TOP

جريدة المدى > سياسية > جهات متنفذة تحتكر المعامل المعطلة.. 90 مصنعاً متوقف والبضائع المستوردة تغرق الأسواق

جهات متنفذة تحتكر المعامل المعطلة.. 90 مصنعاً متوقف والبضائع المستوردة تغرق الأسواق

عجلة "الصناعة المحلية" راكدة في العراق

نشر في: 19 فبراير, 2025: 12:11 ص

بغداد/ تبارك عبد المجيد
في شوارع المناطق الصناعية العراقية، حيث يفترض أن تعج الورش والمصانع بالحركة والنشاط، أصبح الصمت هو السائد، والأبواب مغلقة بالشكل الذي يعكس حجم الأزمة التي يعيشها قطاع الصناعة.
تلك المصانع المتوقفة، التي يفترض أن تكون مصدرًا للإنتاج والتشغيل، باتت تمثل عبئًا اقتصاديًا بدلًا من أن تكون محركًا للنمو.
وبات العراق شبه خالٍ من الصناعات المحلية، وفقًا لما يؤكده الناشط السياسي علي القيسي لـ (المدى)، الذي يشير إلى أن الاعتماد شبه الكلي على المنتجات المستوردة جعل العراق يفقد استقلاله الصناعي، مما أضعف اقتصاده وزاد من تبعيته للأسواق الخارجية.
ويرى القيسي أن "المحاصصة الحزبية والفساد الإداري كانا من العوامل الأساسية التي أسهمت في تدهور القطاع الصناعي، حيث أصبحت القرارات المتعلقة بالصناعة خاضعة للمصالح الضيقة للأحزاب المتنفذة بدلًا من أن تكون مبنية على خطط وطنية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة.
لكن المشكلة لا تتوقف عند سوء الإدارة فقط، فبحسب القيسي، هناك العديد من المصانع التي أصبحت محتكرة من قبل جهات متنفذة، مما يعوق أي محاولة جادة لإصلاح القطاع أو إعادة تشغيل المصانع المتوقفة. هذا الاحتكار، كما يوضح، جعل من الصعب على المستثمرين الحقيقيين الدخول إلى القطاع الصناعي، وأدى إلى تراجع الإنتاج المحلي، وترك السوق العراقي مفتوحًا أمام البضائع المستوردة دون منافسة حقيقية.
ويضيف القيسي أن "غياب الدعم الحكومي الفعّال للصناعة، إلى جانب تفشي الفساد، جعل البيئة الاستثمارية غير مشجعة، حيث يواجه أي مشروع صناعي عقبات بيروقراطية وعراقيل إدارية تجعل من الصعب تحقيق أي تطور حقيقي".
وبينما تستمر الصناعة المحلية في التراجع، يستمر العراق في استيراد كل شيء، من المنتجات الأساسية إلى السلع الكمالية، مما يضع الاقتصاد في وضع هش ويجعل البلاد عرضة لأي أزمة اقتصادية أو تقلبات في الأسواق العالمية.
في ظل هذا الواقع، يشدد القيسي على "ضرورة وضع سياسات واضحة وصارمة لإعادة بناء القطاع الصناعي، تبدأ بمحاربة الفساد، وإنهاء احتكار المصانع من قبل الجهات المتنفذة، ودعم المستثمرين الحقيقيين الذين يسعون إلى تطوير الإنتاج المحلي".
ويرى أن "العراق لن يتمكن من استعادة عافيته الاقتصادية ما لم يتم تحرير الصناعة من قبضة الفساد والمحاصصة، ووضع خطط تنموية حقيقية تضمن بناء قاعدة صناعية قوية ومستدامة".
هدر للمال!
من جانبه، يقول عامر الجواهري، المستشار في مجال التنمية الصناعية، أن "العراق يواجه تحديًا كبيرًا بسبب تعطل عدد هائل من المصانع، إذ يوجد نحو 90 مصنعًا متوقفًا من أصل 3008 مصانع، ما يعني هدرًا هائلًا للطاقات الإنتاجية التي يمكن أن تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني، لكن المشكلة لا تتوقف عند ذلك، فاستمرار الحكومة في دفع رواتب العاملين في هذه المصانع دون إنتاج حقيقي يزيد من الأعباء المالية، ويجعل هذه المؤسسات مجرد كيانات مجمدة لا تقدم أي قيمة اقتصادية".
وأوضح الجواهري لـ(المدى)، أن "العراق بدأ منذ عام 2010 بوضع خطط لإعادة هيكلة القطاع الصناعي، حيث جرت دراسة تفصيلية لحالة المصانع، وتم تصنيفها إلى أربع فئات رئيسية: مصانع متدهورة تمامًا لا يمكن إعادتها للعمل، مصانع متدهورة جزئيًا يمكن إصلاحها، مصانع لا تزال تعمل ويمكن تطويرها، وأخيرًا مصانع يمكن أن تستمر تحت إدارة الدولة. هذه الدراسة، كما يقول الجواهري، هدفت إلى تقييم الوضع الإنتاجي لهذه المصانع، وتحديد السبل المثلى لاستغلال إمكانياتها بدلًا من بقائها معطلة".
وتابع بالقول، إنه "من غير المعقول أن "تظل هذه المصانع متوقفة بينما تدفع الدولة رواتب للعاملين فيها دون أي إنتاج فعلي"، مؤكدًا أن "الحل لا يكمن فقط في إعادة تشغيل المصانع، بل في تحديثها والاستفادة من الخبرات المتاحة لتطوير الإنتاج بما يتناسب مع احتياجات السوق".
ويرى الجواهري أن "إحدى الطرق الفعالة لحل هذه الأزمة هي تبني نموذج الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص، بحيث يتم إدخال التكنولوجيا الحديثة وتحديث أساليب الإدارة والإنتاج، مما يسهم في إعادة تشغيل المصانع وتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانياتها، كما يقترح تحويل بعض المصانع إلى شركات مساهمة عامة تحتفظ الحكومة بحصة 25% منها، مما يسمح بجذب الاستثمارات الخاصة، ويخلق بيئة صناعية أكثر تنافسية وكفاءة".
"قدمنا في عام 2010 دراسة مفصلة حول كيفية تحويل الشركات العامة إلى شركات مساهمة"، يقول الجواهري، موضحًا أن هذه الخطوة يمكن أن تكون نقطة تحول في مسيرة الصناعة العراقية، من خلال تحفيز القطاع الخاص وزيادة الاستثمارات الصناعية، بما يضمن استدامة الإنتاج وتطويره.
لكن الوقت ليس في صالح العراق، بحسب الجواهري، "فإذا لم يتم التحرك سريعًا، ستتحول هذه المصانع من أصول صناعية إلى مجرد هياكل معدنية متهالكة تباع كخردة، والأراضي التي أقيمت عليها قد تتحول إلى مشاريع تجارية بعيدة تمامًا عن الصناعة، ولهذا، فإن أي تأخير في اتخاذ الإجراءات اللازمة سيعني المزيد من التدهور، وفقدان فرص ثمينة للنهوض بالقطاع الصناعي".
وشدد الجواهري على أن "تحديث الصناعة العراقية ضرورة ملحّة، لا تقتصر فقط على إعادة تشغيل المصانع، بل تشمل أيضًا إدخال التكنولوجيا الحديثة، وتوسيع خطوط الإنتاج، وزيادة الكفاءة التشغيلية، بحيث تصبح الصناعة العراقية قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية. فالعالم يشهد تغيرات كبيرة في ظل الثورة الصناعية الرابعة، والعراق لن يتمكن من اللحاق بهذه التغيرات إذا لم يستغل إمكانياته البشرية والمادية بشكل فعال".
"إذا لم نتحرك الآن، فإننا نخاطر بخسارة الكثير من الفرص"، بهذه العبارة يختتم الجواهري، مؤكدًا أن الصناعة الوطنية يمكن أن تكون ركيزة أساسية في بناء اقتصاد قوي ومستدام، لكن ذلك لن يتحقق إلا من خلال قرارات جريئة وإصلاحات حقيقية تُعيد الحياة إلى المصانع العراقية، وتُحوّلها إلى محركات للنمو بدلًا من أن تبقى مجرد أطلال لماضٍ صناعي مجيد.
غياب الرؤية الصناعية!
كانت أصوات الماكينات تضج بالحياة، وحركة العمال لا تهدأ، اما اليوم فباتت المصانع مهجورة، وأصبحت الممرات التي كانت تعج بالنشاط تعكس صورة حزينة لصناعة تحتضر. هذا المشهد، كما يصفه الباحث بالشأن الصناعي عبد الحسن الشمري، ليس سوى انعكاس لما آل إليه القطاع الصناعي في العراق، الذي تعرض لسنوات من التراجع بفعل الإهمال الحكومي والسياسات غير الملائمة.
ويؤكد الشمري لـ(المدى)، أن "المصانع العراقية، سواء الكبيرة منها أو المتوسطة والصغيرة، لم تعد قادرة على الصمود أمام التحديات الجسيمة التي تواجهها، فالغياب شبه التام للدعم الحكومي وافتقار الصناعة للرقابة والتشجيع جعلا العديد من المصانع تتوقف عن العمل، تاركة خلفها عمالًا بلا وظائف، ورجال أعمال يواجهون الإفلاس، وخبرات صناعية تضيع دون استثمار".
وعند التجول في أي منطقة صناعية في بغداد، لا يحتاج المرء إلى كثير من البحث ليدرك حجم الأزمة، المصانع خاوية، والورش مغلقة، وأصحاب الخبرة الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لهذه الصناعة غادروا بحثًا عن فرص أفضل، سواء داخل البلاد أو خارجها، والمفارقة الكبرى أن الأسواق العراقية تمتلئ بالبضائع المستوردة، التي تأتي من دول عدة، معظمها رديء الجودة، لكنه يباع بأسعار منخفضة تجعل المنافسة غير عادلة بالنسبة للمنتج المحلي.
هذه السلع الأجنبية، كما يوضح الشمري، لم تقتصر فقط على مزاحمة المنتج العراقي، بل كانت أحد الأسباب الرئيسية في إضعافه، حيث باتت المصانع المحلية غير قادرة على منافسة البضائع المستوردة التي تغرق السوق بأسعار زهيدة، مما جعل المستهلك يفضلها على المنتجات العراقية، حتى وإن كانت أقل جودة.
ويشدد الشمري على أن "العراق فقد هويته الصناعية منذ عام 2003، إذ لم تعد هناك رؤية واضحة لدعم المنتج الوطني، وهو ما انعكس سلبًا على الاقتصاد ككل. فبلد بلا صناعة وطنية متينة لا يمكنه تحقيق التنمية الحقيقية، ولا يستطيع بناء اقتصاد قوي ومستدام".
ويدعو الشمري الحكومة إلى "اتخاذ خطوات جادة وسريعة لإنقاذ ما تبقى من القطاع الصناعي، فإعادة تشغيل المصانع المتوقفة، وتوفير بيئة استثمارية مناسبة، ووضع سياسات تحمي المنتج المحلي من المنافسة غير العادلة، كلها خطوات لا بد منها إذا أراد العراق أن يستعيد مكانته الصناعية، ويعيد الحياة إلى قطاع كان يومًا ما مصدرًا رئيسيًا للدخل وفرص العمل".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

تردد الصدر في المشاركة بانتخابات 2025 يزيد «حظوظ الفصائل»
سياسية

تردد الصدر في المشاركة بانتخابات 2025 يزيد «حظوظ الفصائل»

بغداد/ تميم الحسن تبدو الأخبار عن احتمال "مقاطعة" التيار الصدري مجددًا للانتخابات التشريعية القادمة مريحة لعدد من القوى الشيعية و"الفصائل" التي تنوي تعويض الخسارة في اقتراع 2021. وحتى الآن، لم يحسم مقتدى الصدر، زعيم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram