حسين علي الحمدانيما يحدث الآن في العالم العربي يمكن تلخيصه بأنه أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم، وأزمة الثقة هذه وصلت حداً كبيراً بين وعود منذ عقود بالإصلاح وتمسك بالسلطة وصل حد التوريث، وغضب يجتاح العالم العربي بعضه بصوت عال والبعض الآخر مازال همسا وقد يرتفع الصوت في الأسابيع المقبلة فلا صوت يعلو فوق صوت الشعوب .
يشهد العالم العربي منذ بداية هذا العالم موجة غليان كبيرة، وكأن بركان الحرية قد فتح بعد أن ظل خامدا قرونا طويلة، والبعض يتساءل ما هي نتائج موجات الاحتجاجات الشعبية التي طالت دولا عدة؟ هل ستقود لإصلاحات جذرية أم إنها ستغير الأسماء فقط؟ وعلى ماذا يراهن الشعب العربي؟ هل يراهن على الغرب المتحضر وتفهمه لقضاياه؟ أم تراه يراهن على النخب السياسية المعارضة لأن تأخذ دورها؟أسئلة كثيرة طرحت نفسها بقوة دون أن تجد أجوبة لها، في تونس لم يحصل ثمة تغيير جذري وربما الجيش لعب دوره بشكل جيد في تنحية بن علي، ولا يمكن لنا أن نقول بأن هنالك تغييراً في هذا البلد ما لم تكن هنالك انتخابات ستكشف حجم هذا التغيير ونوعه وآلياته، حتى اليوم هنالك أكثر من 14 حزباً سياسياً في تونس قابلة للزيادة في الأشهر المقبلة، هؤلاء بالتأكيد سيدخلون بقوة في أية انتخابات قادمة في تونس وكل منهم يحلم بحكم هذا البلد بطريقته الخاصة دون أن نتجاهل حقيقة مهمة وهي إن ثمة بقايا لحزب بن علي مازالوا يسيطرون من مواقعهم على الكثير من أمور هذا البلد بما في ذلك أجهزة الإعلام والمؤسسات الاقتصادية.في مصر لم يحدث التغيير المتوقع وأخذت الانتفاضة المصرية طريق (اللا حرب واللا سلم) مع النظام بعد أن شهدت تصاعدا كبيرا ما بعد 25 يناير/كانون الثاني كان يمكن أن تشكل نقطة تحول كبيرة، وما تمخض حتى الآن الإسراع بالإصلاحات الدستورية وترتيب البيت المصري لمرحلة انتقالية ربما لا تسفر عن شيء مما يسعى إليه الشباب غير المؤدلج والبعيد عن الأحزاب المصرية التي بدأ بعضها يحصد ما زرعه شباب 25 يناير/كانون الثاني، وفي مقدمة هذه الأحزاب (الأخوان المسلمين) الذين انتزعوا اعترافاً رسمياً بأنهم حزب يجب محاورته بعد أن ظل محظورا سنوات طويلة.وبركان الحرية العربي، تحول إلى بركان إصلاحات في دول عدة من أجل تفادي موجات غضب عارمة قد تنطلق في هذا البلد العربي أو ذاك، اليمن سارعت وأعلنت لا تجديد ولا توريث ولا تصفير، والبعض ربما لا يعرف ما معنى التصفير، فقط أولئك الذين يبيعون ويشترون السيارات يعمدون لتصفير عداداتها لتبدو جديدة غير مستهلكة، الرئيس اليمني قال لا تصفير وهو يعني بأن ما تبقى من ولايته هي السنوات الأخيرة التي سيقضيها في حكم اليمن الموحد، في سوريا إصلاحات اقتصادية، وكذلك الأردن وحتى العراق أصابه من بركات تونس ومصر الكثير، تعويضات البطاقة التموينية المهددة بالانقراض والتلاشي، رغم إن البعض وجد في مبلغ الـ15 ألف دينار مبلغا زهيداً، لكن البعض الآخر وجده جزءاً من الحل وليس الحل برمته،وما يمكن أن يحدث في العالم العربي الآن هي موجة إصلاحات طوعية، فالدرس المصري كبير جدا، تأخر الإصلاحات جعل الشارع المصري يلتهب وبالتالي فالأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية سارعت إعلاميا وربما تشريعيا بجملة من الإصلاحات التي قد تمنع حدوث انتفاضات كالتي حدثت في مصر وتونس، ولكن السؤال المهم هل ستكون هنالك فعلا إصلاحات أم امتصاص نقمة؟ وهل الشارع العربي يثق بحكامه على إنهم يحولون أقوالهم إلى أفعال في الأيام القادمة أم إنها مجرد انحناءة أمام عاصفة قوية؟ ما يمكن أن نستنتجه بأن الشعوب العربية باتت لا تثق بحكامها، والبعض منها لا يكتفي بتنحيهم وتركهم يخرجون بأمان من البلد، لأن هذا يعني بأن عشرات المليارات من الدولارات ستخرج معهم وبالتالي على الشعب أن يبدأ من الصفر.لهذا نجد بأن الشباب العربي اختار أيام الغضب طريقا يسلكه في ظل غياب أحزاب المعارضة في الكثير من الدول العربية وبات الفيسبوك والتكنولوجيا الحديثة هي السلاح الذي لا يمكن مقاومته.
أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم
نشر في: 11 فبراير, 2011: 05:37 م