TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عمود عالم آخر عدد(2618)

عمود عالم آخر عدد(2618)

نشر في: 10 أكتوبر, 2012: 07:16 م

اعتدال شيعي في لغز روسي؟
 كلما خطرت على البال موسكو تذكرت الباحثة الايرانية مهرانغيز كار التي تردد في التعليق على رهانات طهران الاسيوية "ان روسيا لغز مخبوء في أحجية"، وهي هنا تقتبس كلمة تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا التي وصف بها غموض الروس وقدرتهم على المناورة.
وخلال متابعتي لوفدنا العراقي في موسكو استرجعت هذا النعت وشعرت ان العراق مكث طويلا داخل الطلسم الروسي دون ان يتعلم الكثير، ولم نخرج من هذا القدر بعد 2003 الا لكي نجد انفسنا عائدين إليه.
ان الذهاب الى روسيا وشراء اسلحتها محاط بجملة مبررات، منها ان العراق ليس لديه مال كاف لشراء اسلحة امريكا باهظة الثمن، وسلاح موسكو ربع قيمة ما تبيعه واشنطن. ويقول بعض ضباطنا ان السلاح الروسي "سهل الاستخدام ولا يحتاج تدريبا" عكس السلاح الامريكي الذي يدار بطريقة معقدة. الروس صمموا اسلحتهم كي تستخدمها انظمة ثورية ليس لديها وقت طويل لتدريب عسكر مشغول بتفتيش الشعب، بينما صممت امريكا اسلحتها لجيوش البلدان الراسخة، ولسنا منها بعد.
هناك من يقول اشياء اخطر مفادها ان امريكا تفكر في الغاء صفقات اسلحتها الى العراق، لانها تخشى ان يقوم عراقيون بإيصال سلاح متطور الى الجيش الايراني وحتى السوري، ففضلت ان تشجع بغداد على تفريغ عدد من مخازن الشركات العسكرية في روسيا. وقد دعمتنا واشنطن هذه السنة بملياري دولار كمساعدات عسكرية صارت نصف قيمتها في جيب قيصر روسيا. هل تبدو هذه مفارقة رهيبة تحزن الجميع؟
ولكن هل نتحدث عن مجرد صفقة اسلحة ام ان ذلك تتويج لسلسلة مواقف اتخذتها بغداد منذ انسحاب امريكا، ادت الى تصنيفنا كجزء من المحور الصيني الكوري الشمالي الروسي ثم الايراني والسوري؟
لقد صنفونا بهذه الطريقة في الصحافة العالمية، ولن يزول هذا التصنيف حتى لو ظلت حكومتنا تردد انها تفتش طائرات كورية وايرانية وتطلب "الحياد" والتوازن في مشاكل المنطقة، وان تحتفظ بمسافة واحدة من طهران وواشنطن. وهل بغداد قادرة على هذا؟
افكر هذه الايام بأول خمسة قرون من تاريخ ايران الشيعية، حيث كانت بلاد فارس في عهدي الصفوية والقاجارية تعادي العثمانيين وتتحالف مع اوربا لتوازن مواقفها. اما بعد ثورة آيات الله فقد ألغى الجماعة سياسة خارجية عمرها ٥٠٠ عام وراحوا يتناطحون مع اليهود والعالم المسيحي ومعظم المسلمين في ان واحد، وهذا ما لا طاقة لأحد به. وقد يظل المرشد خامنئي مستعدا لدفع ضرائبه لكن توريط العراق بعداوة من هذا العيار يعني تحويلنا الى بوابة غربية لايران بعد ان كنا بوابة شرقية للعرب، وكلاهما في الواقع باب للجحيم.
اتذكر ان مسؤولا امريكيا قابلناه قبل 8 اعوام، قال ان واشنطن تتفهم "الالتزامات الشيعية لحكومة بغداد، لكن من الضروري ادراك ان هناك فرصة كبيرة لظهور سياسة شيعية معتدلة في العراق، واغتنام هذه الفرصة".
ايضا لم يحلم عقلاء العراق بأكثر من تشيع سياسي معتدل يتخلى عن المواقف المتشددة ويعيد ربط البلاد بالعالم المتقدم ويحترم المعايير المدنية. وفي وسع اعتدال العراق ان يساعد شيعة لبنان والخليج بعد ان فشل تشدد طهران في مساعدة اي منهم.
ولعل بعض الساسة العراقيين حاولوا اقناع طهران اكثر من مرة بأن ظهور سياسة معتدلة في العراق، امر سيعم نفعه على الجميع، وستستفيد من ذلك ايران ايضا. واذا كان من الضروري ان ينتحر التشيع السياسي نوويا، فليس من الضروري ان ينتحر الشيعة بأجمعهم، وسيكون مناسبا ان يحافظ شيعة العالم على موقف عراقي حليف للغرب ومتمسك بتهدئة مع العرب.
وفي نهاية احلام الاعتدال وجدنا جرأة في ان نعارض سياسة واشنطن وحلفائها، ولم نجد جرأة لنعارض سياسة طهران وحلفائها، كما لم نجد طريقا ثالثة بعد. والحقيقة ان العثور على طريق بين "قلاع الجبابرة" مهمة صعبة، ومن المبكر ان تتاح في دار السلطان عقول تصوغ خياراتنا على هذا المسرح. اضف الى ذلك ان هذا الملف الذي يهم عراقيي كل الطوائف لم يخضع لسجال وطني مفيد وظل مجرد مناسبة للتلاعن والتشاتم.
ولعل نتائج انتخابات امريكا الوشيكة ستكشف الكثير من "غضب واشنطن او قلقها المكتوم"، واجندة رئيس حكومتنا الداخلية تفاقم مخاوف شركائه، واللغز الروسي يغلف حلم الاعتدال والحياد بغموض كبير، ومعظم ازماتنا مع العالم بدأت بصفقة سلاح. اما المسرح الاقليمي فيتموج ويرسم دورا مغريا لكل المجانين، ولسان حال بغداد يقول للغربيين: لقد اعطيناكم استثمارات النفط فماذا تريدون اكثر من ذلك؟ هل تبدو هذه نهاية معقولة لهواجس هذا الاسبوع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram