بغداد/ تميم الحسن
من المفترض أن يعلن مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، قراره النهائي بشأن المشاركة في الانتخابات المقبلة في غضون شهر أو أكثر بقليل.
وخلال هذه الفترة، يُتوقع أن يقدم الصدر «جرعات» لخصومه في التحالف الشيعي، تتعلق بمواقفه السياسية، التي بدأت أولًا بطلب «تحديث بطاقة الناخب».
وتضمّنت أحدث «الجرعات» منشورًا للصدر على منصة «إكس» أجاب فيه على سؤال: «بشأن ما هو المترتب علينا كأبناء التيار الوطني الشيعي من تحديث سجل الناخبين، خصوصًا أن المفوضية العليا للانتخابات حددت وقت التحديث؟»، فأجاب: «إن ذلك أمر لا بد منه».
وأضاف: «هو نافع لكم سواء دخلتم الانتخابات أم قاطعتموها.. فالتفتوا إلى ذلك رجاءً أكيدًا».
وكررت منصات تابعة للتيار الصدري، وكذلك أعضاء في التيار، تلك الدعوة لتحديث السجلات.
وحثّ القيادي في التيار، حاكم الزاملي، جماهير التيار على تحديث سجلاتهم الانتخابية.
ودعا الزاملي، في منشور على صفحته في «فيسبوك»، كل فرد من أتباع الصدر إلى «الذهاب إلى مراكز التحديث لتحديث سجلك الانتخابي أنت وعائلتك الكريمة، فقد بات ذلك التزامًا ومسؤولية وواجبًا وطنيًا».
خطة الصدر
تقول أوساط التيار الصدري إن زعيم التيار، المنعزل عن السياسة منذ أكثر من عامين، لا يزال متمسكًا بمشروعه القديم «الأغلبية السياسية».
وكان الصدر قد فشل في عام 2022 في تشكيل «حكومة أغلبية» بعدما أطاح به «الثلث المعطل»، الذي قاده نوري المالكي، زعيم دولة القانون.
والخطة المتوقعة للتيار الصدري، في حال اشترك في الانتخابات، ستكون الأولوية فيها للحصول على «أغلبية صدرية»، حتى لا يضطر إلى التحالف مع «طرف شيعي».
وكان التيار قد حصل في برلمان 2021، قبل أن يقرر الانسحاب في صيف 2022، على 73 مقعدًا عبر قانون «الدوائر المتعددة».
ويحتاج الصدر، للفوز مرة أخرى، إلى قانون انتخابات يشبه السابق، الذي ألغاه الإطار التنسيقي في 2023.
لكن أوساط التيار تقلل من أهمية القانون، وتؤكد لـ(المدى) أنها يمكنها الفوز «تحت أي قانون»، فيما يرجح ان حسم مشاركة التيار بالانتخابات بعد «شهر رمضان»، نهاية آذار القادم.
ومنذ انعزال الصدر، بعد اشتباكات مسلحة جرت في آب 2022 على بوابات المنطقة الخضراء بين أنصاره وفصائل في الداخل، بدأ الأخير بعملية «ترميم» لأنصاره.
وكان جمهور التيار قد تعرض لهزة سياسية بعد ما جرى في ما يسميه الصدريون «ثورة عاشوراء»، حين اقتحموا البرلمان لأكثر من شهر، ثم طلب الصدر منهم الانسحاب.
وخسر التيار مقاعده في البرلمان، وتم سحب 60 منصبًا في المؤسسات الحكومية، وفقًا لمقربين من الصدر.
وعلى إثر ذلك، بدأ الصدر بإجراء إصلاحات داخلية، وشجّع على الانتماء إلى «البنيان المرصوص»، وهي مجموعة ثقافية تقوم بأعمال تطوعية حتى الآن. كما وجّه الصدر بالتبرع لهذه المجموعة، وقام هو بنفسه بالتبرع أكثر من مرة.
تغيير الاسم
منذ 2006، أول انتخابات تشريعية بعد الإطاحة بالنظام السابق، شارك التيار الصدري في الانتخابات تحت أسماء متعددة، أبرزها: الأحرار، وسائرون.
واستعان الصدر بشخصيات «غير صدرية» لتولي مناصب مهمة في وزارة التربية والتخطيط وغيرها.
لكن هذه الخطة تغيرت في انتخابات 2021، وبدأ التيار يتحدث عن «الصدري القُح».
