TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > انتخابات مجالس المحافظات بين المقاطعة وشرعية عمل المفوضية

انتخابات مجالس المحافظات بين المقاطعة وشرعية عمل المفوضية

نشر في: 6 فبراير, 2025: 12:01 ص

بشائر موسى

من منظور المشاركة السياسية، تعد مقاطعة الانتخابات أحدى الوسائل المستخدمة من قبل مجموعة من الناخبين كاحتجاج سياسي لأسباب عدة منها أن المقاطعون يسعون للطعن في الشرعية السياسية للسلطة، أو أنهم يريدون أن تثبيت موقف ضد المنظومة الحاكمة التي تتبجح بشرعيتها الانتخابية، أو التشكيك بالعملية الانتخابية والعطن فيها من خلال الادعاء بوجود حالات تزوير قوية، وأن النظام المشرف على العملية الانتخابية متحيز لمرشح أو حزب معين. والحكومة التي تشرف على سير الانتخابات تفتقد الى الشرعية. ومن ثم قد تعد المقاطعة نوعاً من المشاركة السياسية السلبية.
يستعد العراق لخوض انتخابات جديدة من المزمع عقدها بعد أيام معدودة، والتي تأجلت عن موعدها الدستوري أكثر من 10 سنوات، إذ جرت العادة في العراق ان تجري كل اربع سنوات انتخابات مجالس النواب ومجالس المحافظات والاقضية. بالعودة الى الوراء 20 سنة تقريبا سنجد ان اول انتخابات مجالس محافظات جرت في عام 2005 مع انتخابات مجالس النواب والتصويت على الدستور. واستمر عمل هذه المجالس اربع سنوات حتى جرت الانتخابات الثانية في عام 2009 ومن ثم في عام 2013 جرت ثالث انتخابات لمجالس المحافظات وكانت الاخيرة حتى لحظة كتابة هذا الموضوع.
كان من المقرر ان تجري انتخابات مجالس المحافظات في عام 2017 الا ان الوضع الامني الذي كان يعيشه البلد حينها جراء حرب داعش حال دون ذلك لذا تم تأجيلها حتى ايار مايو 2018، ثم تأجيلها مرة اخرى الى ايلول سبتمبر 2018 ومن ثم أرجأت الى تشرين الاول 2019 الا ان خروج المظاهرات وقتها حال دون ذلك ليتم ارجائها مرة اخرى الى نيسان ابريل 2020، الا ان المتظاهرين كان لهم رأياً اخر.
وفي تشرين الأول عام 2019 خرج المتظاهرون في وسط العراق وجنوبه من جميع المحافظات معترضين على الحكومة ومطالبين بأسقاطها ومن بين المطالب التي رفعوها هو حل مجالس المحافظات والغاءها لأنهم يرون انها حلقة زائدة تسبب هدرا بالمال العام وتكلف ميزانية الدولة اموالا طائلة ولن يجني المواطن من وراءها نفعا متهمين هذه المجالس بالفساد وعدم الكفاءة.
لكن القوى السياسية التي شكلت الحكومة بعد انتخابات 2021، ضمنت في المنهاج الوزاري لحكومتها انتخابات مجالس المحافظات، تحت ذريعة أن حل مجالس المحافظات أو تجميد عملها ليس له نص دستوري. وبما أن الدستوري العراقي يصنف ضمن الدساتير الجامدة، لذلك ليس من السهلة تعديل الدستور الذي ينص على وجود مجالس المحافظات. ويبدو أن هذه الذريعة هي محاولة من القوى السلطوية للهيمنة على المحافظات، ومن جهة أخرى كسر إرادة احتجاجات تشرين التي طالبت بإلغاء مجالس المحافظات.
لكن الحدث الأهم الذي يرافق إجراء هذه الانتخابات، هو مقاطعة التيار الصدري لها. إذ أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر موقف المقاطعة، وبذلك يكون الصدر قد انتقل من جبهة قوى السلطة إلى جبهة الطعن بشرعية عملها السياسي من خلال مقاطعة الانتخابات التي يحتج بأنها مصدر وصولهم إلى الحكم.
قرار الصدر بمقاطعة الانتخابات جاء بعد قراره الاول في يونيو حزيران 2022 والذي قرر على اثره الانسحاب من البرلمان بعد ان تصدرت قائمته المرتبة الاولى بين القوائم الفائزة حينها، الصدر اعلن الانسحاب وعدم مشاركته في اية انتخابات مقبلة.
بعد تغريدة الصدر بمقاطعة الانتخابات وجه تحسين الحميداوي المسؤول العام لسرايا السلام من خلال تدوينة له على مواقع التواصل الاجتماعي تحذيرا الى تشكيلات السرايا بخصوص انتخابات مجالس المحافظات قال فيها "، كما كان وسيبقى رأي القائد مقتدى الصدر فصل الخطاب في مسيرتنا الجهادية والاجتماعية وبعد جواب الصدر بخصوص انتخابات مجالس المحافظات وهنا اوجه كلامي لمن ينتمي لتشكيلات سرايا السلام المجاهدة وزج نفسه في هذه الانتخابات ان يتراجع عن ترشيحه خلا 15 يوما والا سيكون لنا راي اخر".
موقف السيد مقتدى الصدر ومسؤول الفصيل التابع له القى بضلاله على الشارع فأعلنت قوى اخرى مختلفة مقاطعتها للانتخابات كانت تنتظر الكلمة الفصل لزعيم التيار الصدري، وهذا ما دفع الكثير من اتباعه الاخذ على عاتقهم بالتثقيف واحيانا استخدام اساليب للإجبار على المقاطعة وهذا ما ادى الى حصول بعض اعمال التي تعرقل عمل الدعاية الانتخابية في بعض المحافظات.
دعوة الصدر هذه وحسب راي المختصين سيضاعف من نسبة المقاطعين خاصة وانهم يعدونها اول تصريح للزعيم الصدر بعد تشكيل حكومة الاطار التنسيقي يكون واضحا وبهذه الدقة حيث قال "لن نشترك في حكومة وفي انتخابات تشرعن الفساد بشكل واضح ويشكر جمهوره على طاعتهم له"
لكن، ما زاد المشهد تعقيدا هو قرار المحكمة الاتحادية المفاجئ والذي لا رجعة فيه القاضي بعزل رئيس السلطة التشريعية في البلد محمد الحلبوسي من منصبه وانهاء عضويته في البرلمان بسبب التزوير. القرار الذي كان من المتوقع ان تكون له تبعات سياسية خطيرة تقلب المسيرة المهنية لأبرز زعيم حزب سياسي، ويعد أقوى سياسي سني في العراق.
القرار ورغم كل ما شابه من طعون واعتراضات، حتى وإن كانت لا قيمة قانونية لها باعتبار أن قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة لجميع السلطات، إلا إنه كان على مجلس النواب ووفقا للمادة 55 من الدستور والتي تنص على "ينتخب مجلس النواب في اول جلسة له رئيسا ثم نائبا اول ونائبا ثانيا بالأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر"
ومن ثم، إن أي قرار يصوت عليه البرلمان قبل اختيار رئيسا له غير دستوري وهذا ما استند عليه المختصين اثناء تقديمهم الطعن بالقرار الذي صوت عليه مجلس النواب والقاضي بتمديد عمل مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ستة اشهر من اجل اتمام انتخابات مجالس المحافظات وبعدها انتخابات برلمان اقليم كردستان.
إذاً، قرار التمديد الذي تم التصويت عليه في اول جلسة للبرلمان بعد قرار المحكمة اقالة الحلبوسي والتي كانت من المقرر وحسب القانون يجب ان تخصص لاختيار بديل للرئيس المعزول، ربما يكون مبرراً للطعن بشرعية إجراء الانتخابات، لأن قد يتم الطعن بقرار تمديد عمل المفوضية بسبب عدم قانونية الجلسة الثانية الخاصة بالتعديل الثاني لقانون مفوضية الانتخابات. ولذلك، قد يكون هذا الطعن، سواء أقرته المحكمة الاتحادية أو لم تقره، سيكون ورقة بيد قوى المقاطعة للاحتجاج بعدم شرعية الانتخابات.
خصوصاً، أن كتلة امتداد قدمت طعنها امام المحكمة الاتحادية العليا بعدم قانونية الجلسة وبالتالي عدم دستورية قرار التمديد. ومن المقرر ان تنظر المحكمة في الطعن المقدم امامها في الثالث عشر من كانون الاول الجاري أي ما قبل الانتخابات بثلاثة ايام فقط، ففي حال حكمت المحكمة بعدم قانونية الجلسة وبالتالي عدم دستورية التمديد فان القرار ممكن ان يفتح الباب امام خيارات عديدة قد يكون اهمها واولها تأجيل انتخابات مجالس المحافظات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram