علي حسين
أفضل وأغنى رواية عن خراب الأمم، تركها لنا مواطن نمساوي اسمه ستيفان تسفايج، ففي لحظة فارقة من تاريخ البشرية يكتب هذا الرجل النحيل مذكراته عن عالم مضى.
ما هو الشعور الذي سيخامرك وأنت تقرأ حكاية صعود القوى الكارهة للحياة، كما يصفها في مذكرته “عالم الأمس”؟ لا أدري.. حاول أن تقرأ.يقول تسفايج: " الكاره للحياة يتوهم أنه وحده الذي يعلم، وعلى الآخرين أن يتعلموا منه" .
لا أحب أن ألقي عليكم دروس الكتاب، لكن لا مفر من مراجعة تجارب الآخرين، وعندما نقرأ كم تكرر الظلم والعنف نشعر بأن العالم كله كان في يوم من الأيام مسرحا للعبث والخراب.
هذا الفشل والخوف من المجهول يراد لنا أن نعيش معه إلى النهاية، فالساسة الذين سبحوا بحمد الأمريكان وقدموا سيوف الذهب إلى رامسفيلد وكانوا لا ينامون قبل أن يطمئنوا إلى أن المستر بول بريمر راض عنهم، وجدناهم قبل سنوات قليلة يطالبون باعدام ترامب في ساحة التحرير ، وصفقت لهم الجماهير ، لكننا اكتشفنا اليوم ان مذكرة القاء القبض التي صدرت عام 2021 ومن مركز شرطة السعدون ، مزورة . كيف ياسادة ونحن قرأنا في ذلك الوقت تصريحا لمجلس القضاء الاعلى يقول فيه إن "القضاء أصدر مذكرة قبض بحق الرئيس الأمريكي السابق" – يقصد ترامب – ؟ وقبل اشهر خرجت علينا لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان لتؤكد ان مذكرة القاء القبض موجودة وبالحفظ والصون .
معطم مسؤولينا مولعين بلقطات الأكشن، وفي كل تصريح نجد ذلك الإصرار في البحث عن لقطة مثيرة يستدرّون من خلالها آهات الإعجاب، وكان آخرها عروض " الشو" المثيرة التي يقدمها هذه الأيام محمود المشهداني الذي طالب – وهو محق – بالغاء الانتخابات وتوزيع مقاعد البرلمان على الاحزاب الرئيسية .
الذين انتظروا الديمقراطية من الأحزاب التي تحكمنا يعانون من سذاجة مثلي، لأنهم يعتقدون أنهم يعيشون في ظل أحزاب تحترم الآخر. اليوم هناك قواعد جديدة وواضحة للعمل السياسي، عبَّر عنها معظم شيوخ وخطباء هذه الأحزاب. في الانتخابات الأخيرة أصدر البعض فتاوى بتحريم انتخاب الشخصيات المدنية لأنها في نظره شخصيات كافرة، وظل الشيخ عامر الكفيشي يردد أن كل القوى المدنية ملحدة، واليوم في الوقت الذي يحاول العراق أن يبتعد عن ساحة الصراع الإيراني الأميركي ، بعض السياسيين طرف في السجال بدعوتهم إلى قطع اذن ترامب ، وهو أمر يثير الاستغراب بنفس القدر الذى يثير به التعجب! ربما يقول البعض: يا رجل هل أنت سعيد بوجود ترامب ؟.. ياسادة أنا ومعي ملايين العراقيين لم نطالب الأمريكان بانتخاب ترامب ولم نوجه له التهنئة ولم نتسامر مع السفيرة الامريكية .. ومن يريد التأكد عليه ان يصعد في سفينة العم غوغل وسيرى العجب .