عرض علاء المفرجي
وُلدَ ألبرتو كازيلًا في الأول من تشرين الثّاني عام ١٨٩١، في مدينة يراتو، إحدى مدن مقاطعة توسكانا. كان أبوه مدرّسا للرياضيّات في إحدى مدارس پراتو، ذات المدرسة التي درس فيها ألببرتو. أمّا أخوه فرانتشيسكو دومينيكو فقد كان محاميًا شغوفًا بالمسرح، ممّا زرع في قلب ألبيرتو حب المسرح. وقد بدأ مشواره ممثّلًا مسرحيًّا عام ١٩٠٧، وهو ابن ستّة عشر عامًا، في مسرح المدرسة.
انتقل للعيش في مدينة ساقونا الشّماليّة عام ١٩١١، وكان في العشرين من عمره، وهناك بدأ مشواره الشّعريّ والأدبي. في شهر تشرين الأول من العام نفسه شنتِ المملكة الإيطاليّة حربًا على ليبيا، بحجّة تحريرها من الدولة العثمانيّ. قطعت تلك الحرب مشواره الثّقافي، إذْ شارك كازيلّا فيها جنديًّا في الجيش الإيطالي.
بعد عودته إلى إيطاليا كان من بين الشبّان السّبّاقين في مدينة پراتو إلى التسجيل من أجل المشاركة في الحرب العالميّة الأولى، كما الكثير من الشّبّان الإيطاليّين المتحمّسين لفكرة الوطن والوحدة الإيطاليّة. وبالفعل التحق بالجبهة، فأصيب بجراح في إحدى المعارك، وتسلّم على إثرها ميداليا الشّرف الفضيّة. ثمّ وقع أسيرًا واقتيد إلى مدينة تسيله الألمانيّة، وكان فيها مركزٌ تحتجز فيه ألمانيا أسرى الجيوش المعادية.
وقد تحدّث كازيلًا عن عمله هذا في المقدّمة، التي تتصدّر كتابًا يضمّ ثلاثةً من نصوصه المسرحيّة، من ضمنها ((الموت يأخذ إجازة)). يقول: ((قرأت على مسامع ڤيرجيليو تالي نصّي المسرحيّ، وكنت آنذاك معدمًا وسعيدًا. استمع تالي إلى الفصول الثلاثة من دون أيّ تعليق منه. وحين انتهيتُ، نهض وصافحني قائلًا: ("إنّك ستدخل المسرح من أوسع أبوابه"". وكان السّيّد فيرجيليو تالّي ممثّلًا ومخرجًا كبيرًا وصاحب فرقة مسرحيّة غاية في الأهمّيّة، ويعدّ أحد روّاد الإخراج المسرحي التجديدي في إيطاليا، ما بين آواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التّاسع عشر.
وقام تالّي، كما يذكر كازيّلًا مبتهجًا، بوضع مسرحيّته في البرنامج، ما بين الأعمال الجديدة آنذاك. وقد توسّطتْ بين مسرحيّتين لكاتبيْنِ عملاقيْنِ: الأولى ((پاريزينا)) لغابريله دانّونزيو، والثانية ((هنري الرّابع)) للويجي بيراندلّو. وكان وضع اسم كازيلا بين هذيْنِ الاسميْنِ قد جعله يتيقن من صدق وعد المخرج تالي: ((دخول المسرح من أوسع أبوابه". إذ كانتْ شهرة هذين الكاتبيْن قد طبقت الآفاق. على أَنّ هذيْن الاسميْن، أغلب الظنّ، هما من طمسا نجمه الصّاعد وغمساه في ظلام عميق. فلمْ يلقَ كازيلا في إيطاليا الاهتمام الّذي كان يطمح إليه. فمن جهة دانّونزيو الشّاعر والكاتب المسرحي والنّاشط السّياسي، صاحب المركز الاجتماعي المرموق والشهرة التي لا تباريها شهرة. ومن جهة أخرى صاحب جائزة نوبل، لويجي پيراندلو، الرّوائي وصاحب المدرسة التجديديّة في التأليف المسرحي.
فكيف لكازيلاأنْ يجد محطّ قدم له بينهما؟ يقول المترجم في مقدمة المسرحية، والحقيقة فإنّي لم أجدْ عن حياة كازيلا وأعماله من النّقد شيئًا، فهو إلى اليوم - ويا للغرابة - مجهول ومنسيّ في إيطاليا. وعلى خلاف الكثير من الكتّاب والأدباء الذين تتناولهم أقلام النّقّاد والطلبة الباحثين إلى اليوم، فإنّ ألبرتو كازيلا مهملٌ - ويا للأسف - بالكامل. وقد يكون الأمر كما ذكر كازيلًا نفسه: وهو أنّه لم يجد في إيطاليا جمهوره المثاليّ. ولا يختلفٍ في ذلك عن عدد غير قليل من المبدعين الإيطاليّين الذين لم يجدوا وافر حظِّ في بلدهم. ومع أنّه حقّق نجاحًا لا بأس به، وتناولته الصّحف وأقلام النّاقدين، إلّا أنّه لمْ يجدْ في ذلك ما يليق بقدره وقدر العمل. ولعلّ من أبرز ما قيل في العمل هو تعليق النّاقد المسرحي البارز أليجو يوسّنتي، في قوله: ((إِنّ نصّ ((الموت يأخذ إجازة" يسعى، بوضوح عبقريّ وجنائزيّ، إلى استعمال فنّ العرض المسرحيّ لا من أجل تمثيل الحياة، بل لمنح الشّخوص السبيل من أجل أظهار خفاياهم الشخصيّة)).
الموت في إجازة.. العرض المسرحيّ ليس من أجل تمثيل الحياة
نشر في: 24 فبراير, 2025: 12:02 ص