ذي قار / حسين العامل
بعد ان كان عدد من يجيدون اللغة المندائية في ذي قار خمسة اشخاص قبل 15 عاما تراجع الى ثلاثة فقط، مما يثير المخاوف من انقراض اللغة التي تعد مهد الديانة التوحيدية للصابئة وغيرهم من الديانات، حيث لازال بيت أب الأنبياء النبي إبراهيم الخليل(ع) شاخصا في مدينة اور السومرية ويحظى باهتمام كبار رجال الدين في العالم.
وتعد اللغة المندائية من اللغات المهددة بالانقراض وفق معايير منظمة اليونسكو التي تعتبر اللغة التي لا يرتقي عدد المتحدثين بها الى 1000 شخص لغة مهددة بالانقراض، اذ ان عدد المتحدثين باللغة المندائية من الصابئة المندائيين البالغ عددهم نحو 60000 نسمة في جميع انحاء العالم لا يتجاوز الـ 100 شخص، يشكل رجال الدين اكثر من نصفهم تقريبا بحكم ان الطقوس الدينية المندائية التي يجريها رجال الدين تتم باللغة المندائية.
فيما لا يتحدث المندائية في ذي قار اليوم سوى 3 اشخاص جميعهم من رجال الدين بعد ان كانوا 5 اشخاص عام 2009، اذ اجرت المدى تحقيقا في ذلك العام ذكر فيه أحد رجال الدين ان عدد من يجيدون المندائية خمسة اشخاص هم رجل الدين ومساعدوه.
ويقول ممثل الصابئة المندائيين في ذي قار سامر نعيم في حديث لـ(المدى): "نجد ان لا مبادرات جدية لإحياء هذه اللغة المهددة بالانقراض والتي باتت لغة تقتصر على ممارسة الطقوس الدينية فحسب وهو ما يدعو الى استحداث مراكز او إقامة دورات لتعليمها"، مبينا أن "مجمل من يستخدمون اللغة المندائية في جميع انحاء العالم لا يتعدى 100 فرد من بينهم 3 افراد في الناصرية، ومن يجيدونها هم فقط رجال الدين أو المتبحرين بشؤون اللغة والديانة المندائية".
وكشف الحديث مع ممثل الصابئة المندائيين ان بعض المندائيين يجهلون حتى عدد حروف لغتهم الام والبالغة 24 حرفا، مشيرا الى ان "اللغة التي ينحسر استخدامها قد تكون أكثر عرضة للانقراض"، واستدرك ان "اللغة المندائية لا تنقرض بصورة تامة رغم تراجع عدد مستخدميها كونها لغة ترتبط بأداء الطقوس الدينية للطائفة المندائية". ويستخدم الصابئة في صلواتهم وطقوسهم العبادية الأخرى اللغة المندائية التي هي واحدة من فروع اللغة الآرامية العريقة، ويقتصر استخدامها بحسب ما سبق ذكره على رجال الدين المندائيين والمختصين فقط ولم تعد مستخدمة للتواصل إلا في نطاق محدود جدا، وحلت محلها العربية، لكن المندائية بقيت مستخدمة بالطقوس الدينية.
وشدد ممثل الصابئة المندائيين في ذي قار على ضرورة تبني برامج دولية او محلية لتعليم اللغة المندائية سواء عبر استحداث مراكز او إقامة دورات مستمرة لتعليمها للمندائيين او غيرهم وتحت اشراف اشخاص مختصين في هذا المجال، مبينا ان "مندى الصابئة (مكان عبادة الصابئة) يمكن ان يكون مكانا مناسبا لإقامة الدورات التعليمية".
ويجد نعيم ان "إقامة الدورات التعليمية ينبغي ان يقترن بتقديم حوافز للمتعلمين لغرض تشجيعهم على الاقبال ومواصلة الدراسة".
وتتعامل منظمة اليونسكو مع خمسة مستويات من اللغات المهددة بالانقراض: «الآمنة» و«غير المحصنة» (لا يتحدث بها الأطفال خارج المنزل) و«المهددة بالانقراض تحديدًا» (لا يتحدث بها الأطفال) و«المهددة بالانقراض بشدة» (يتحدث بها فقط الأجيال الكبيرة) و«المهددة بالانقراض للغاية» (يتحدث بها عدد قليل من أفراد الأجيال الكبيرة) وغالبًا شبه متحدث، وبذلك يمكن تصنيف واقع حال اللغة المندائية ضمن التصنيف الأشد تهديدا للغة. وفي حديث سابق لـ(المدى) يعزو أحد رجال الدين المندائيين اسباب تراجع استخدام اللغة المندائية التي تعد واحدة من فروع اللغة الآرامية العريقة الى عدة اسباب من بينها ما تعرض له المندائيون من تهميش واضطهاد طوال العهود السابقة مشيرا الى مقتل 360 رجل دين مندائي بدرجة ترميذة دفعة واحدة على ايدي يهود متشددين في العهود الغابرة حتى اصبحت تلك الحادثة ذكرى اليمة يحييها المندائيون سنويا بمناسبة خاصة أطلق عليها تسمية (ابو الهريس). لافتا الى ان اللغة والديانة المندائية عانت الكثير من عهود الاستبداد والدكتاتورية والحصار حتى ان استخدامها اقتصر في فترة من الفترات على رجال الدين فقط ما انعكس ذلك سلبا على استخدام وتطور اللغة المندائية حتى أصبح معظم المندائيين في الوقت الحاضر والقول لرجل الدين يرددون مفردات طقوسهم الدينية وهم لا يفقهون ما تعني بالضبط مؤكدا ان "اللغة المندائية التي تستخدم نحو ثلاثة الاف كلمة من مفرداتها في الطقوس الدينية اصبحت شبه ميتة في المجتمع والعائلة المندائية في الوقت الحاضر". وكانت الامم المتحدة قد اعتمدت يوم 21 شباط من كل عام يوما للغة الام وذلك تخليدا لذكرى ضحايا التصفيات الجسدية التي تعرض لها الاساتذة والمختصون والناشطون البنغلاديشيون من اجل الحفاظ على لغتهم البنغالية الام مقابل تسيد اللغة الاوردية المعتمدة في باكستان قبل استقلال بنغلادش عن باكستان.
ويؤكد رجل الدين ان "اللغة المندائية هي ليست لغة طقوس دينية فحسب وانما هي لغة أحاديث وتدوين وتوثيق"، مبينا ان "ابناء الطائفة في الناصرية سعوا ومنذ فترة ليست بالقصيرة الى إقامة دورات لتعليم اللغة المندائية في صف دراسي استحدث داخل المندى الا ان هذه الدورات وبرغم اقبال ابناء الطائفة على المشاركة فيها لم تحقق النجاح المطلوب بسبب افتقارها للمناهج والكتب المدرسية والدعم الكافي".
ويرى رجل الدين ان "المندائيين لم يشعروا بأي اهتمام رسمي بلغتهم التي يعود تاريخها للعهود الاولى من الحضارة السومرية ويعد العراق وطنها الام"، داعيا الى "اعداد برامج علمية واسعة للمحافظة على اللغة المندائية وحمايتها من مخاطر الانقراض، وذلك عبر استحداث مدارس خاصة بتعلم ابجدية وقواعد ونحو وفقه اللغة المندائية في المناطق التي يقطنها المندائيون بكثرة".
ويشير الى "اهمية الاستفادة من تجربة المدرسة المندائية التي جرى افتتاحها قبل عدة اعوام في العاصمة بغداد "، منوها الى ان "المانيا التي لا تضم من المندائيين ما يضم العراق انشئت جامعة خاصة بتدريس اللغة والتراث المندائي".
واللغة المهددة بالانقراض هي اللغة المعرضة لخطر عدم استخدامها لاختفاء متحدثيها أو التحول للتحدث بلغة أخرى، وتحدث عملية فقدان اللغة عندما تفقد اللغة متحدثيها الأصليين وتصبح «لغة ميتة». وإذا لم يعد أحد يتحدث تلك اللغة على الإطلاق، تصبح في نهاية المطاف «لغة بائدة».
وعلى الرغم من أن ظاهرة اختفاء اللغات كانت سائدة على مدار التاريخ الإنساني، إلا أن هذا المعدل يتسارع حاليًا بشكل كبير، بسبب عمليات العولمة والاستعمار الجديد، حيث تهيمن اللغات القوية اقتصاديًا على اللغات الأخرى.
اذ تهيمن اللغات المنطوقة الأكثر شيوعًا على اللغات المنطوقة الأقل شيوعًا وبالتالي، تختفي اللغات المنطوقة الأقل شيوعًا من الوجود. ورغم إن العدد الإجمالي للغات على مستوى العالم غير معروف على وجه الدقة، الا ان ما متفق عليه عامةً هو أن هناك ما بين 6000 و7000 لغة منطوقة حاليًا، وأن نسبة تتراوح ما بين 50-90% من تلك اللغات ستكون قد انقرضت بحلول عام 2100.
يشار الى ان بابا الفاتيكان البابا فرنسيس اقام في السادس من آذار عام 2021، صلاة مشتركة وقداسًا دينيًا ورعى لقاء الأديان في مدينة أور الأثرية التي تضم بيت النبي إبراهيم الخليل (ع)، حضره عدد من أتباع الديانات الإسلامية والمسيحية والإيزيدية والصابئة المندائيين وغيرهم.