حازم مبيضين
شوارع مصر وميادينها على موعد اليوم، مع مليونيات إما معارضة أو مؤيدة لقرارات الرئيس الإخواني محمد مرسي، فقد أعلنت قوى المعارضة رفضها الاستفتاء على مشروع الدستور، ودعت إلى تظاهرات احتجاجية، وأكدت رفضها القاطع لقرارات مرسي الصادمة، واعتبرتها تحدياً صارخاً للملايين في مصر، وشددت على أن تنظيم الاستفتاء وسط حالة الغليان، وتهديدات مليشيات الإخوان، يعكس غياب روح المسؤولية لدى نظام مغامر، محذرة من إجراء الاستفتاء في ظل غياب واضح للأمن، وحملة تهديد وابتزاز. وفي الضفة الثانية قرر ائتلاف القوى الإسلامية، تنظيم تظاهرتين اليوم دعماً لمرسي ودستوره، وأكد ضرورة إجراء الاستفتاء على الدستور في موعده، دون تعديل أو تأجيل، محذراً المتلاعبين بإرادة الشعب، من محاولة اغتصاب الدولة، أو الانقلاب على الشرعية، مضيفا أن كل الخيارات مفتوحة أمام القوى الإسلامية، للحفاظ على الشرعية ومؤسسات الدولة المنتخبة.
مصر اليوم تخوض امتحاناً قاسياً ومصيرياً، مع تزايد المخاوف من تحول الاحتقان السياسي نحو مزيد من أحداث العنف، على غرار ما حدث قبل أيام من صدامات سال فيها الدم، وهو ما سيؤدي إلى انقسامات عميقة في المجتمع المصري، الطالع للتو من تجربة حكم العسكر، إلى فضاء كنا نظنه ديمقراطياً، قبل أن تنقض القوى الإسلاموية على منجزات ثورة، لم تفجرها أو تكون صاحبة دور أساسي فيها، وهي تسعى اليوم لتكبيل البلاد بدستور تم سلقه على عجل، وهو دستور يصفه معارضوه بالمعيب، لافتقاده ضمانات المساواة بين المصريين، وتجاهل حقوق الكثير من الفئات.
في حين تلجأ المعارضة إلى الشارع، وهو ميدانها الوحيد، فإن جماعة الإخوان الحاكمة تزاحمها فيه، في مفارقة لم تشهدها أي ديمقراطية في العالم، إذ ظل التظاهر تأييداً للنظام حكراً على الأنظمة الشمولية، التي يبدو أنها مثال يستهوي الإخوان ويسعون لتكراره، وهم في الوقت عينه يلجأون لأساليب أخرى يمكن وصفها بالترهيبية، حيث اتهم أحد المحامين عدداً من رموز المعارضة بتدبير مؤامرة لقلب نظام الحكم، ومنهم المرشحان السابقان للرئاسة أحمد شفيق وحمدين صباحي إضافة إلى المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العُليا، وأحمد الزند رئيس نادي قضاة مصر، ومصطفى بكري رئيس صحيفة الأسبوع، وهذه بالطبع طرفة من المضحكات المبكيات، تستهدف بسذاجة مفرطة صرف الأنظار عما يجري في شوارع مصر وساحاتها.
مهم هنا ملاحظة دور المؤسسة العسكرية، التي حكمت مصر أكثر من ستة عقود، ثم عادت إلى ثكناتها مفسحة المجال أمام القوى السياسية، لأداء دورها في الحكم، لكنها لم تتنازل عن دورها، في "وضع مصلحة الوطن وأمنه القومي فوق كل اعتبار، وعن أداء مهامها الوطنية بكل نزاهة وحيادية، دون أن تنحاز لأي طرف أو فصيل سوى الشعب المصري"، بحسب بيان صادر عن قيادتها دعا للحوار للوصول إلى توافق، يحقق مصالح الوطن والمواطنين، وأكد أنها لن تسمح بدخول البلاد في نفق مظلم، ويعني هذا بوضوح، أن انقلاباً عسكرياً قد يكون المخرج من الوضع الراهن البائس، وأن مصر ستفقد نجاحات ثوارها، على مذبح شهوة السلطة، التي تحكم كل تصرفات الإخوان وقراراتهم.
على وقع ما يجري في الشارع اليوم، حيث ينظر الإخوان إلى أنفسهم، باعتبارهم الوحيدين المالكين للحقيقة، متجاهلين أن من يعارضهم اليوم، هم من أسقط حكم مبارك، بثورتهم التي قدموا فيها العديد من الشهداء، وهم على استعداد كامل اليوم للمضي في ما بدأوه، سعياً للعيش في دولة مدنية، تسودها الديمقراطية ويتساوى فيها الجميع، على قاعدة أن الدين لله والوطن للجميع، سيتقرر إن كانت مصر ستتحول إلى دكتاتورية، تستمد قوتها من السماء، أو ديمقراطية يكون فيها الحكم للشعب، ولن يكون الحسم بين الخيارين سهلاً، ودونه المزيد من الفوضى والدم والخسارات التي سيتحملها المواطن، وسيدفع أكلافها من دمه ومستقبل أجياله القادمة.
مصر تحتكم إلى الشارع
[post-views]
نشر في: 10 ديسمبر, 2012: 08:00 م