لويز ألميراس
ترجمة: عدوية الهلالي
بعد نزاع دام سبع سنوات مع بروكسل،تولت بولندا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي تحت رعاية طيبة وأصبحت اليوم دولة رائدة في أوروبا. ولاتخيفها برلين، ولا بروكسل، ولا حتى موسكو. لقد تمكنت من العثور على صوت حر ومستقل مرة أخرى، ولولا دورها الرئيسي على حدود القارة القديمة منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإن وضعها الاقتصادي الجيد يضيف إلى مكانتها في نظر الاتحاد الأوروبي.ومنذ مطلع عام 2025، ستخلف المجر في قيادة المناقشات حول القضايا الأوروبية الرئيسية. لقد ظلت علاقتها مع الاتحاد الأوروبي حتى الآن فوضوية، أو بالأحرى متمردة. ولعلنا نستطيع أن نرى هنا أحد أسباب نجاحها اليوم.
فبعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي قبل عشرين عامًا، أمضت بولندا سبع سنوات في إجراءات التقاضي مع بروكسل. والسبب هو المشاكل المتعلقة بالامتثال لسيادة القانون والقيم التي يدافع عنها الاتحاد الأوروبي، مثل استقلال القضاء وحرية الصحافة والدفاع عن حقوق الأفراد. وبالتالي، تسببت إصلاحات حزب "القانون والعدالة" المحافظ، الذي كان في السلطة آنذاك، في تعليق الإعانات الأوروبية من عام 2017 إلى عام 2024. ورغم أن هذا لم يمنع أكبر دولة في أوروبا الوسطى من إظهار نفسها كنموذج يحتذى به من خلال من وجهة نظر اقتصادية إذ سجلت البلاد أحد أقوى معدلات النمو في أوروبا خلال العقد الماضي. وبفضل معدل البطالة المنخفض نسبيًا، حوالي 2.5%، والنمو الأعلى من البلدان الأوروبية الأخرى، بفضل زيادة تزيد عن 5% في الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط كل عام، على الرغم من كوفيد والتضخم الحالي، يبدو أن بولندا تفي بمتطلبات شعبها وهي بلد يسير على ما يرام.
وتبلغ قيمة الإعانات المخصصة لبولندا 137 مليار يورو. لقد تم إطلاق سراحها للتو من قبل أورسولا فون دير لاين منذ بضعة أشهر. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية خلال زيارتها إلى وارسو في أوائل عام 2024 للإعلان عن الخبر: "نحن معجبون بجهود بولندا لاستعادة سيادة القانون باعتباره العمود الفقري لمجتمعها". إن البلاد مدينة بهذا العمود الفقري قبل كل شيء لحقيقة أنها حافظت على قيمها ولم تسمح لسكانها بالخوف أو المعاناة من التضخم الذي يعاني منه جيرانها، ولا شك بفضل استقلالها لبضع سنوات عن القواعد التي فرضتها بروكسل. واليوم تبدو أوروبا مطمئنة بقيادة دولة قوية. إن المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية تلقي بثقلها على القارة. كما إن رغبة بولندا خلال الأشهر الستة التي قضتها في السلطة هي تعزيز "الأمن في أوروبا"، سواء كان خارجيًا أو داخليًا أو إعلاميًا أو اقتصاديًا أو حتى في مجال الطاقة والغذاء والصحة، وقبل كل شيء تعزيز الدفاع الأوروبي وكذلك الأمن المدني، وخاصة من خلال تنظيم الهجرة. وتمتلك بولندا برنامجا قريبا من الواقع قدر الإمكان، عندما كان شعار المجر هو "جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى". والآن بعد أن استعادت هذه الدولة السلافية ثقة الاتحاد الأوروبي، وبعد أن أصبحت مثالاً يحتذى به في الوقت الذي تعاني فيه ألمانيا وفرنسا من ركود النمو والوضع السياسي غير المطمئن، ربما يتعين علينا أن نلقي نظرة عن كثب على أسباب نجاحها. ففي ظل الوضع الحرج الذي تعيشه أوروبا، فإن اتخاذ قرارات قريبة من الواقع قدر الإمكان لن يكون مفيداً إلا إن الرئاسة البولندية هي خطوة جيدة للمستقبل. فهل يتمكن الاتحاد الأوروبي من الاستفادة من هذا الأمر لتعزيز نموه الاقتصادي بالإضافة إلى أمنه؟