TOP

جريدة المدى > سياسية > من التسول إلى تجارة الأعضاء البشرية.. كيف تُستغل الفئات الهشة في العراق؟

من التسول إلى تجارة الأعضاء البشرية.. كيف تُستغل الفئات الهشة في العراق؟

سوق سوداء جديدة للاتجار في مواقع التواصل

نشر في: 24 فبراير, 2025: 12:17 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

تواجه الحكومة العراقية تحديات كبيرة في مكافحة الاتجار بالبشر، حيث تشهد البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الضحايا والمعتقلين المرتبطين بهذه الظاهرة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لحماية الضحايا وتشديد العقوبات، لا تزال هناك حاجة ماسة إلى إصلاحات قانونية، وتعاون أمني أوسع، وزيادة الوعي المجتمعي لضمان القضاء على هذه الجريمة وحماية الفئات الأكثر ضعفًا.
ويكشف فاضل الغراوي، رئيس المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان، عن جهود الحكومة العراقية في رصد وحماية الضحايا، حيث تمكنت اللجان المختصة من التعرف على 158 ضحية خلال العام الماضي، توزعت بين 38 ضحية للاتجار الجنسي، و17 ضحية للعمل القسري، بينهم طفلان، و26 ضحية تعرضوا لاستغلال غير محدد. كما تم التعرف على 77 ضحية إضافية في إقليم كردستان، تعرضوا لعمليات استغلال مختلفة، منها 34 حالة اتجار بالعمالة و43 حالة استغلال غير محدد.
وأوضح الغراوي في حديث لـ(المدى)، أن "الحكومة أحالت 27 ضحية إلى ملجأ ضحايا الاتجار بالبشر الذي تديره وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في بغداد، بينما تم تحويل 35 ضحية من الأجانب إلى منظمات غير حكومية لتوفير المأوى لهم، أما في إقليم كردستان، فقد تمت إحالة 72 ضحية إلى خدمات الحماية لضمان حصولهم على الدعم اللازم".
وفيما يتعلق بالملاحقات الأمنية، لفت الغراوي عن ارتفاع عدد المعتقلين في قضايا الاتجار بالبشر، حيث بلغ عدد الموقوفين خلال عام 2023 نحو 636 شخصًا، مقارنة بـ129 شخصًا في عام 2022، توزعت التهم بين 119 حالة اتجار جنسي و10 حالات عمل قسري. كما أجرت وحدة مكافحة الاتجار بالبشر تحقيقات مع 183 شخصًا خلال عام 2021، كان أغلبهم متورطين في الاتجار بالجنس (169 حالة)، و14 حالة عمل قسري.
أما على المستوى القضائي، فقد أصدر القضاء العراقي أحكامًا ضد 184 شخصًا خلال عام 2023 بموجب قانون مكافحة الاتجار بالبشر لعام 2012، شملت 163 شخصًا بتهمة الاتجار بالجنس، و21 شخصًا بتهمة الاتجار بالعمالة، بينما أصدرت محاكم إقليم كردستان أحكامًا ضد 12 شخصًا بتهمة الاتجار بالجنس.
وطالب الغراوي، الحكومة والبرلمان بـ"تعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر لتشديد العقوبات على المتورطين، وتوسيع نطاق دور الحماية لتشمل جميع المحافظات، إضافة إلى تعزيز نظام البلاغات والإحالة لضمان سرعة التعرف على الضحايا. كما شدد على ضرورة تعديل قانون حماية الشهود لضمان توفير بيئة آمنة للمبلغين عن هذه الجرائم".
ودعا إلى إطلاق حملة إعلامية واسعة لتوعية المواطنين بمخاطر الاتجار بالبشر، مشيرًا إلى أهمية تعزيز التعاون الاستخباراتي وضبط الحدود مع دول الجوار لمكافحة شبكات التهريب، مع التركيز على الشراكات الدولية لضمان تفكيك المنظمات الإجرامية المتورطة في هذه الجرائم.

من هم الشرائح المستهدفة بالاتجار؟
وفي سياق التصاعد المقلق في جرائم الاتجار بالبشر، والتي باتت تشكل تهديدًا مباشرًا للفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع، يقول عمر العلواني، رئيس مؤسسة الحق لحقوق الإنسان إن "ذوي الإعاقة هم من أكثر الفئات عرضة لهذا الاستغلال، حيث يتم استغلالهم في بيئات مغلقة، سواء ضمن الأسر أو في عمليات تهريب الأعضاء البشرية".
وأوضح العلواني في حديث لـ(المدى)، أن "الاتجار بالبشر لا يقتصر فقط على ذوي الإعاقة، بل يمتد ليشمل الأطفال والنساء، خاصة الأرامل والمطلقات أو من ينتمين إلى عائلات فقيرة. وتتعرض هذه الفئات للاستغلال بأشكال متعددة، مثل العمل القسري والاتجار بالأعضاء البشرية، في ظل غياب الرقابة الفعالة على هذه الجرائم".
ولم تعد ظاهرة الاتجار بالبشر تقتصر على تجارة الأعضاء، بل تشمل استغلال العمالة الأجنبية، حيث يتم احتجاز جوازات سفر العمال من قبل أصحاب العمل، مما يجبرهم على العمل في ظروف قاسية دون أي حماية قانونية. ووصف العلواني هذه الممارسات بأنها "بيع وشراء غير قانوني للعمال"، مما يزيد من معاناتهم ويضعهم تحت رحمة المستغلين.
وفيما يخص تجارة الأعضاء البشرية، كشف العلواني عن ظهور شبكات إلكترونية تنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل (تليغرام وفيسبوك)، حيث يتم الإعلان عن بيع الأعضاء البشرية بطريقة منظمة.
وأوضح أن بعض هذه العمليات تتم في مناطق مثل السليمانية، حيث تقل الرقابة على هذه الأنشطة غير القانونية، مما يسهل عمل المتاجرين بالبشر.
ويمتد الاتجار بالبشر إلى المؤسسات العسكرية والأمنية، حيث يتم استغلال الجنود في أعمال قسرية مقابل الحصول على إجازات أو امتيازات.
كما رصد العلواني حالات استغلال للعمال في بعض المؤسسات المدنية، مثل البلديات، حيث يعملون في ظروف صعبة دون حماية قانونية كافية، مما يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.
رغم وجود قسم خاص بمكافحة الاتجار بالبشر داخل وزارة الداخلية العراقية، إلا أن العلواني يرى أن فعاليته لا تزال محدودة بسبب ضعف الوعي المجتمعي بهذه الظاهرة ونقص التنسيق بين الجهات المعنية. وأكد أن هناك حاجة إلى تحسين أداء هذا القسم وتعزيز التعاون مع المنظمات المدنية لضمان مكافحة فعالة لهذه الجريمة المتفاقمة.
وشدد العلواني على أهمية تشديد الرقابة القانونية وتعزيز الوعي المجتمعي لمواجهة هذه الظاهرة، داعيًا إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد جميع أشكال الاتجار بالبشر، سواء كانت تجارة الأعضاء، أو الاستغلال القسري للعمال، أو الاتجار بالنساء والأطفال. وأكد أن القضاء على هذه الظاهرة يتطلب تكاتف الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني لضمان حماية الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.
من جانبه يقول سرمد البياتي، مسؤول الإعلام في مفوضية حقوق الإنسان، إن "هذه القضية أصبحت من أبرز التحديات التي تواجه السلطات الأمنية والقضائية".
وأوضح البياتي في حديث لـ(المدى)، أن "هذه الجرائم تترك آثارًا سلبية عميقة على المجتمع، خاصة في الدول التي تمر بأزمات وحروب، مما يجعل العراق متأثرًا بشكل مباشر بهذه الظواهر بسبب موقعه الجغرافي والتداخل مع دول الجوار التي تعاني من مشكلات مشابهة".
ويشير البياتي إلى أن "انتشار التسول في الشوارع بات مؤشرًا خطيرًا، حيث يتزايد عدد المتسولين من مختلف الجنسيات، سواء العراقية أو الأجنبية، نتيجة للنزوح والهروب من مناطق النزاع"، مؤكداً أن "هذه الظاهرة لا تقتصر على كونها مجرد مظهر اجتماعي سلبي، بل قد تكون مرتبطة بجرائم أكثر خطورة مثل الاتجار بالمخدرات وتجارة الأعضاء البشرية، مما يستدعي تدخلاً حازمًا من الجهات المختصة".
في هذا السياق، تبذل وزارة الداخلية جهودًا للحد من انتشار الاتجار بالبشر، من خلال فرض إجراءات أمنية صارمة في المطارات والمنافذ الحدودية، والعمل على تعزيز الرقابة الأمنية لمنع عمليات التهريب. كما تم تشكيل لجان مختصة لمتابعة هذه القضايا، بهدف وضع حلول والحد من توسع هذه الظاهرة. وفقاً لقول البياتي الذي أشار الى أن المفوضية تعمل بنطاق مشترك مع ووزارة العمل لرصد وتوثيق الانتهاكات.
ويشدد على أهمية دور المواطنين في التصدي لهذه الجرائم، داعيًا إلى ضرورة الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة تتعلق بالاتجار بالبشر، خصوصًا فيما يتعلق بالبيع غير القانوني أو التبرع المشبوه بالأعضاء البشرية. وأكد أن القوانين يجب أن تكون أكثر صرامة لضمان عدم تحول هذه الأنشطة إلى تجارة غير مشروعة تهدد حياة الأفراد والمجتمع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الأنواء الجوية: درجة الحرارة الصغرى في بغداد غدا الإثنين صفر مئوية

نتنياهو: جاهزون لاستئناف القتال في غزة "بأي لحظة"

تشكيلة منتخب قدامى العراق للقاء البحرين

محافظة عراقية تعطل المدارس غداً وتقلص الدوام ساعة واحدة

وزارة الصحة تحيل (6) مكاتب علمية لدعاية الأدوية إلى القضاء

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

واشنطن تهدد بفرض عقوبات على منشآت مالية حكومية في العراق

تردد الصدر في المشاركة بانتخابات 2025 يزيد «حظوظ الفصائل»

الحكومة العراقية تحذر من تنامي تهديدات "داعش": الإرهابيون جهزوا أنفسهم بأسلحة جيش نظام الأسد

تضارب المعلومات بشأن أزمة السيولة: هل العراق مفلس؟!

قانون الحشد الشعبي يشعل "معركة برلمانية"

مقالات ذات صلة

بغداد ملتزمة بـ
سياسية

بغداد ملتزمة بـ"التوازن".. والتطبيع مع سوريا يتعثر بسبب "مخاوف الإطار"

بغداد/ تميم الحسن تستمر بغداد بالسير على خيط التوازن الرفيع، إذ تضغط واشنطن على العراق لإيقاف التمدد الايراني، فيما يعمل أطراف بالداخل على عكس ذلك. ويتعين على بغداد استئناف ضخ النفط من كردستان، والا...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram