TOP

جريدة المدى > سياسية > العطش هو الوقود.. كيف أصبح التغير المناخي سبباً للصراعات العشائرية في جنوبي العراق؟

العطش هو الوقود.. كيف أصبح التغير المناخي سبباً للصراعات العشائرية في جنوبي العراق؟

نشر في: 9 فبراير, 2025: 12:03 ص

بغداد / محمد العبيدي
لم يكن العطش يوماً سبباً للدماء، لكنه اليوم يشعل نزاعات مستمرة في جنوبي العراق، فمع تقلص موارد المياه وشح الأمطار، وجدت العشائر نفسها أمام معركة من نوع آخر، لا تُحسم بالسيوف بل بالرصاص.
وسجّلت محافظة ميسان مؤخرًا سقوط شخصين وإصابة ثالث إثر نزاع عشائري اندلع بسبب خلافات حول المياه، بحسب شرطة المحافظة، في وقت شهد قضاء الكحلاء نزاعاً مماثلاً تسبب بمقتل خمسة أشخاص، وسط تصاعد النزاعات المرتبطة بشح المياه وتراجع الموارد المائية.
وتعاني محافظات الجنوب من تراجع حصتها المائية بشكل غير مسبوق، حيث تشير تقارير وزارة الموارد المائية إلى أن التدفقات القادمة من نهري دجلة والفرات انخفضت إلى أقل من 50% من معدلاتها الطبيعية، ما أثر بشكل مباشر على الأراضي الزراعية وأدى إلى جفاف آلاف الهكتارات من المحاصيل الأساسية.
وتفاقمت الأزمة مع تقليص تركيا وإيران لحجم الإطلاقات المائية، في ظل محدودية الخزين الستراتيجي للعراق وعدم قدرة الحكومة على إيجاد حلول بديلة.
ويؤكد خبراء في الموارد المائية أن البصرة وذي قار وميسان هي الأكثر تضرراً، حيث تراجعت المساحات المزروعة بشكل حاد، فيما زادت نسبة ملوحة المياه في شط العرب، ما أدى إلى هجرة العائلات الريفية نحو المدن بحثاً عن مصادر دخل بديلة.
ومع غياب سياسات حكومية واضحة لمعالجة المشكلة، تجد العشائر نفسها في صراع مستمر للحفاظ على ما تبقى من حصصها المائية وسط تزايد النزاعات المسلحة.
نزاعات الفلاحين و»أهل الأهوار»
بدوره، أكد الخبير البيئي جاسم الأسدي، أن «شح المياه لا يزال قائماً في عدد من الأهوار، خاصة في هور الحويزة جنوبي العراق، حيث لا يقتصر تأثير نقص المياه على المشهد الطبيعي والتنوع الأحيائي، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر على المجتمعات المحلية التي تعتمد على الموارد المائية في معيشتها».
وأوضح الأسدي لـ(المدى) أن «النزاعات تتفاقم بين مختلف الفئات التي تعتمد على المياه، مثل مربي الجاموس والأسماك ومزارعي الأعلاف الخضراء، وبين القرى التي تعتمد على الزراعة في مقدمات الأنهار، حيث شهدت منقطة (أبو زرك) في قضاء النصر بميسان، مشكلات بين الفلاحين وسكان الأهوار، إضافة إلى خلافات بين سكان المناطق المتاخمة لهور المشرح بسبب نقص المياه».
وأشار إلى أن «استهلاك المياه يكون مرتفعاً في مقدمات الأنهار، في حين تعاني المناطق الواقعة في المؤخرة، خاصة المناطق الزراعية والقنوات العميقة، من نقص حاد، ومن المتوقع أن تتكرر هذه الأزمة بشكل أكبر مع حلول فصل الصيف، الذي سيشهد انخفاضاً إضافياً في الموارد المائية بسبب قلة الإيرادات المائية».
وأضاف أن «على العراق البدء بمحادثات جدية مع تركيا وإيران لضمان الحصول على حصصه المائية العادلة، فحتى الآن لا تزال الاتفاقيات الموقعة غير ملزمة ولا ترقى إلى اتفاقات حقيقية، ورغم أن أفضل اتفاقية لدينا كانت عام (1946)، إلا أن المباحثات الحالية متعثرة وإنشائية».
صيف ثقيل
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الناصرية والعمارة والبصرة سجلت معدلات نزوح مرتفعة خلال السنوات الأخيرة، مع تصاعد أزمات السكن والخدمات الأساسية، ومع استمرار الأزمة، يحذر الخبراء من أن أزمات اقتصادية واجتماعية أعمق، نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي والضغط المتزايد على البنية التحتية والخدمات في داخل المدن.
وما يزيد المخاطر أن العراق سيواجه عاماً جافاً بامتياز خلال الصيف المقبل، وفقاً لتحذيرات وزارة الموارد المائية، نتيجة تناقص كميات الأمطار والثلوج الهاطلة، ما يفاقم أزمة شح المياه التي تعاني منها البلاد، وتواجه المحاصيل الزراعية، خصوصاً الحنطة والشعير والرز، تهديداً متزايداً، حيث يعتمد المزارعون على الأمطار في رية الفطام، والتي تعد أساسية للحفاظ على الإنتاج الزراعي.
وبحسب وزير الموارد المائية عون ذياب، فإن العراق قد يواجه شحاً شديداً في المياه خلال الصيف المقبل، مشيراً إلى أن «موسم الأمطار خلال شهري آذار ونيسان سيكون حاسماً في تحديد حجم الأزمة».
وأوضح في تصريحات صحفية، أن «استمرار تناقص كميات الأمطار والثلوج الهاطلة سيؤثر بشكل مباشر على مخزون السدود والخزانات، ما يزيد من مخاطر الجفاف، ويضع الزراعة في مواجهة تحديات كبيرة، خاصة في المحافظات الجنوبية التي تعتمد بشكل رئيسي على مياه الري».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

بغداد ملتزمة بـ
سياسية

بغداد ملتزمة بـ"التوازن".. والتطبيع مع سوريا يتعثر بسبب "مخاوف الإطار"

بغداد/ تميم الحسن تستمر بغداد بالسير على خيط التوازن الرفيع، إذ تضغط واشنطن على العراق لإيقاف التمدد الايراني، فيما يعمل أطراف بالداخل على عكس ذلك. ويتعين على بغداد استئناف ضخ النفط من كردستان، والا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram