TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: في رحيل محمد شكري جميل

كلاكيت: في رحيل محمد شكري جميل

نشر في: 6 فبراير, 2025: 12:04 ص

 علاء المفرجي

أهدى له والده كاميرا سينمائية، صنع بها فيلماً مدّته دقيقتان، ما جعله شغوفاً بهذا الفن، قبل أنْ يُنجز أوّل فيلم سينمائي له، الوثائقي الذي قدّمه أثناء إقامته في لندن: "طالب عراقي في لندن"، لتكرّ المسبحة بدءاً من منتصف خمسينيات القرن الـ20، مع نحو 20 فيلماً. أطلق سينمائيو العراق عليه لقب "عرّاب السينما العراقية". إنّه المخرج العراقي محمد شكري جميل، الذي توفي في 27 يناير/كانون الثاني 2025، عن 88 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض.
عمل جميل في السينما مُمثّلاً ومونتيراً وكاتب سيناريو، قبل أنْ يتخصّص في الإخراج السينمائي. قالت عنه الروائية الإنكليزية أغاتا كريستي، في افتتاح المتحف العراقي في بغداد، أواسط الخمسينيات الماضية، وكانت رفقة زوجها عالم الآثار مالوان: "اعتنوا بهذا الشاب وامنحوه فرصته، إذْ لمست فيه حسّاً سينمائياً وموهبة تحتاج الى عناية".
تعلّم السينما في "المعهد العالي للسينما"، في المملكة المتّحدة، قبل أنْ يبدأ حياته المهنية في لندن، حيث عمل في المونتاج باستديو "أمغول"، الذي كان يُنتج أفلام روبن هود. ثم انتقل إلى شركة "فيلم هاوس"، فالقاهرة حيث انضمّ إلى شركة الإنتاج العربي، التي كان يديرها صلاح أبو سيف. سنة 1953، بدأ إنتاج أفلامٍ وثائقية لصالح "وحدة الإنتاج السينمائي" في شركة نفط العراق، وعمل في أفلامٍ سينمائية عالمية، كـ"القط والفأر" لبول روثا، و"عين الثعلب في الصحراء"، وفيلم الرعب "التعويذة"، الذي صُوّرت مشاهده في الموصل، شمالي العراق.
فور عودته إلى العراق، عمل مع المخرج جرجيس يوسف حمد في إخراج فيلم "أبو هيلة" (1963)، وقبله في مونتاج الفيلم التاريخي "نبوخذ نصر" (1962) لكامل العزاوي، الذي يُعدّ أول فيلم عراقي مُلوّن. ثم أخرج "شايف خير" عام 1968، ليخوض بعدها التجربة الثالثة "الظامئون" (1972)، الذي كان فيلماً متماسكاً قوياً بكل تفاصيله، ويتمتّع بقيمة فنية وفكرية تجعل منه أثراً كبيراً. حصل هذا الفيلم على جائزة اتّحاد النقّاد السينمائيين السوفييت في "مهرجان موسكو" حينها. ثم كانت التجربة الرابعة "الأسوار" (1979)، التي نالت الجائزة الذهبية لـ"مهرجان دمشق الدولي" عام 1980. وبعدها "المسألة الكبرى" (1982)، و"عرس عراقي" (1988)، و"اللعبة" (1989)، و"الملك غازي" (1993).
كان "الظامئون" أفضل ما أنتجته السينما العراقية حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، وللمصادفة كان هذا رأي محمد شكري أيضاً، بعد "الحارس" (1967) لخليل شوقي. أمّا "المسألة الكبرى" فسيكون الفيلم الأعلى إنتاجاً في تاريخ السينما العراقية. أخرج جميل لاجقاً فيلمه الكبير "الأسوار" عام 1979، الذي يتحدّث عن المرحلة النضالية للشعب العراقي، ووقوفه إلى جانب الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي، بعد تأميم قناة السويس عام 1956، العام الذي شهد اندلاع انتفاضة بالعراق.
عام 1982، أخرج "المسألة الكبرى"، مع فنانين عراقيين وممثلين أجانب، بينهم أوليفر ريد. والفيلم يُعتَبر من أضخم إنتاجات السينما العراقية، ويتحدّث عن نضال الشعب العراقي ضدّ المحتلّ الإنكليزي و"ثورة العشرين". عام 1982 أيضاً، أخرج "المهمة مستمرة"، أول فيلمٍ روائي عن الحرب مع إيران.
آخر فيلم للمخرج الراحل كان "المسرات والأوجاع"، المُعَدّ عن رواية العراقي فؤاد التكرلي ذات العنوان نفسه.
محمد شكري جميل تعيش الفيلمَ معه، لأنّه يُحدّثك عن موقف أو شخصية أو فكرة أو حركة كأنّك تعيش الفيلم مثله. مَن لم يكن قريباً منه، يجده صعباً. تحتاج قبل أنْ تكتشفه إلى أن تخوض رحلةَ معرفةٍ به.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

 علي حسين عاش العلامة المرحوم محسن مهدي ينقب ويبحث في كتب التراث ويراجع النسخ المحفوظة في مكتبات العالم من حكايات ألف ليلة وليلة، ليقدم لنا نسخته المحققة من الليالي، يقول لنا فيها إنّ...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

التكامل الاقتصادي الإقليمي كبنية مستدامة للواردات غير النفطية

ثامر الهيمص المرض الهولندي تزامنت شدته علينا بالإضافة لاحادية اقتصاديا كدولة ريعية من خلال تصدير النفط الخام مع ملف المياه وعدم الاستقرار الإقليمي. حيث الاخير عامل حاسم في شل عملية الاستثمار إجمالا حتى الاستثمار...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram