ذي قار / حسين العامل
زحفت الجرافات خلال اليومين المنصرمين لتهد أقدم قلعة سينمائية في ذاكرة مدينة الناصرية (دار سينما الاندلس) وهو ما قوبل باستهجان الأوساط الثقافية والفنية التي ترى في هذه الخطوة عدم اكتراث بمصير المواقع التراثية التي ظلت مهملة على مدى 22 عاما، فيما اكدت مفتشية اثار وتراث ذي قار تحركها لوقف العمل وإقامة دعوى قضائية، وذلك بعد فوات الأوان.
وقال مفتش اثار وتراث ذي قار شامل إبراهيم الرميض لـ(المدى) ان "مفتشية اثار ذي قار والهيئة العامة للآثار والتراث اقامتا دعوتين قضائيتين لوقف اعمال إزالة بناية سينما الاندلس"، وأوضح ان "العمل توقف في الوقت الحاضر وننتظر الإجراءات القضائية".
ويجد الرميض ان "اعمال التهديم ازالت جزءا كبيرا من البناية وان ما يمكن تداركه في هذا المجال هو إعادة بناء الواجهة في المشيدات المستقبلية وفق الطراز التراثي الذي تقترحه هيئة الاثار او وفق التصميم القديم، حتى لو كان استخدام البناية لغير المجالات السينمائية".
مشيرا الى ان "البناية ملك صرف خاص لاحد الأشخاص من أهالي الناصرية وانه انتظر أكثر من 20 سنة لحسم اجراءات شراء البنائية من قبل المؤسسات الحكومية غير ان عدم توفر التخصيصات المالية الكافية حال دون ذلك". وكشف الرميض عن عدة مخاطبات مع الدوائر المعنية بهذا الصدد. وكانت (المدى) قد نشرت قبل نحو 10 أعوام تحقيقا موسعا حول واقع دور السينما في الناصرية اشار فيه رئيس نقابة الفنانين في ذي قار علي عبد عيد إن "نقابة الفنانين سبق وأن طالبت الحكومة المحلية من خلال المؤتمرات الفنية والثقافية ودعتها في كل مناسبة الى أن تلتفت الى دور السينما في المحافظة وأن تعيد ألق دور السينما لكن لم نلمس أي شيء منهم حتى الان". وخلص عيد الى القول إن "هناك إهمال واضح للثقافة والفنون في المحافظة".
وبدوره علق الناقد المسرحي الدكتور ياسر البراك على ما آل اليه مصير سينما الاندلس انه "تم تهديم وإزالة آخر سينما في مدينة الناصرية (سينما الأندلس الشتوي) ، معمار آخر من هوية الناصرية المدنية يُزال وتُزال معه عقود طويلة من ذكريات المُشاهدة السينمائية"، وأضاف معلقا على خبر إقامة الدعوى القضائية (بعد خراب الأندلس).
ويذكر الباحث محمد رحيم الجوراني في كتابه (موسوعة الوقائع المنسية لمدينة الناصرية) ان "سينما الاندلس أسسها المرحوم (الحاج طالب عام 1947م) وكما هو مثبت على واجهة السينما، وقد أشرف على بنائها (عبد علي البغدادي)، وكان عمال البناء من (خانقين) وشيدت بتصميم رائع وعلى طراز القلاع الرومانية، وكانت شاهقة عن بنايات مدينة الناصرية في ذلك الوقت. ولسينما الاندلس ذكريات جميلة مازالت عالقة في اذهان أهالي الناصرية الذين يستعيدون ذكرها بين الحين والأخر رغم توقف عروض السينما المذكورة منذ اكثر من 20 عاما، اذ يكتب الروائي نعيم عبد مهلهل في عام 2023 وهو يستذكر جانبا من مشاهد هذه التحفة المعمارية "اغلب الذين كانوا يبهروننا في شاشة هذه السينما الخالدة (سينما الاندلس)، أما ان ماتوا أو هرموا. وحتى البناية تم الغاءها كصالة للعرض السينما وتحولت الى ورش للنجارة والحدادة، عندما اتت الفضائيات والعولمة بشاشاتها البيتية"، وأضاف "كثير من سحر الحاضر ظل مختبئا في ثياب الماضي ولن يعود او يتكرر، وما تبقى سوى الذكريات والصور ومن استطاع ان يحتفظ بالمجلات القديمة".
وكانت مدينة الناصرية تضم (6) دور سينما في مركز المحافظة، تتمثل بسينما الأندلس الشتوي والصيفي والبطحاء الشتوي والصيفي وسينما بهو الإدارة المحلية وسينما الشعب الصيفي، فضلاً عن سينما أخرى ضمن متنزه الناصرية، وهذه الأخيرة محدودة العروض ولم تستخدم كثيراً كونها سينما مكشوفة وتعود لدائرة البلدية، وجميع هذه الدور اما ازيلت او أغلقت وتحول بعضها الى مزاولة نشاطات مختلفة كتحويلها الى مخازن او مرائب للسيارات وغير ذلك.