بغداد / تبارك عبد المجيد
يواجه العراق تحديات في مواكبة التحول الرقمي بسبب ضعف البنية التحتية ونقص الكفاءات، رغم وجود جهود لتطوير الذكاء الاصطناعي وتعزيز الأمن السيبراني. يرى مختصون أن الذكاء الاصطناعي قد يوفر فرصًا للنمو الاقتصادي، لكنه قد يهدد الوظائف التقليدية إذا لم تُرافقه خطط لتأهيل الكوادر.
ويشهد العراق تحديات معقدة في سعيه لمواكبة الثورة التكنولوجية العالمية، وفقًا لما أكده المتخصص في أمن المعلومات والتكنولوجيا، حسين السعيدي. فبينما يشهد العالم تطورًا متسارعًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، لا يزال العراق يحاول اللحاق بهذه الركب وسط عقبات متعددة.
السعيدي يوضح في حديثه لـ(المدى)، أن "بعض المبادرات بدأت تشق طريقها في مجال الذكاء الاصطناعي، خصوصًا على مستوى التعليم. غير أن هذه الخطوات لا تزال متواضعة، حيث تفتقر المؤسسات التعليمية إلى التجهيزات الضرورية والكوادر المؤهلة، ما يجعل استفادة الطلاب مقتصرة على الجانب النظري، مع غياب التدريب العملي الذي يمكنهم من تسخير هذه التقنيات في سوق العمل».
ويضيف: "الأمن السيبراني بدوره يمثل ملفًا أكثر تعقيدًا، إذ تواجه البلاد تهديدات إلكترونية متزايدة، بينما تبقى جهود المواجهة دون المستوى المطلوب. نقص الكفاءات المتخصصة وغياب خطط وطنية واضحة جعل من العراق بيئة خصبة للهجمات الإلكترونية وسرقة البيانات».
الاستثمار في البنية التحتية الرقمية يكاد يكون غائبًا، وفقًا للسعيدي، إذ إن العديد من الشركات المحلية تنظر إلى الحلول التقنية الحديثة بعين الريبة، مفضلة الوسائل التقليدية، ما يعرقل فرص التحول الرقمي.
ويشير إلى أن "الحكومة بدورها لم تولِ الملف الرقمي الاهتمام الكافي". هذا التقاعس، كما يرى السعيدي، يعيق تحسين الخدمات العامة ويحد من فرص تعزيز الشفافية. علاوة على ذلك، فإن القلق المتزايد بشأن خصوصية البيانات يخلق حاجزًا نفسيًا لدى المواطنين تجاه التعامل مع المنصات الرقمية.
لتجاوز هذه العقبات، يشدد السعيدي على ضرورة تحديث المناهج الدراسية في الجامعات العراقية، مع التركيز على دمج الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني في المقررات العلمية. كما دعا إلى تفعيل الشراكات مع الشركات العالمية بهدف نقل المعرفة، فضلًا عن تخصيص ميزانيات حقيقية للاستثمار في أمن المعلومات.
ويضيف السعيدي مؤكداً على أن العراق يمتلك فرصة ذهبية للانطلاق نحو المستقبل الرقمي، شريطة تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، والعمل على بناء بيئة تكنولوجية آمنة تفتح المجال أمام الابتكار والتنمية الاقتصادية.
من جانبه، يقول زيد الراوي، المتخصص في الأمن السيبراني والتحول الرقمي، أن "العراق يقف على أعتاب مرحلة رقمية مهمة، رغم أنه لا يزال في خطواته الأولى نحو التحول الرقمي"، لكنه يرى أن البلاد تمتلك إمكانات واعدة للنمو في هذا المجال، مشيرًا إلى تصاعد الجهود الفردية والمؤسسية التي يقودها عراقيون من أجل دفع عجلة التطور الرقمي. من بين هذه الشخصيات البارزة، يبرز اسم أحمد عبد العظيم العزاوي، الذي أسهم في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعزز القدرات الوطنية، خصوصًا مع الحاجة المتزايدة لاستثمار الكفاءات العراقية في مجال التكنولوجيا الحديثة.
وفي حديثه لـ (المدى)، يوضح الراوي أن "اللجنة العليا للذكاء الاصطناعي في العراق تسعى لتحقيق نقلة نوعية في مجال الابتكار العلمي خلال السنوات المقبلة. فقد وضعت اللجنة خطة متكاملة لإدخال الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، بهدف تمكين الأجيال الجديدة من اكتساب مهارات رقمية تواكب التطور العالمي».
ويشير الراوي إلى أن اعتماد هذه التقنيات يسهم أيضًا في تحسين عمليات تحليل البيانات ودقة اتخاذ القرارات في قطاعات حيوية كالأمن، التعليم، والصحة. فضلًا عن دوره في تعزيز الأمن السيبراني، عبر أنظمة متقدمة قادرة على كشف التهديدات الإلكترونية، خصوصًا بعد تعرض مواقع حكومية عراقية، مثل وزارتي التعليم العالي والتربية، ومجلس الخدمة الاتحادي، لتسريبات أمنية العام الماضي.
لكن، رغم هذه الجهود، يشدد الراوي على وجود عقبات كبيرة تعيق تقدم التحول الرقمي، أبرزها ضعف البنية التحتية الرقمية، وتفاوت مستويات المهارات التقنية بين المواطنين، وهو ما يحدّ من قدرة البلاد على مواكبة التطورات الرقمية في الدول المتقدمة. مع ذلك، يرى الراوي أن برامج التعليم والتدريب التي أُطلقت مؤخرًا، مثل النوادي التعليمية والمعسكرات التدريبية المخصصة للخريجين، تساهم في تأهيل الكوادر العراقية لسوق العمل الرقمي العالمي.
وفيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، يوضح الراوي أن الأتمتة قد تهدد بعض الوظائف التقليدية، لكنها بالمقابل تفتح الباب أمام وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدمة. لذا، فإن التركيز على تدريب وتأهيل العاملين بات أمرًا ضروريًا لضمان قدرة العراق على بناء اقتصاد رقمي تنافسي.
ويضيف الراوي، أن "العراق، رغم التحديات الراهنة، يمتلك فرصًا حقيقية لاستثمار الذكاء الاصطناعي في تحسين الأداء الحكومي وتعزيز النمو الاقتصادي". ويرى أن تنمية الابتكار، وتوفير بيئة داعمة للعقول العراقية، يمثلان مفتاحًا رئيسيًا لجعل العراق لاعبًا مؤثرًا في الساحة الرقمية العالمية.
الى ذلك، تقول هدى اسعد مختصة في مجال التكنولوجيا والهندسة، أنها اعدت بحثا حول تأثير التطور الصناعي على الوظائف، وأكدت أن "الذكاء الاصطناعي يشكل فرصة واعدة أمام العراق، شريطة أن يُستثمر بصورة مدروسة"، محذرة في الوقت ذاته يحذر من أن هذا التطور قد يتحول إلى تهديد لسوق العمل، إذا لم تُتخذ الاستعدادات اللازمة.
وتوضح اسعد لـ (المدى)، أن الأتمتة قد تؤدي إلى تراجع الحاجة لبعض الوظائف التقليدية، إلا أنها ستفتح بالمقابل آفاقًا جديدة لوظائف تتطلب مهارات تقنية متقدمة، مثل البرمجة وتحليل البيانات».
وشددت على ضرورة تهيئة الكوادر المحلية لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة لدفع عجلة الاقتصاد العراقي، وليس سببًا لارتفاع معدلات البطالة.
وأشارت الى ان " جامعة بابل أعلنت مطلع شهر شباط استعدادها لاستحداث قسم يتعلق بالدراسات العليا في مجال الذكاء الاصطناعي في العراق على مستوى الماجستير"، وهي خطوة أشادت بها المتحدثة.
سياسيةالعراق على اعتاب مرحلة «رقمية» مهمة.. "الذكاء الاصطناعي" فرصة للنمو الاقتصادي أم تهديد للوظائف؟
العراق على اعتاب مرحلة «رقمية» مهمة.. "الذكاء الاصطناعي" فرصة للنمو الاقتصادي أم تهديد للوظائف؟

نشر في: 20 فبراير, 2025: 12:10 ص