د. امل الخزعلي
قد يوحي التصريح الأخير لأحمد الشرع، رئيس الإدارة السورية الجديدة، بأن الفترة الحالية هي مرحلة الدولة وليس الثورة. بنوعٍ من الرسائل الايجابية التي توحي أن الآفق السياسي للقيادة السياسية السورية لمرحلة ما بعد حكم الأسد. لكن قراءة هذه الرسائل بحاجة إلى تفكيك أيديولوجية النخب السياسية التي تحكم سوريا حالياً، إذ هي لا تزال متمسكة بالايديولوجية الإسلاموية السياسية، حتى وأن تقدم خطاباً يتماهى مع مفردة "الدولة المدنية" التي يكررها الإسلاميون كلما وصولوا إلى سدة الحكم.
لا تعد تجربة الاسلام السياسي في سوريا الأولى من نوعها فقد شهدت المنطقة العربية قبل اربعه عشر عاماً تجارب عديدة تمخضت عن ما اطلق عليه آنذاك بثورات الربيع العربي حيث وصل الاخوان المسلمون الى الحكم في مصر وتصدر حزب النهضة المشهد السياسي في تونس. غير ان حكمهما لم يستمر طويلاً حيث الت كلا التجربتين الى فشل ذريع لأسباب عديده تراجعت على اثرها شعبية الاسلامين في المجال السياسي وعاشت الحركات الاسلامية مأزقاً حقيقياً بعد حظر نشاط جماعة الاخوان المسلمين في مصر وتصنيفها كمنظمة ارهابية في عدد من الدول، بينما خسرت حركه النهضة التونسية الانتخابات البرلمانية عام 2014 وبدأت بمراجعة فكرية لتشخيص أسباب تراجعها وتأنى بنفسها عن المتشددين الاسلاميين.
وافرز ذلك الواقع اراء عديدة حول مستقبل الحركات الاسلامية فقد اكد البعض انتهاء حقبة الاسلام السياسي جازماً بعدم قدرته العودة الى الواجهة مرة اخرى وان مشروع الاسلام السياسي محكوم عليه بالفشل حسب تعبير- اوليفيه روا -وان الجهاد باسم الاسلام المتطرف قد انتهى وسيقتصر وجود الجماعات الجهادية على الصراعات المحلية ويكون مصيرها الفشل ايضاً، بينما كان للبعض الاخر رائياً مغايراً من خلال التأكيد على امكانية الجماعات المتشددة العودة للمشهد السياسي في حالة التدخل الخارجي، وقد اثبت التوقع الاخير صحته عندما اسهمت قوى خارجية في تمكين بعض الفصائل المسلحة من استلام دفه الحكم في سوريا، دون أن نغفل بالطبع، دور السياسات الخاطئة لنظام بشار الاسد واعتماده على دعم بعض الجهات الخارجية التي تخلت عن نظامه لتفسح المجال للتغيير الكبير الذي حصل في 8 ديسمبر 2024.
وبالعودة الى التجارب الاسلامية التي سبق ذكرها فقد كان فشلها نتيجة حتمية للأخطاء التي اركبتها لاسيما الاجراءات المتسرعة وبعض القرارات التي لم تراعي الخصوصيات الاجتماعية ولم تحسن ادارة التنوع الاجتماعي، وتقييدها لبعض الحقوق والحريات الشخصية فضلا عن انفرادها باتخاذ قرارات مصيرية دون أخذ اراء ومواقف القوى السياسية الاخرى بعين الاعتبار.
واذا كانت الاحداث السورية الاخيرة قد دفعت بالاسلام السياسي الى دائرة الاحداث في المنطقة مرة اخرى فانها في نفس الوقت أثارت سؤالا مهما يتعلق بمدى استفادة القائمين على حكم سوريا اليوم من تلك التجارب وما آلت اليه وقدرتهاعلى تحاشي الوقوع في نفس اخطائها لكي لا يكون مصيرها الفشل؟
ان الاجابة على هذا التساؤل تنطوي على اشكاليات عديدة لعل ابرزها: هل سيتمكن الاسلاميون من اشاعة حالة من الاطمئنان بين مختلف الطوائف والقوميات الموجودة في سوريا واعتمادهم لغة الحوار وترسيخ المواطنة لتكون مرتكز اساسياً للنظام الجديد؟ وهل سيتمكنون من تغيير قناعاتهم المتشددة والركون الى خطاب معتدل بدل من لغة القوة والاعمال الانتقامية ضد المعارضين وأتباع النظام السابق؟
وهل بامكان اسلاميو سوريا بناء علاقات خارجية متوازنة مع دول الجوار مع تجاوز المتبنيات الطائفية والقومية والقناعات المسبقة؟ وهل يدركون ان الدعم الخارجي وبناء علاقات خارجية جيدة والحصول على المساعدات من الدول الداعمة للتغيير لا تعد وحدها ضمان لاستمرار حكمهم بل يبقى الدعم الشعبي الداخلي هو ضمانه الاستمرار؟
وهل بأمكان قادة التغيير المحافظة على وحده الموقف بين الفصائل العديدة التي اسهمت في التغيير وضمان عدم تشرذمها في حال الخلاف على المناصب والمكتسبات وعلى السياسات المتبعة من قادتها على ارض الواقع؟
وهل يدرك اؤلئك القادة ان بناء الدولة اقتصادياً لاسيما في مواجهة الظروف المالية الصعبة التي تواجهها سوريا يعد مهمة اساسيه لضمان الاستمرار في ظل عدم امتلاكهم لرؤية واضحة وإجراءات اقتصادية ناجحة شأنهم في ذلك شأن الحركات الاسلامية الاخرى التي جعلت الوصول الى السلطة هاجسها الوحيد وأجلت غير ذلك لما بعد تمكنها من السلطة؟
وهل بامكان الادارة الجديدة ان تستوحي التجربة التركية –بحكم العلاقات الجيدة معها – وبناء نظام مؤسسي حداثوي يراعي التطورات المختلفة التي طالت مجالات عديدة؟
اخيراً هل تمثل بعض التصريحات والمواقف السياسية المعتدلة نوعاً ما لبعض الشخصيات القيادية استراتيجية ثابته لمواجهة التحديات ام انها مجرد وسائل براغماتية مؤقته وتكتيك مرحلي لكسب التأييد وامكانية التخلي عن ذلك بعد تثبيت اركان النظام الجديد وتحقيق اغراضها السياسية؟
أن الوقت كفيل بالإجابة على تلك الاسئلة التي سيتحدد في اطارها مستقبل الاسلام السياسي في سوريا بل مستقبل البلد بشكل عام مع التحديات الامنية التي يواجهها سواء على المستوى الداخلي او الخارجي، بل سيتحدد على اساسها مستقبل الحركات الاسلامية في المنطقة ككل.