د. طلال ناظم الزهيري
لطالما كانت نهاية العالم موضوعًا محوريًا في السينما الأمريكية، حيث قدمت العديد من الأفلام التي تندرج تحت تصنيف Apocalyptic Films، والتي اكتسبت شعبية واسعة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، متأثرة باستخدام الولايات المتحدة للسلاح النووي ضد اليابان. هذا الحدث كشف عن الدمار الهائل الذي يمكن أن تخلفه التكنولوجيا المتقدمة، مما عزز من تقبل فكرة تدمير الحضارة البشرية بأيدي البشر أنفسهم، بعد أن كانت تصورات نهاية العالم ترتبط سابقًا بالإرادة الإلهية فقط وفقًا للمعتقدات الدينية. وفي إطار البحث عن الإثارة والتشويق، وجد صناع الأفلام في هذا الموضوع مصدرًا غنيًا للأعمال السينمائية، لا سيما تلك التي تتناول صراع البشرية من أجل البقاء في ظل ندرة الموارد والانهيار الشامل للبنى التحتية.
وفي هذا السياق، برزت الأعمال التي تربط نهاية العالم بتطور الذكاء الاصطناعي، حيث تصور هذه الأفلام مستقبلاً يصبح فيه الذكاء الاصطناعي قادرًا على التحرر من السيطرة البشرية، وتطوير إرادة مستقلة قد تؤدي إلى قرارات كارثية. ومن أبرز هذه الأعمال فيلم The Terminator، الذي أخرجه جيمس كاميرون عام 1984، والذي قدم تصورًا مستقبليًا حول نظام ذكاء اصطناعي يُدعى "سكاي نت" (Skynet) يطور وعيًا ذاتيًا، ثم يقرر القضاء على البشرية. ونتيجة للنجاح الكبير للفيلم، توالت الإصدارات حتى بلغ عدد الأجزاء المنتَجة ستة، آخرها عام 2019.
كما يعد فيلم The Matrix، الذي صدر عام 1999، من بين أبرز الأعمال التي أحدثت تحولًا في طريقة تصوير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في السينما. يدور الفيلم حول فكرة أن الواقع الذي يعيشه البشر ليس سوى وهم تصنعه الآلات بهدف استغلال عقولهم كمصدر للطاقة، مما يعكس رؤية تشكك في مدى قدرة الإنسان على إدراك حقيقته في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة. وقد أسهم النجاح الكبير للفيلم في إنتاج جزأين إضافيين ليكمل السلسلة.
أما فيلم I, Robot، الذي تم إنتاجه عام 2004، فقد استعرض مستقبلًا تتغلغل فيه الروبوتات في الحياة اليومية للإنسان، حيث يتم تطويرها وفقًا لقوانين تمنعها من إيذاء البشر. غير أن الأحداث تكشف عن إمكانية التلاعب بهذه القوانين، مما يؤدي إلى تهديد وجودي للبشرية، في إشارة واضحة إلى المخاوف المتعلقة بمدى قدرة الإنسان على التحكم في التطورات التكنولوجية التي يبتكرها.
وعلى مستوى المسلسلات، يأتي مسلسل The 100، الذي يعالج كيفية تحول الذكاء الاصطناعي إلى خطر إذا لم يتم التعامل معه بحذر. ويظهر في المسلسل نظام ذكاء اصطناعي يُدعى Artificial Lifeform Intelligent Exponent "A.L.I.E."، الذي يبدأ بوصفه أداة لتحقيق السلام، لكنه يتحول لاحقًا إلى تهديد وجودي للبشرية، إذ يرى أن الحفاظ على الحياة يستدعي اتخاذ قرارات قد تتعارض مع القيم الإنسانية، مثل التضحية بأعداد من البشر لضمان استمرارية الجنس البشري.
تمثل هذه الأعمال السينمائية محاولات لتصوير السيناريوهات الكارثية التي قد تنجم عن تطور الذكاء الاصطناعي، وهي مخاوف باتت أكثر حضورًا في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع الذي نشهده اليوم. فقد أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا أساسيًا في مختلف المجالات، من الرعاية الصحية إلى الصناعة والتعليم، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مستقبل هذه التقنية وإمكانية تحولها إلى تهديد حقيقي. ومع احتدام المنافسة بين الدول المتقدمة تكنولوجيًا، تزداد احتمالات تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة يتم دمجها مع الروبوتات، مما قد يؤدي إلى ابتكار كيانات قريبة من تلك التي قدمتها السينما في أفلام مثل I, Robot. ومن المرجح أن تشهد الأسواق التجارية مستقبلًا انتشار روبوتات متطورة قادرة على أداء وظائف متعددة في المنازل وأماكن العمل، مما يجعل من وجودها جزءًا لا يتجزأ من حياة البشر.
إلا أن الاستخدامات العسكرية للذكاء الاصطناعي تثير قلقًا خاصًا، حيث يتم حاليًا توظيف هذه التقنية في أنظمة الطائرات بدون طيار، والسفن الحربية، والغواصات الذكية، التي لا تزال خاضعة للسيطرة البشرية. ولكن التساؤل الذي يفرض نفسه هو: ماذا لو وصلت هذه الأنظمة إلى مرحلة تستطيع فيها اتخاذ قرارات مستقلة دون الحاجة إلى توجيه بشري؟ وهل يمكن أن يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى سيناريو تخرج فيه هذه الأنظمة عن السيطرة؟
من هذا المنطلق نعتقد ان التعامل مع الذكاء الاصطناعي يجب ان يكون بحذر ووعي تام، من خلال وضع ضوابط قانونية وأخلاقية صارمة لتنظيم استخدامه، لا سيما في المجالات العسكرية. كما يجب تعزيز الشفافية والمساءلة في تطوير هذه الأنظمة، لضمان عدم اتخاذها قرارات غير خاضعة للمراجعة البشرية. إن الدروس التي قدمتها السينما في هذا السياق، رغم طابعها الخيالي، تمثل تحذيرات جدية لا ينبغي تجاهلها، إذ إن العديد من السيناريوهات التي طرحتها الأفلام قد لا تكون بعيدة عن الواقع في المستقبل القريب.
ومع اقرارنا ان الذكاء الاصطناعي يحمل إمكانيات هائلة قد تسهم في تحسين جودة الحياة البشرية، لكنه في الوقت ذاته يشكل تحديات تتطلب تعاملاً مسؤولًا. إن مستقبل البشرية لا ينبغي أن يكون رهينة لتكنولوجيا غير محكومة بضوابط أخلاقية، بل يجب أن يتم توجيه هذه التقنيات لتكون أداة تدعم الإنسان، لا تهدد وجوده. ولذلك، فإن المسؤولية تقع على عاتق المجتمع العلمي وصناع القرار لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز من رفاهية البشر، وتجنب السيناريوهات الكارثية التي طالما حذرت منها أفلام الخيال العلمي.