقت الحالي.
وكان من المفترض أن يزور أسعد الشيباني، وزير الخارجية في الإدارة السورية الانتقالية، بغداد بعد عودة السوداني من طهران الشهر الماضي، لكن الزيارة لم تحدث حتى الآن.
لكن بالمقابل، كشف فؤاد حسين في لقائه الأخير عن "دراسة زيارة وزير الخارجية إلى سوريا ضمن خطوات جادة لتعزيز العلاقات الثنائية".
وسبق أن كشفت مصادر سياسية لـ(المدى) أن زيارة الشطري الأخيرة إلى سوريا تضمنت الحديث عن الحدود والمعتقلين العراقيين لدى النظام السوري الجديد.
والأسبوع الماضي، أُعلن في سوريا تولّي أحمد الشرع (الجولاني) رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، وذلك بعد أكثر من شهر على هروب بشار الأسد وسيطرة المعارضة على مقاليد الحكم.
وحتى الآن، يتعامل العراق بحذر شديد مع الجارة سوريا على الرغم من تشابك الملفات والمصالح وارتباط البلاد بحدود قلقة يتربص بها "داعش"، بحسب المسؤولين العراقيين.
ويعتقد ناشطون تداولوا تصريحات ترامب الأخيرة بشأن تعامله مع الأزمة في المنطقة أنه قد يجبر العراق على تنفيذ سياسات معينة، مثل نقل سكان من "غزة" إلى الأنبار أو تطبيع العلاقات مع سوريا.
ويقول حميد الهايس، وهو أحد الشخصيات العشائرية في غربي العراق، إن "ما يقوله ترامب سوف يحدث"، مؤكدًا أن "50 مليار دولار مخصصة لبناء مدينة في الأنبار لتوطين فلسطينيين".
وأثناء حديثه للصحفيين في المكتب البيضاوي، الخميس الماضي، سُئل ترامب عما إذا كان هناك أي شيء يمكنه القيام به للضغط على الدولتين (مصر والأردن)، وكلاهما من الدول الرئيسية المتلقية للمساعدات الأمريكية، لاستقبال الفلسطينيين المطرودين.
وأجاب ترامب قائلًا: "سيفعلان ذلك.. سيفعلان ذلك تمامًا.. نحن نفعل الكثير من أجلهما وسيفعلان ذلك".
وجاءت تعليقات ترامب غداة رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبد الله الثاني أي تهجير قسري لسكان غزة عقب الحرب بين حماس وإسرائيل.
تحليل سياسي
وعن العلاقات العراقية السورية الجديدة، يحلل أستاذ الدراسات الستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، إحسان الشمري، ما يمكن اعتباره إصرارًا دوليًا على تطبيع العلاقات بين البلدين، بأنه "محاولة لتحرير الدبلوماسية والمواقف العراقية من الضغط والتأثير الإيراني، خصوصًا وأن الحكومات العراقية التزمت دعم نظام بشار الأسد لسنوات طويلة، حتى حكومة السوداني كانت داعمة للأسد قبل سقوطه بيوم واحد".
ويقول الشمري في مقابلة مع (المدى) إن "الدول المؤثرة، العربية والإقليمية والدولية، تدرك أن مواقف العراق لا بد أن تتغير تجاه الوضع الجديد في سوريا، ويجب ألا يبقى أسيرًا لحسابات خارج مصالحه".
مضيفًا أن "أمريكا بضغطها لتطبيع الأوضاع بين بغداد ودمشق ستنقل العراق إلى مستويات جديدة من حيث طبيعة التعامل مع سوريا ومع قضايا المنطقة والمنظومة العربية، خصوصًا وأن الإدارة الانتقالية في سوريا مدعومة عربيًا بشكل كبير، وهذا يدفع العراق إلى الاقتراب أكثر من المنظومة العربية من خلال سوريا".
فضلًا عن ذلك، فإن التقارب بين بغداد ودمشق، والكلام للشمري، "سيعمل على تنسيق أمني كبير، والعراق الآن بأمسّ الحاجة إلى هذا التنسيق، خصوصًا مع صعود داعش أو وجود مؤشرات لعودة نشاط التنظيم، وبالتالي ترى أمريكا أنه من المهم التنسيق لغرض تقويض أي نشاط أو تهديد يمثله داعش".
من جانب آخر، يرى الشمري، وهو يرأس أيضًا مركز التفكير السياسي، أن "تركيا تعتقد أن عراقًا متصالحًا مع الوضع الجديد في سوريا سينعكس بشكل إيجابي على حل الملف الكردي، ويمكن أن يساهم العراق من خلال حوارات معمقة مع بعض الأطراف الداخلية في سوريا بشأن ذات الملف".
ويشير رئيس مركز التفكير إلى أن ما جرى في سوريا يعد جزءًا من إنهاء المشروع والنفوذ الإيراني في المنطقة، وبداية لشرق أوسط جديد خالٍ من التأثيرات الإيرانية، ويكون أكثر استقرارًا على مستوى المنطقة، ولذلك هناك انفتاح غربي تجاه سوريا.
ويتابع: "تأخر الزيارات العراقية إلى سوريا، وعدم التهنئة الرسمية من بغداد للسلطة الجديدة هناك، وعدم وجود اعتراف عراقي رسمي بالوضع الجديد في دمشق، يشعر المجتمع الدولي بأن العراق قد يُستخدم كمنصة لاستهداف التجربة السورية الجديدة من قبل إيران".
ولا يعلم الشمري فيما إذا كانت الحكومة العراقية ستوافق على خارطة التطبيع الجديدة مع سوريا، لكنه يقول إن "المجتمع الغربي يحفز العراق على ألا يكون خارج سياق دعم سوريا".