واستخدم الصدر لأول مرة اسم تياره الصريح «التيار الصدري» في الانتخابات الأخيرة، قبل أن يقرر في العام المقبل تغيير الاسم!
ففي نيسان 2024، تبنّى الصدر اسم «التيار الوطني الشيعي»، وهو اسم يعتقد أنه يمثل رؤية التيار بأنه صاحب «التمثيل الشيعي» القادم بدلًا عن «الإطار»، وفقًا لما يقوله قيادي في أحد أحزاب الإطار التنسيقي.
واعتبرت صفحة «وزير القائد»، التي تُعد الناطقة باسم مقتدى الصدر، أن تسمية «التيار الوطني الشيعي» تعود إلى أن «التيار امتداد طبيعي لأهزوجة نعم نعم للوطن»، في إشارة إلى الهتاف الذي كان يردده محمد صادق الصدر، والد مقتدى، في خطب الجمعة من مدينة النجف، جنوبي العراق، خلال تسعينيات القرن الماضي.
ثم عاد «الوزير القائد» لتفسير الاسم الجديد بالقول: «الوطني: يعني العراقي الشعبي بكل طوائفه... والشيعي يعني الإسلامي».
العودة على دفعات
بعد اعتزال الصدر، قاد نوري المالكي، زعيم دولة القانون، محاولات للتصالح مع زعيم التيار، لكنها فشلت.
قال المالكي في مقابلة قبل أيام، معلقًا على الانتخابات المقبلة، إن «يده مفتوحة» لزعيم التيار الصدري.
وقبل شهر واحد من الانتخابات المحلية، التي جرت نهاية 2023، قرر الصدر مقاطعة الانتخابات.
وفي مطلع 2024، أكد زعيم التيار الصدري موقفه الرافض للانخراط مرة أخرى في العمل السياسي بالعراق.
وقال في ردّ مطوّل على مطالبات تحثه على العودة إلى العملية السياسية، نُشر على موقع «إكس»: «واليوم يطالبني الكثيرون بالنهوض بعد أن استكثروا عليّ كثرة الاعتزال، ثم الرجوع، فوا عجبًا، ثم وا عجبًا».
وتابع: «نعم يطالبونني بالتغيير بعد أن هجروني، وهجروا ثورة الإصلاح وخيمتها الخضراء، وأساؤوا الظن بي، وحسبوني طالب سلطة أو حكم، فأعوذ بالله من سلطة الفساد».
وكان الصدر قد لمح عدة مرات إلى إمكانية العودة، حيث قدّم نصار الربيعي، القيادي الصدري المعروف والوزير الأسبق، استقالته في آذار 2023، من رئاسة كتلة الأحرار، وهو اسم كتلة الصدر التي شاركت في البرلمان السابق.
وبحسب ما قالته أوساط الصدر آنذاك، فإن استقالة الربيعي، وهو رئيس كتلة الصدر الجديدة التي فازت في انتخابات 2021، جاءت لفك الازدواج في قيادة كتلتين، حيث لا يسمح قانون الأحزاب بإدارة شخص واحد لحزبين.
وجرى ذلك قبل أيام من توجيه الصدر لثمانية من قياداته بعدم السفر إلى الخارج (خلال شهر رمضان الأخير) لـ»وجود أمور مهمة تتعلق بالوضع العام والخاص»، بحسب بيان لمكتب زعيم التيار في الحنانة بمدينة النجف، حيث مقر إقامته.
ومعروف عن الصدر أنه يعطي «مهلًا» و»توقيتات» للحكومة وخصومه الشيعة، أبرزها: مهلة السنة الواحدة لحكومة عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء الأسبق (2018-2019)، ومهلة الـ40 يومًا في 2022، التي منحها الصدر لخصومه في الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة، بعدما اعترضوا على تشكيل «حكومة الأغلبية».
ويعتقد رافد العطواني، وهو محلل سياسي قريب من التيار، أن إيران قد تسلّم الحكومة إلى الصدر، بعد زوالها من العراق.
وكانت طهران وراء اعتزاله، بحسب ما تسرّب في 2022، لكن زعيم التيار نفى ذلك، واتهم «أذرع إيران» بالتأثير على القضاء.
ويشير العطواني إلى أن إيران لا تريد أن تفقد تأثير الشيعة في العراق، ولذلك قد «ترضى بالصدر الذي سيملأ الفراغ بعدما تغادر طهران العراق».