متابعة/ المدى
في ظل الحديث عن ملف تسليح الجيش العراقي، لا سيما خلال الأعوام القليلة الماضية، لفت برلمانيون إلى وجود مساع حكومية لتطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي وعموم القوات المسلحة خلال المرحلة المقبلة، لمواجهة تحديات قد تواجهها البلاد، فيما بيّن مختصون أن الخطوة المتأخرة جاءت بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، فضلاً عن كونها خطوة لمواجهة السلاح خارج إطار الدولة.
وأولت الحكومة منذ تشكيلها في 2022 اهتماماً بتطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي. وكان السوداني، وهو القائد العام للقوات المسلحة، قد راجع، في تشرين الأول الماضي، ملف التسليح، وفق بيان للجيش، "في ضوء استراتيجية تطوير القوات الأمنية التي تم إقرارها (آذار 2024 لإصلاح القطاع الأمني 2024-2032)، والمذكرات الثنائية الموقعة مع الدول المتقدمة في هذا المجال، مع إيلاء الاهتمام اللازم لهذا الموضوع الذي يمثل إحدى أولويات الحكومة".
كما وجّه، في عام 2022، "بإعادة النظر في آليات التعاقد في ضوء الأولويات المدروسة وتقديم الدفاع الجوي في جانب التسليح والتجهيز"، بحسب ما جاء في بيان لمكتبه حينها، كما "وجّه بالتنسيق الدقيق مع وزارة المالية من أجل رصد المبالغ التي تتطلبها الخطّة التسليحية".
وقد تضمنت الموازنة المالية للبلاد للعام 2025 تخصيصات مالية لوزارة الدفاع لأجل إبرام صفقات التسليح، وهي بدورها في انتظار إقرار الموازنة للتعاقد مع الجانب الفرنسي لتزويد العراق بطائرات كاراكال، والتعاقد مع كوريا الجنوبية لتزويد الجيش بمنظومة دفاع جوي، بحسب خطة الوزارة.
وأمام ملف تسليح الجيش العراقي مشاكل كثيرة، أبرزها سياسية وأخرى متعلقة بالفساد المستشري في البلاد، لا سيما الصفقات التي أبرمتها حكومتا رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بين 2006 و2014، وأبرزها صفقة السلاح الروسية.
المالكي وقّع خلال زيارته إلى موسكو في 12 تشرين الأول 2012، صفقة بقيمة 4.2 مليارات دولار، ألغتها بغداد في العام نفسه وسط ما أُثير حولها من شبهات فساد كادت أن تطيح رؤوساً كبيرة في حكومته.
وأدى ذلك إلى مباشرة القضاء العراقي تحقيقاته، قبل أن يغلق القضية في تشرين الثاني 2014 لـ"عدم كفاية الأدلة".
ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علاوي البنداوي، إن "الحكومة وضعت خطة لتطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي وباقي الصنوف الأمنية والعسكرية".
وأضاف أن "هناك تحركاً حكوميا نحو شراء طائرات جديدة من فرنسا، إضافة إلى منظومات دفاع جوي متطورة من كوريا الجنوبية، وقد تم توفير التخصيصات المالية اللازمة لهذه الصفقات".
إلا أن هذه الخطوة متأخرة، بحسب البنداوي، الذي قال إن "العراق تأخر كثيراً في ملف تطوير أسلحة قواته المسلحة بسبب المشاكل السياسية التي مرّ بها خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب بعض المشاكل الأمنية، وأزمة توفر السيولة المالية لإبرام عقود (تسليح) كهذه".
وأشار البنداوي الى، أن "المرحلة الحالية تتطلب تطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي خصوصاً أن المنطقة ربما تكون مقبلة على أحداث أمنية وعسكرية مختلفة، ويجب أن يكون العراق مستعداً لأي طارئ".
وحول عقود التسليح، أشار إلى أن "العراق كانت لديه صفقات تسليح عدة مع الجانب الروسي، لكنها توقفت منذ فترة طويلة بسبب العقوبات الأميركية"، مضيفاً أن "هناك حراكاً حكومياً عراقياً من أجل استثناء العراق من تلك العقوبات لإكمال صفقات التسليح، فالجانب الروسي مهم في ملف التسليح بالنسبة للعراق".
من جهته، يذكر عضو مجلس النواب كاظم الفياض، أن "العراق تأخر في تطوير القدرات التسليحية للجيش "بسبب سوء الإدارة والفساد، خصوصاً أن معظم صفقات التسليح السابقة تشوبها شبهات فساد مالي وإداري مختلفة".
وأضاف ان "ذلك عطلّ تطوير أسلحة القوات المسلحة العراقية، رغم أن الأموال كانت مخصصة لهذا الجانب"، مبينا أن "التطورات الأمنية والعسكرية الأخيرة في سورية وعموم المنطقة دفعت العراق إلى التحرك من جديد نحو تطوير أسلحة الجيش وباقي الصنوف العسكرية".
وأشار الفياض الى، أن "الحكومة أدركت الخطر الأمني، وعرفت أن هذا الخطر يجب أن يواجه عبر أسلحة حديثة ومتطورة، لمنع تكرار أي انتكاسة أمنية وعسكرية كما حصل في عام 2014".
من جهة أخرى، فإن هناك ارتباطاً بين تطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي والسلاح المتفلت في البلاد، إذ لفت الفياض إلى أن "تطوير أسلحة الجيش مهم جداً لمواجهة السلاح خارج إطار الدولة خلال المرحلة المقبلة". وباعتقاده، فإنه "يجب أن يكون سلاح الجيش أكثر تطوراً وفاعلية من الجماعات المسلحة"، موضحاً أن تطوير أسلحة الجيش "له علاقة بتحرك الحكومة نحو الحد من سلاح الفصائل، التي أعلنت ذلك بشكل رسمي عبر تصريحات رسمية لوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قبل أيام، قائلاً إن بغداد تحاول إقناع الفصائل المسلحة بإلقاء أسلحتها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية".
إلى ذلك، قال المستشار العسكري السابق بوزارة الدفاع، اللواء المتقاعد صفاء الأعسم، إن "سلاح الجيش العراقي يعتبر من الأسلحة غير المتطورة"، عازياً ذلك إلى "تأخير صفقات التسليح المهمة من الطائرات ومنظومات الدفاع، وكذلك الأسلحة الخفيفة القتالية المتنوعة".
ووفق الاعسم، فإن هذا الأمر له أسباب عدة وعوامل داخلية وخارجية "أبرزها الفساد وعدم وجود إرادة سياسية، كي يبقى الجيش ضعيفاً".
وأضاف أن "العراق أدرك خطورة ما يجري في الساحة الإقليمية، خصوصاً أحداث سورية، ولهذا تحرك نحو عقد صفقات تسليح مع الجانب الفرنسي وكذلك مع كوريا الجنوبية، ويبحث عن دول أخرى"،
وأوضح، أن "العراق يريد تطوير سلاح الجيش وباقي الصنوف القتالية لمواجهة أي تحد أمني مرتقب قد يحصل".
ولفت الأعسم في هذا السياق إلى "تخوّف كبير وقلق عراقي من تنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي السورية وفي المخيمات والسجون التي يوجد فيها عناصر هذا التنظيم".
وحول ارتباط مساعي تطوير القدرات التسليحية للجيش العراقي بالحد من سلاح الفصائل، بيّن الأعسم أنه "من غير المستبعد أيضاً أن يكون تحرك العراق نحو تطوير أسلحة قواته المسلحة له علاقة بقضية الحراك الحكومي نحو الحد من سلاح الفصائل"، مضيفاً أن "مواجهة هذا السلاح خارج إطار الدولة، تحتاج الى إمكانيات عسكرية رادعة".
ولفت إلى أن هذا الأمر "قد يدفع نحو دعم دولي للعراق بمجال تطوير سلاحه، لأن إنهاء ظاهرة سلاح الفصائل مدعوم دولياً بشكل كبير".
المصدر: العربي الجديد