بغداد/ محمد العبيدي
أحدثت نتائج التعداد السكاني العراقي لعام 2024 زلزالًا في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية، حيث أظهرت الأرقام أن نحو ثلث السكان سيطرقون أبواب سوق العمل قريبًا، ما يضع الحكومة أمام اختبار صعب لتوفير فرص العمل والحد من البطالة المتفاقمة.
وأظهرت نتائج التعداد السكاني الذي أعلنته وزارة التخطيط العراقية أن عدد سكان البلاد بلغ 46 مليونًا و118 ألف نسمة، موزعين بين 70.17% في الحضر و29.83% في الريف، إلا أن الإحصائيات الأعمق تكشف عن تحديات أكبر من مجرد الأرقام الظاهرة، حيث أشارت البيانات إلى أن أكثر من ثلث السكان ما زالوا دون سن العمل، إذ بلغت نسبة من هم دون سن الخامسة 11.16%، فيما يمثل الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 سنة حوالي 24.74% من إجمالي السكان. وزارة التخطيط، أعلنت يوم أمس الأربعاء، عن نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق، فيما اشارت الى تراجع نسبة الفقر في العراق الى (17.5%) عما كانت عليه عام 2018. وذكر بيان للوزارة، تلقته (المدى)، أن "هيئة الإحصاء بالتعاون مع هيئة الإحصاء في إقليم كردستان، وبدعم من البنك الدولي، تعلن نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق"، مؤكدة "تراجع نسبة الفقر في العراق الى (17.5%) عما كانت عليه عام 2018 حيث بلغت حينها (20.05%)". وأضاف البيان، أن "متوسط حجم الأسرة في العراق بلغ (5.9) فرداً، فيما بلغت نسبة اكتظاظ الوحدات السكنية حسب المعيار (وجود أكثر من ثلاثة أشخاص في الغرفة الواحدة) بنسبة (29%)، في حين بلغ متوسط إنفاق الفرد الشهري (248.6) ألف دينار عراقي، كما بلغ متوسط إنفاق الأسرة الشهري (1,467) مليون دينار عراقي".
وأشار إلى أن "متوسط دخل الفرد بلغ (201.3) ألف دينار عراقي، فيما بلغ متوسط الدخل الشهري للأسرة (1,188) مليون دينار عراقي، في حين بلغ معدل البطالة للبالغين للفئة العمرية (15 سنة فأكثر) (13.5%)، كما بلغ معدل السكان النشطين اقتصادياً للفئة العمرية (15 سنة فأكثر) (38.1%)، أما نسبة عدد الأسر التي تمتلك البطاقة التموينية فبلغ (96.4%)". وأكد البيان أن "نتائج المسح أظهرت أن (15.2%) من الأفراد في العراق مصابون بأمراض مزمنة، فيما بلغت نسبة الأسر التي تمتلك المساكن التي تعيش فيها (77.6%)، أما نسبة الأسر التي ترتبط وحداتها السكنية بشبكة الماء العمومية فبلغت (86.48%)، في حين بلغت نسبة الأسر التي ترتبط وحداتها السكنية بشبكة الكهرباء العمومية (96.71%)، كما بلغت نسبة الأسر التي تمتلك حيازات زراعية (15.5%)، أما الأسر التي تمتلك حيازة غير زراعية فبلغت (8.2%)". وعلى مستوى المحافظات، أوضح البيان أن "محافظة المثنى سجلت أعلى نسبة للفقر بنسبة (40%)وتليها محافظة بابل بنسبة (35.7%)، أما الأقل فقراً فكانت محافظة أربيل بنسبة (7%)وتليها محافظة السليمانية بنسبة (8%)".
وأضاف أن "محافظات ذي قار والمثنى والديوانية ونينوى سجلت انخفاضاً كبيراً في معدلات الفقر بالمقارنة مع ما كانت عليه عام 2018. في حين سجلت محافظة ذي قار نسبة (15%) بعد ان كانت (40%) عام 2018، أما محافظة المثنى فسجلت (43%) بعد أن كانت (52%)، كما سجلت الديوانية نسبة (29%)، بعد أن كانت 48%، فيما سجلت محافظة نينوى (13%) بعد أن كانت (38%)".
مأزق الاقتصاد الريعي
وبحسب اقتصاديين ونواب، فإن المخاوف تبرز من تأثير هذه التركيبة السكانية الشابة على سوق العمل خلال السنوات القليلة المقبلة، إذ أن دخول هذا العدد الكبير من الشباب إلى سوق العمل قد يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة بشكل ملحوظ، خاصة في ظل محدودية الفرص المتاحة واعتماد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على القطاع العام والاقتصاد الريعي القائم على النفط. وقالت عضو مجلس النواب، مهدية اللامي، إن "الحكومة العراقية غير قادرة على توفير فرص عمل وتعيينات في الوقت الحالي للعاطلين سواءً كانوا خريجين أم غير ذلك، باعتبار أن اقتصاد العراق يعتمد بنسبة 90% على تصدير النفط فقط". وأكدت اللامي لـ(المدى) أنه "يجب على الحكومة توفير بدائل لاستيعاب الخريجين عن طريق الاستثمارات والقطاع الخاص والشركات العاملة في العراق ووضع شرط أساسي في العقود المبرمة بتشغيل نسبة من العمالة العراقية فيها، لحل هذه الأزمة التي ستتفاقم خلال السنوات المقبلة".
وأضافت انه "يجب على الجميع التحدث بواقعية ودون مجاملات وتلاعب بمشاعر المواطنين، وإطلاق الوعود قبل الانتخابات بتعيين الشباب لان هذا الامر لن يحدث في ظل السياسات الاقتصادية الحالية أو في حل استمرت بهذا النسق".
مخرجات التعليم
وترجع أسباب ارتفاع معدلات البطالة في العراق إلى مجموعة من العوامل المتشابكة؛ حيث يُعزى الجزء الأكبر من هذه الأزمة إلى الاعتماد المفرط على القطاع العام في التوظيف، إذ تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 38.25% من القوى العاملة النشطة اقتصاديًا تعمل في المؤسسات الحكومية والقطاع العام.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يُضاف إلى ذلك ضعف أداء القطاع الخاص، والذي يُعاني من تحديات تنظيمية وتشريعية وبنية تحتية غير ملائمة، ما يعوق قدرته على استيعاب الأيدي العاملة الشابة التي تتدفق إلى سوق العمل سنويًا، كما أن القطاع الخاص يواجه منافسة شرسة من المنتجات المستوردة، الأمر الذي يُضعف الاستثمار المحلي ويحد من القدرة على خلق وظائف جديدة. ويرى مختصون أن عدم توافق مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل الفعلية، حيث يركز النظام التعليمي العراقي بشكل أكبر على التخصصات النظرية والأكاديمية، في حين يتطلب السوق مهارات عملية وتقنية تتناسب مع التحولات العالمية نحو الاقتصاد الرقمي والصناعات الحديثة.
تحديد النسل
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه، أن "الأرقام الجديدة التي كشفها التعداد السكاني، جعلت العراق أمام تحديات جديدة، خاصة في ظل وجود أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل، وفي ظل محدودية الموارد، وريعية الاقتصاد العراقي، ينبغي على الحكومة التوجه نحو تحديد النسل للسيطرة على النمو السكاني الكبير".
وأوضح عبد ربه لـ(المدى) أن "التوسع السكاني الحاصل في العراق، يشكل ضغطًا كبيرًا على الخدمات والبنى التحتية التي تقدمها الدولة، ما يوجب التوسع في تقديم هذه الخدمية لتلبية احتياجات السكان المتزايدة"، مشيرًا إلى أن "على الحكومات القادمة العمل بجهد أكبر لتنويع موارد الاقتصاد، وتطوير القطاع الخاص بشكل فعلي لمجاراة الزيادات السكانية".