TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: النثر المكتوب والشعر الذي لم يكتب بعد

قناطر: النثر المكتوب والشعر الذي لم يكتب بعد

نشر في: 24 فبراير, 2025: 12:03 ص

طالب عبد العزيز

أكاد أجزم بأنِّ الموت يدرك الشاعرَ قبل أنْ يكتب قصيدته التي أراد، وستبقى غصةً في قلبه، ذلك لأنَّ الشعرَ غير محدود، فما هو بعدد، ولا حجم، ولا مكان، ولا زمان، ولو كان كذلك لذهب الشعراء اليه، وأخذوا بغيتهم منه وعادوا، مطمئنين، لذا ستظلّ الكثير من القصائد طي روح الشاعر، فالشعرُ قطعة في الميتافيزيق، لا يمكن التحقق من صحة وجوده في الزمن. كل الشعراء الكونيين الذين ماتوا حملوا الى أضرحتهم العشرات من القصائد التي لم يشرعوا في كتابتها. الشاعر يكتب ما كانت تريد قوله الآلهة ونسيته، أو عجزتْ عن كتابته، بحسب تعبير أدونيس، وقبل ذلك كان كازنتزاكي قد خرج الى الشارع في أخريات أيامه يستدين من المارة الساعات والأيام والاسابيع والشهور لأنه كان يعتقد بأنه لم يكتب بعدُ ما أراد، هو الذي تشغل أعماله الرَّفَّ الطويل في مكتابتنا.
مع إعلائنا من شأنه، وشعورنا بأهمية وجوده، لكنْنا نقولُ مع من يقول بأزمة في الشعر العربي! لأنّه قولٌ وواقع، لا في ثقافتنا العربية حسب إنّما في ثقافات الأمم الأخرى، ونجد ذلك واضحاً في عزوف دور النشر عن طباعة كتب الشعر، وتفضيل الناشرين الروايةَ عليها. لن نبحث في الأسباب، على كثرتها، لكننا نعتقد بأنَّ أمر الشعر في العراق مختلفٌ عن سواه في الدول العربية، فقد تكون الحرب الإيرانية العراقية ومدائح رأس النظام سبباً، وربما كانت قصائد العمود التي تمجّدُ الحرب بكل عناوينها، ومن ثم القصائد التي مجّدت حروب الطوائف أيضاً. لا نريد أنْ نعود بذاكرتنا الى شاشة تلفزيون بغداد التي كانت تطالعنا بصورة عبد الرزاق عبد الواحد، وهو يهتفُ ويرتجز لتصبح سبباً واضحاً!! الصورة التي كانت تكفي لقهر آلاف العوائل التي فقدت رجالها في الحرب.
هل نضيف سبباً آخرَ ونقول بأنَّ شعراء العاميّة الذين بالغوا في تمجيد الموت والحرب والرئيس قبل سقوط النظام في ربيع العام 2003 ثم تحولَ بعضهم الى مديح شيوخ القبائل ورجال الدين والقادة الطائفيين وزعماء المليشيات والأحزاب المسلحة وسواهم من الفاسدين، الامر الذي أخرج الشعر من وظيفته الجمالية، وقدرته على صناعة الحياة وإعمار الوجود... الخ والذهاب به الى صناعة شعارات كاذبة ومديح زائف، واحتفال بالموت والقهر. نعم، الشعرُ لا يجيب على الأسئلة الكبرى، والقارئ يبحث عمّن يسمّي الأشياء له، ويحيطه علماً بها، ولهذا تقدمته الرواية لأنها الفن الذي يجيب! أما الشعر فيكتفي بطرح الأسئلة. وهنا سيتاح لنا أن نتحدث عن النثر العربي، هذا الإرث العظيم، الذي سلبه الشعرُ أهميته للأسف، وجعله القرّاء نفلاً في عنايتهم، واقعين تحت تأثير المقولة الشهيرة"الشعر ديوان العرب".
أرى بأنَّ النثر العربي يسير بخط مواز مع الشعر العربي، لكنَّ حظوظ الشعر كانت أكثر، لأسباب كثيرة منها أننا أمةُ قول، ونخضع صوتياً الى ما في الشعر من تنغيم وتوزين وتقفية، القضية التي لا نجدها في النثر. وما قضية الجوائز الممنوحة في السرد والرواية إلا تقريظ لقولنا بأنَّ الشعر لا يجيب على الأسئلة، فيما الرواية تجيب، أمّا إذا أردنا الخوض في مخاضة جوائز الشعر والرواية التي تمنح في بعض الدول والخليجية بخاصة فسيكون الحديث مختلفاً، وهناك ترثيث في تقييم الكتابة، وتسفيه في الصنعة، وما نشاهده على بعض القنوات من إنشاد وقراءات ونقود أمرٌ يدعو للرثاء. الكتابة شعرا ورواية هي خارج القاعات تلك، فقد ظلَّ كافافيس مجهولاً سنوات طويلة، وحين منح سان جون بيرس جائزة نوبل لم يكن معروفاً في باريس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ارتفاع حصيلة حادث تصادم طريق الناصرية-السماوة إلى 13 ضحية

أنشيلوتي يتحدث عن مبابي.. "لديه فرصة" مثل رونالدو

السوداني يبحث تطورات الأوضاع في سوريا خلال اتصال هاتفي

إطلاق سراح 500 مشمول بقانون العفو العام

القبض على 7 اشخاص اطلقوا النار في الهواء ببغداد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سافرات العبادي

الحرب الباردة بنسختها الثانية

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

قناطر: متاحفنا بلا زائرين. . لماذا؟

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram