طالب عبد العزيز
هناك ارتداد كبير تتعرض له الديمقراطية في العالم، ويتجلى ذلك في أمريكا وأوربا بوضوح أكثر، أما في بلدان العالم الثالث والرابع فحدث ولا حرج، فما هي والديمقراطية بشيء. لكن، ما يحدث على الكرة الأرضية من خرق وتطاول عليها ينبئُ بمستقبل قاتم، سيعرض الإنسانية الى الخطر. معلوم أنَّ الأنظمة الكبرى والقوية تفهم الديمقراطية بعدد الرؤوس النووية التي تمتلكها، إذْ أنَّ القوة تبرر كلَّ سلوك عابر للغة العقل، والمنطق، ولا نجد في قضية كهذه ما يشغلنا بحديث الديمقراطية، فهي لعبة الأقوياء، لكننا نزداد غرابة حين تتحدث الأحزاب الدينية في شرقنا العربي والعراق وسوريا بخاصة عن قواعد الديمقراطية والوصول لسدة الحكم بناءً على القواعد (العظيمة) تلك!!
بعد تداول مواقع التواصل الاجتماعي للقرار ذي الرقم 59 لسنة 2025 الذي أصدره مجلس محافظة البصرة والقاضي بموجبه منح كل عضو فيه مبلغ يقارب خمسة ملايين دينار شهرياً مبوبة على ثلاث فئات منها وقود السيارات والضيافة داخل المجلس والمعونات الاجتماعية. القرار الذي تم تسريبه لوسائل الإعلام أغضب رئيس المجلس خلف البدران، فقام بطرد الصحفي في موقع مرفأ الإخباري علي العذاري، وسط صمت أوليٍّ سرعان من تحوّل الى استنكار وقضية رأي، تفيد بأنَّ حقّ امتلاك المعلومة مكفول بموجب الدستور، توالت بعده مواقف المسؤولين الحكوميين والصحفيين والمثقفين في المدينة مستهجنةً ومستنكرةً وتدين ما قام به رئيس المجلس، والذي اضطر الى الحديث وتبيان جملة الأسباب التي تم بموجبها إصدار القرار، وأنه سيقيم دعوة قضائية ضدَّ كلِّ من يتحدث بسوء عن أعضاء المجلس.
يشير القرار الذي أصدره وصوّت ديمقراطياً عليه المجلس الى صرف مكافأة مالية قدرها ثلاثة ملايين دينار لكل عضو تصرف في بداية كل سنة ومثلها ثلاثة ملايين أخرى تصرف في نهاية كل سنة، ومعلوم أنَّ عضو المجلس يتمتع براتب مدير عام قدره مليونين وسبعمائة وخمسين الف دينار عراقي وبذلك يكون المبلغ الذي يتقاضاه عضو المجلس شهرياً هو أكثر من سبعة ملايين دينار، مضافاً اليه مبلغ الـ 6 ملايين السنوية التي ستصرف كل بداية ونهاية سنة. ترى، هل يتناسب أداء عضو المجلس مع ما يتقاضاه فعلاً، إذا ما علمنا بأنَّ السنوات التي عمل فيها المحافظ بدون المجلس كانت من افضل السنوات، حيث أنجز الرجل أسعد العيداني ما لم يتمكن من إنجازه المحافظين السابقين، الذين كان المجلس واحداً من أسباب تراجع نسب الإنجاز وتلكؤ المشاريع بشهادة القاصي والداني في المدينة.
كل العراقيين يقرون بأنَّ مجالس المحافظات حلقات زائدة، ولا معنى لوجودها، وهي فهم متأخر للديمقراطية ووظائف معطِلبة للبناء، ووجودها تم بناء على إصرار الأحزاب الدينية في تقاسم المغانم والمشاريع، ولتعظيم مواردها المالية لا أكثر، وكلنا شهدنا التناحر الذي كان قائماً بين كتل المجلس في البصرة عند التصويت على المشاريع، وكلنا عانى من سوء الخدمات في السنوات تلك. ولا نجد بين البصريين من لا يقول بأنَّ الأحزاب هذه إنما تنقل خلافاتها الى أروقة المجلس، ولا تتفق بينها إلا بحدود ما تنتفع منه، وحتى اليوم لم يلمس المواطنُ البصريُّ قراراً شُرِّعَ وانتهى لمصلحته، فراتب الإعانة الاجتماعية لا يسدُّ كلفة مراجعة طبيب واحد في الشهر، والمتقاعد الذي أمضى ثلاثين أو أربعين سنة لا يتقاضي أكثر من 600 ألف دينار في الشهر، والمدارس الحكومية في أسوأ أحوالها، والمدارس الاهلية والتنقلات والعيادات الخاصة تستنزف راتب الموظف، وكلفة الطعام لأبسط عائلة تفوق ما يتقاضاه معيلُئها، وراتب عامل البلدية يجعله يراكم النفايات في القرى والضواحي ووو عن أيِّ ديمقراطية وتشريع أو قرار هام للمجلس نتحدث يا سيادة الرئيس؟